مقالات مختارة

أميركا هي «إسرائيل» الكبرى
وإنهاء وجودها في غرب آسيا بات محتّماً: د. عصام نعمان

ما ارتكبه دونالد ترامب في قلب العراق جريمة تاريخية بامتياز تخدم أغراض أميركا الصغرى، “إسرائيل”، كما مصالح “إسرائيل” الكبرى، أي الولايات المتحدة ذاتها. “إسرائيل” الكبرى وأميركا الصغرى منخرطتان منذ العام 1979 في حربٍ متواصلة مع قوى المقاومة الناشطة ضدهما من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً الى تخوم افغانستان شرقاً. اغتيالُ رئيس هيئة اركان جميع قوى المقاومة في بلدان غرب آسيا قاسم سليماني ومساعده نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق ابو مهدي المهندس دليل إضافي ساطع على تواصل حرب أميركا الصغرى و”إسرائيل” الكبرى وتصعيدها ضد جميع قوى المقاومة العربية والإسلامية.

 

ما أبرز معطيات الجريمة التاريخية وتداعياتها؟

في المعطيات، تتضح الحقائق الثلاث الآتية:

أولاها، إن ترامب أعلن جهاراً نهاراً وضعَ يده مباشرةً على مناطق حقول النفط في سورية، كما كان فعل مداورةً قبل سنوات في العراق، وأن أميركا عازمة على استثمارها ومصادرة عائداتها وتوظيف بعضها لدعم حلفائها من الكرد السوريين، وأنها لهذا الغرض قامت بتعزيز قواتها في كِلا البلدين.

ثانيتها، ان الضربة الأميركية الصاعقة لثلاثة مواقع لكتائب حزب الله في منطقة القائم العراقية المحاذية لمعبر البوكمال السوري لم تكن، في الواقع، رداً على عملية قصفٍ لقوات أميركية متمركزة في قاعدة عسكرية عراقية بمحيط مدينة كركوك النفطية، بل كانت ضربة مدروسة في سياق استراتيجي غايتها إقفال معبر البوكمال بين العراق وسورية استجابةً لطلب “إسرائيل” المتخوّفة من مخاطر وجود خط إمداد لوجستي ممتد من إيران الى لبنان عبر العراق وسورية.

ثالثتها، إن ما كشفه رئيس اركان الجيش الإسرائيلي الجنرال افيف كوخافي في معهد هرتسيليا المتعدد المجالات قبل نحو أسبوعين من معطيات ومخاوف لجهة تعاظم قوة “فيلق القدس” بقيادة قاسم سليماني في سورية، كما تزايد عدد الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله في لبنان، ولكون الصناعة العسكرية الإيرانية أكبر من كل الصناعات الأمنية في “إسرائيل”…كل ذلك يؤكد تنامي مخاوف القيادة العسكرية الإسرائيلية مما تعتبره مخاطر جدّية تهدّد الأمن القومي للكيان الصهيوني.

اذْ شكّلت المعطيات سالفة الذكر حوافز قوية لـِ “إسرائيل الكبرى” كي تسارع الى سدّ فجوات أمنها، بعدما قامت إيران بإسقاط طائرة تجسس أميركية مسيّرة ومتطورة على علو نحو 20 كيلومتراً، ثم قام حلفاؤها اليمنيون بتدمير موقعين إنتاجيين لشركة أرامكو النفطية ما ادى الى خفض صادرات السعودية من النفط بمقدار النصف… كل هذه التطورات شكّلت حوافز اضافية دافعة للولايات المتحدة الى محاولة استعادة “هيبتها الردعية” بتوجيه ضربة شديدة الى إيران بما هي راعية محور المقاومة وأقوى أطرافه، فماذا تراها تكون التداعيات والمفاعيل المترتبة على ذلك؟

لعلها ثلاث:

أولاها، ان أميركا خسرت بمجرد إقدامها على اغتيال قاسم سليماني ورفيقه ابو مهدي المهندس، نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي” التي يرأسها رسمياً القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، خسرت “أصدقاءها” وضاعفت أعداءها العراقيين الكثر الأمر الذي اعطى أهل السلطة في بغداد السببَ والدافع والمسوّغ لتشريع إنهاء الوجود العسكري الأميركي في بلاد الرافدين. لا غلوّ في القول إن إجلاء القوات الأميركية عن العراق سيشكّل خسارة استراتيجية مدوّية لكل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” اذْ لا يُبقي لواشنطن في الإقليم من مرتكز برّي ذي قيمة استراتيجية وازنة إلاّ الكيان الصهيوني.

ثانيتها، إن ضخامة مفاعيل اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على العراق كما على إيران وسائر اطراف محور المقاومة، ستجعل هؤلاء جميعاً محكومين باتخاذ تدابير عملانية ولوجستية متقدّمة ومعجّلة لتوحيد وتفعيل جبهات المواجهة ضد “إسرائيل” وأميركا على مدى مساحة برية وبحرية وجوية واسعة تمتد من شواطئ البحر المتوسط غرباً الى تخوم افغانستان شرقاً، ومن بادية سورية شمالاً الى جبال اليمن جنوباً وذلك تحسباً لأي ردّة فعل أميركية واسعة على قيام إيران بتنفيذ وعيد مرشدها الأعلى السيد علي خامنئي “بردٍّ قاسٍ” على الولايات المتحدة في العراق او على مدى الشرق الأوسط برمته.

ثالثتها، إن قواعد اشتباك جديدة قد تولّدت جراء عملية الاغتيال بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة واطراف محور المقاومة من جهة أخرى. واذ تبدو الحرب المفتوحة مستبعدة في مرحلتها الأولى، فإن من المحتمل جداً ان تؤدي ردة فعل أميركا على الضربة الإيرانية القاسية المتوقعة، وربما قبلها، الى خروج إيران من الاتفاق النووي نهائياً، وإلى توسيع بيكار الرد الثأري المتدرّج لمحور المقاومة بحيث يشمل جبهات تصديها جميعاً لـِ “إسرائيل”، وقد يتطوّر لاحقاً الى حرب مفتوحة بين جميع أطراف الصراع المرير المحتدم في الإقليم.

قيل إن الثأر طبقُ طعامٍ لا يجوز تناوله إلاّ بارداً. حسناً، إن إيران ما زالت تصبر وتتصابر وتتصدّى بحكمة وأناة للعدوان الصهيوأميركي المتواصل منذ اندلاع ثورتها العام 1979، ومثلها تنظيمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية. غير ان صَلَف العدو الصهيوني وتهوّر العدو الترامبي الأميركي سيؤديان، عاجلاً أو آجلاً، الى اندلاع حربٍ واسعة ومدمرة، قد يتسنّى معها للسيد حسن نصرالله وغيره كثيرون بأن يحققوا أمنية عتيقة ومتجددة بالصلاة في القدس الشريف

تقبّل الله صلاتكم ودعاءكم.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى