مقالات مختارة

“الثنائي” أعطى دياب ما لم يُعطه للحريري: نقولا ناصيف

أضحى صدور مراسيم حكومة الرئيس حسان دياب وشيكاً، إلا أن الامتحان الفعلي الذي ينتظرها مزدوج: شارع الحراك والشارع السنّي، لكن أيضاً الوصول الى مجلس النواب ومثولها أمامه. لا تخشى الثقة، بل اللاعبين بنار الميثاقية

 

رغم الشدّ المتبادل بين الأفرقاء المشاركين، مع الرئيس المكلف حسان دياب، في تأليف الحكومة على الأسماء أكثر منها على الحقائب، وقد أضحت في معظمها محسومة وموزعة الحصص عليهم، من الواضح أن الشق الآخر من هذه المهمة يتركز على مرحلة ما بعد صدور مراسيم الحكومة الجديدة. من الوهم الاعتقاد أنها ما إن تحوز ثقة البرلمان ستكتفي بستة أشهر في الحكم. حكومة 2019 برئاسة الرئيس سعد الحريري على إثر الانتخابات النيابية قبل ستة أشهر، توقعت لنفسها أن تستمر طوال النصف الثاني من ولاية الرئيس ميشال عون، بيد أنها سقطت بعد 8 أشهر وستة أيام. كان المتوقع بقاء الحريري في السرايا طوال سني الولاية، فإذا الرجل يُخرج نفسه بنفسه ولا يعود.

بضعة معطيات يقاربها الأفرقاء المعنيون بتأليف الحكومة باهتمام، ويأخذونها في الاعتبار:

1 – لا عودة الى ما قبل تكليف دياب بعد إيصاد الأبواب بإحكام أمام عودة الحريري الى السرايا. وهو الرهان الأساسي الذي عوّل عليه غداة تكليف سواه، وتوقع أن يحمل تصعيد الشارع السنّي دياب على الاعتذار عن تأليف الحكومة. وفيما يمضي الحريري إجازة الأعياد في باريس كأنه غير معني بما يجري في لبنان، ولا يرأس حكومة تصريف الأعمال، ولا شأن له بالضائقة النقدية والاقتصادية وتسيّب الشارع، كان خلَفُه بتأنّ ملموس يحاول تفكيك العقد والعراقيل من غير أن يجد نفسه ملزماً بتقديم تنازلات فادحة.

2 – لا جدال في أن مراسيم الحكومة الجديدة ستبصر النور خلال أيام قليلة، تبعاً لمعظم عناصر التصوّر الذي وضعه لها الرئيس المكلف: مصغرة، وزراء تكنوقراط ليس بينهم نواب ولا حزبيون. أحرز مكسباً أساسياً غير محسوب بحمله الثنائي الشيعي على التخلي عما لم يكن متوقعاً التنازل عنه، وكان في صلب الخلاف مع الحريري. لن تكون الحكومة الجديدة تكنو ــــ سياسية تبعاً لما أعدّ له رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي عندما فاوض الحريري، ثم عندما فاوض المرشحين الثلاثة لترؤس الحكومة قبل اعتذارهم، ثم عندما بدأ التفاوض مع دياب. تساهل الثنائي الشيعي بالتخلي عن توزير النواب ووزراء الصف الأول، وتسمّر أمام خط الدفاع الأخير وهو حكومة تكنو ــــ سياسية.

اليوم، لم يعد أحد يتحدث عن هذا الشرط بما فيه الفريق الشيعي، من غير أن يتوجس أو يشكك في الرئيس المكلف. لم يعد يصرّ على الغطاء السياسي الذي يوفره الوزراء الحزبيون للوزراء الخبراء، ولا التمسك باحترام نتائج انتخابات 2018. نشأت للتوّ معادلة جديدة أكدت شراكة التأليف بين الرئيس المكلف والكتل الرئيسية: تجاريه الكتل في توزير تكنوقراط وإن انبثقت تسمية بعضهم منها هي بالذات من غير أن يكون حزبياً فيها، في مقابل تسليم الرئيس المكلف بأن الكتل هذه تمثل الغالبية النيابية التي تمسك بعنق حكومته في البرلمان.

3 – ستمثل حكومة دياب أمام مجلس النواب، وستحوز الثقة بالغالبية المطلقة أو الغالبية النسبية في ظل توافر النصاب القانوني للجلسة تبعاً للمادة 34 من الدستور، وهو النصف زائداً واحداً. عام 2004، حازت حكومة الرئيس عمر كرامي ثقة نسبية هي 59 صوتاً بسبب مقاطعة تيار المستقبل وحلفائه لها، وفي عام 2011، حازت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ثقة 68 نائباً، أكثر بقليل من النصف زائداً واحداً، ووُصفت ــــ كما من قبل حكومة كرامي ــــ بأنها ذات لون واحد. كذلك حازت حكومة الرئيس تمام سلام عام 2013 ثقة 68 صوتاً، رغم أن تيار المستقبل كان في عدادها. بيد أن المثل الأسطع على علاقة محتملة بين الثقة المتدنية ومقدرة الحكومة على ممارسة الحكم يكمن في حكومة 2011.

    وازن الثنائي بين تخلّيه عن حكومة تكنوسياسية وإمساكه بالغالبية النيابية

حرّض الحريري الشارع السنّي على ميقاتي ودفعه الى الشغب، من غير أن يتمكن من حمل الرئيس المكلف آنذاك، رغم طول المدة التي استغرقها التأليف وبلغت 139 يوماً، على الاعتذار أو إخفاقه في أن يحكم. فصمدت حكومة ميقاتي طوال سنتين وشهرين وأسبوع. اللعبة نفسها كررها الحريري فور تكليف دياب، ولا يزال يطلق ــــ وإن عبثاً ــــ الزمام لأنصاره في بيروت والبقاع الأوسط وبعض الشمال لإقفال الطرق.

في أي من الحكومات تلك، وخصوصاً حكومة ميقاتي التي قاطعها تيار المستقبل من غير أن يتمثل فيها، كذلك حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب ما خلا وليد جنبلاط الذي انضم إليها، لم تُثر فيها مسألة الميثاقية الوطنية. في حكومة 2011، جلس الوزراء السنّة على مقاعدهم ولم يكن بينهم مَن يمتّ بصلة للحريري، من دون أن يتذرع أحد ما بافتقار الحكومة الجديدة الى الشرط الصلب للميثاقية، وهو استبعاد طائفة عنها.

4 – مع أن دار الفتوى لم تستقبل حتى الآن الرئيس المكلف، رغم التقليد المتبع بزيارته إياها فور تكليفه، إلا أن المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان لم يتخذ موقفاً سلبياً من تكليف دياب ولا ناوأه، مكتفياً بالصمت. وهو موقف مترجح ما بين سلبية ظاهرة وإيجابية مضمرة غير كافية، ما دام صاحب الدار لم يقل حتى الآن إنه لا يريده. ومع أن الرئيس المكلف يفضّل احتضان المرجعية الدينية السنّية الأولى له في مفاوضات شاقة يجريها مع الثنائي الشيعي، فسّر البعض الصمت والتريث الواضحين لدار الإفتاء كما لو أنه يمنح الرئيس المكلف حظوظاً إضافية كي يتيقّن من الحكومة التي يؤلّفها، ومن أن لا افتئات على حصة الطائفة فيها ولا على صلاحيات الرئيس المكلف المتصلة مباشرة بالتأليف. عناد دياب في الإصرار على شروطه، زكّى أيضاً الفرصة التي منحه إياها الحراك الشعبي الذي يلزم التهدئة بإزاء الرئيس المكلف وينتظر صدور مراسيم الحكومة الجديدة.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى