مقالات مختارة

“ثورة” بحرف السين بدلاً من الثاء في عتمة العرب: لا تضحكوا……. الدكتور نسيم الخوري

 

 

 

الثورة بالسين أو بالثاء والإنتفاضات بالضاد أو بالدال والحراك بالحاء أو بالهاء نسمعها في بعض الساحات. قد تدفعنا إلى البسمة حيث كتبت بأنّه لم يبق لنا سوى اللغة التي أندثرت لكن لنتذكّر:

 

تبقى هذه الملفوظات أكثر من قويّة وتنبيء بالطموحات الثورية في التغيير.وليقرأ السياسيون في لبنان وغيره العبر والدروس المستعادة من التاريخ ، وليفهموا معنى التغيير من مذود بيت لحم في فلسطين إلى أغنية لبنان والغنج بكونه زهرة الحداثة والتحديث والتغيير ، لكنّ الغنج والحشر في الزوايا يخرج أفاعي الأرض في أزمنة العتم العرب الحامل لما أتركه في نقاط حافلة بالسلبيات………؟

لكن أيضاً:

كيف يمكن التوفيق بين صدمات تحديث المجتمعات وتأصل الفكر الديني فيها؟

هل لكلّ مجتمعٍ مصغّر حداثته الخاصّة به أم أنّ الحداثة مرتبطة حصراً بالمجتمعات الغربيّة التي تحرّرت من الزوايا؟

أيمكننا في الألفيّة الثالثة بناء مجتمعات جديدة على أسسٍ وأعمدة الدين ورفضاً لصناعة التحديث والتغيير؟

هل لنا الحق أن نقيس تقدّم المجتمعات المتنوّعة عبر تقليد الثورة الفرنسية أو الأميركية أو البولشيفية وغيرها ومحاربة مجتمعاتها، وبالتالي كيف نحكم الناس قبل أن نخرج من العقول المتحجّرة والحروب المتعدّدة الهويات التي دمّرت، حتّى الآن، الكثير من البلدان العربية العريقة خلال عقد واحد، وبدأت في لبنان. هذه الأسئلة وغيرها كثيرة، كانت محور المناقشات الجامعية لطلاّبي الدكتوراه في حلقة خاصة يومية في منزلي، خلال هذين الأسبوعين، حول ما يحصل في لبنان واضعين خطوطاً تحت عناوين ومفارقات لنهضات الشعوب وتحديثها وسقوط العديد من البلدان العربيّة الأخرى بالمقابل.

أوصلتنا المناقشات إلى أسئلة:

هل نام أهل الصين فوق أغنيات سورهم الطويل والعظيم الذي بناه جدّهم القديم أم أنّهم عبروا جادات الصناعة والتكنولوجيا والتجارة للريادة لا المشاركة في صنع مستقبل الحداثة والتحديث وحسب وصولاً إلى مصاف أعظم الدول ومقارعتها ؟

هل بنت أميركا أو الإتّحاد السوفياتي أواليابان أو كوريا وغيرها من الدول عظمتها الحاضرة بالقصائد الممجّدة للتاريخ القديم؟

يمكن الإقرار، إذن، أنّ نهضة المجتمعات باتت طموحاً عالمياً وهي إفترضت من روّادها أطواراً قاسية إختصرناها بأطوار أربع متداخلة:

        طور الدفع بتحوّلات المجتمعات التكنولوجية الإقتصادية والإجتماعية والتربوية.

        إدارة الصراع المفتوح والعقلاني لا الدموي بين التقليديين والتجديديين وإحلال ديانة الآباء مكان ديانة الآباء.

        طور إشاعة قيم الحريّة والتقدّم والإنفتاح المدروس ومن دون فوضى.

        طور المشاركة والإنخراط في التبادل وقيم الإنتاج الذي تفرضه تلك التحوّلات.

هكذا يكتسب المواطن الذي يجد نفسه منخرطاً في مجتمعات التحديث الشكلي جاذبيّة هائلة في الإتجاه نحو الإنفتاح والثورة. وهذا يعني بأنّ هناك ملامح للفرد إبن الدولة الحديثة، على إعتبار أنّ الحداثة فكرة غنيّة لا يمكنها الإنضواء في مفهوم محدّد أو في قوالب جامدة، كونها تفرز حاجات الحياة الجديدة المتعطشة للتطوّر بإستمرار.

يمكنّك التعاطف السريع مع هذا الفرد المنتج الذي ينخرط في العمل وتحديث مجتمعه والقبول بتحولاته الشكليّة ولو كانت مستوردة إلى تفهّم مظاهر الحداثة ومفاهيمها وقيمها والنفاذ عبرها نحو الأفكار والمضامين كما في قبول الأشكال والقشور الخارجية دون ممارساتها. تلك هي المراحل الصعبة والقاسية في تاريخ تحولات المجتمعات من عالمٍ إلى آخر والتي تحتلّ زماننا المنتفض عبر شرائح شاباتنا وشبابنا الجامعي المتنوع المسكون بالتقدّم والإنفتاح وتلقّف مظاهر التجديد والتغيير وكره الطبقات الرسوبية المتحجّرة فوق لبنان منذ أن نشبت الحروب الأهلية والمستوردة.

يسهل بعد ذلك، نمو الميول نحو الديمقراطيّة والقدرة على فهم حريّة الغير ومشاعرهم وثقافاتهم وحكمهم الحضاري. والأهمّ هو التوجّه ألأليف نحو الحاضر والمستقبل مزوّداً بقيم الإستقرار المادي والإجتماعي والتسامح وشيوع الإيمان بالتخطيط والإعتقاد بقدرات الإنسان في السيطرة على مستقبله ومجتمعه، بصرف النظر عن قدسيّة معتقداته وإيمانه.

وفقاً لهذه المقاربات، قد تظهر الحداثة نظرياً بكونها نقيضة التقليد والجمود لكنه تناقض لا يعني الرفض المطلق للماضي وإنّما الإبقاء على النقاط والأفكار الإنسانية الكبرى المضيئة التي يحملها هذا الماضي، لأنّ إستيعاب الثقافة الحديثة بلعاً قد تترك ضياعاً وغربةً في المجتمعات.

ولنعترف أنّ كل كلام أو عمل أو خطط عن الحداثة الثورية في بلدٍ من دون تراث كالكلام في الهواء لا جذور له في الواقع أو هو خارج التاريخ المتناسق مع جرعات التغيير التي تتطلّب أحياناً قروناً وفلسفات وإستراتيجيات.

تصبح الحداثة أصيلة ومشرفة على النجاح والتبلور حين لا تعود محصورة بالأشكال والمكتشفات الحديثة العلمية والتكنولوجية والتواصلية وحسب، بل تغوص في العادات الجديدة المكتسبة والسلوك والليونة والحكمة في النظرة إلى التقاليد والثقافات التي تجمّل التحوّلات والقناعات الجديدة.

تفترض الحداثة الأصيلة إذن نوعاً من صهر الماضي والحاضر بمعنى الإنفصال النوعي المتدرّج لا الكمّي عن الماضي المتمثّل بالوجوه الكالحة والفاسدة. هكذا تغدو حركة المجتمعات التحديثية ناجحة ولو مكلفة ماديّاً وإنسانياً وتفترض قبولها من أهل الحاضر تقفيّاً للمستقبل الذي يستحيل القبض عليه وعلى منجزاته كلّها. وتصبح الحركة من هذا الحاضر الشبابي الجميل الجذّاب إلى المستقبل من جهة وبالنظر العقلاني الجريء إلى دفن الكثير من الماضي من جهةٍ أخرى، بدلاً من أن تبقى حركة إتّجاه نرجسي من الحاضر إلى الماضي.

كتبت طالبة أنّ الحداثة “تبقى ظل “الثورة” الخاصّة الممكنة والفاشلة التي تأخذك قطعاً إلى الأمام، لكن عليك ألاّ تجعلها تفلت من بين القوسين نحو الخراب العارم”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى