مقالات مختارة

أمرٌ أميركي… بتفجير لبنان؟: د. وفيق إبراهيم

السفارة الأميركية في لبنان تعرف أن بيانها الأخير الذي دعت فيه السلطات المحلية الى إبعاد التدخلات السياسية عن جريمة قبرشمون، هو أكثر من تدخل سافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، وتعلمُ ايضاً أنه مدعاة لاستنكارات وصخب قد تدفع وزارة الخارجية اللبنانية الى توجيه اللوم للسفارة.

 

لكنها لا تأبه لكل هذا الضجيج لأنها أرادت إفهام تحالفاتها الداخلية المدعومة أيضاً من السعودية ان الدولة الأميركية لن تسمح بإلحاق هزيمة بهم ومن أي نوع.

هذا في الظاهر، فهل يوجد شيء مخفيّ في العمق؟

يوحي التدخل السافر للسفارة بحاجة الأميركيين لعيارات عالية من التدخل، تعيدُ لأصدقائهم في الداخل ثقتهم بالسياسة الأميركية وتجديد إيمانهم بقدرتها على إحياء العظام وهي رميم.

وهذا جانب أراده بكل تأكيد بيان السفارة التي تعرف أيضاً أن زمن السحر ولّى، ولم يعُد يكفي «بيان مسعور» لإعادة نصب حركة سياسية قوية مشابهة لـ 14 آذار، فالزمن مختلف لأن حزب الله منتصر في الخارج والداخل، ومفعول الفتنة السنية الشيعية تراجع والقوة الأساسية عند المسيحيين هي عند التيار الوطني الحر الذي يترأسه جبران باسيل.

فما الذي يريده إذاً هذا البيان الذي ما كان ليصدر لولا وجود خطة متكاملة بعنوان جنبلاطي وعمقٍ بأهداف أميركية صرفة؟ فيبدو أبو تيمور كالكرد الذين يستعملهم الأميركيون لتبرير احتلالهم لمناطق سورية وعراقية ويلفظونهم عند أوان المساومات.

ويتبين ايضاً ان البيان أكبر من كمين قبرشمون الجنبلاطي بل مقدمة لرص صفوف الجبهة الداخلية الموالية للأميركيين والسعوديين تمهيداً للتعامل مع لبنان على الطريقة الإيرانية.

لذلك يجنح الأميركيون في خطتهم الى إصدار حركة عقوبات مالية اقتصادية تؤدي إلى انهيار كامل للاقتصاد اللبناني، بما يخلقُ مناخاً داخلياً قابلاً للتمرد على من يتهمونه بالتسبب في استجلاب النقمة الأميركية.

بالتوازي يستغلّ الحزب التقدمي الاشتراكي الجنبلاطي والقوات اللبنانية والكتائب والأحرار وحزب المستقبل والريفي وسعيد هذه النقمة لإعادة رص صفوفهم وتوجيه أكبر اتهامات معاصرة لحزب الله بالتسبب في هذا الانهيار، محاولين نقل هذا التوتر المفترض من المؤسسات السياسية والإعلامية الى الشارع، عبر افتعال أحداث أمنية على غرار كمين قبرشمون.

وذلك في محاولة لاستدراج حزب الله واتهامه باحتلال لبنان.

فهل يريد الأميركيون توتراً احترابياً ينشر الفوضى الأمنية الى جانب الانهيار الاقتصادي؟

هناك ميل أميركي الى إلحاق لبنان بأزمة الخليج على شكل «أمن ملاحة خاص به» فتلعب العقوبات الاقتصادية دور مفجّر العلاقات بين الطوائف، وإضعاف الدولة سياسياً وبالتالي تحييد مؤسساتها العسكرية والأمنية بما يؤدي إلى إضعاف الدولة لفشلها السياسي والعسكري والاقتصادي.

إن هذا السيناريو المفترض يدفع نحو ولادة مناطق «الأمر الواقع» وعمليات الاغتيال والتصعيد الطائفي، وهذا يتطلب وقتاً يريده الأميركي مواكباً للتوتر في الخليج ومتزامناً معه، وقد يفضّلون استمراره الى ما بعد مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2020.

وهذا يؤكد أن الأشهر الباقية من السنة الحالية هي مرحلة التوتير الأميركية في الشرق الأوسط وفنزويلا وبعض أنحاء آسيا وأفريقيا، تمهيداً للعودة الى سياسات الحروب بعد ستة اشهر تقريباً.

وبما أن الأميركيين يعرفون استحالة بناء قوى داخلية في لبنان تستطيع هزيمة حزب الله عسكرياً وسياسياً فلا يريدون من أعوانهم الداخليين إلا توفير الاحتراب السياسي الداخلي والانقسامات الاجتماعية العميقة، أي المناخات التي يحتاجها عدوان اسرائيلي على لبنان لن يتفاجأ أحد إذا كانت تغطيته من قوى 14 آذار اللبنانية وحلفاء «إسرائيل» في الخليج وحلف الناتو وقسم من دول أوروبا والبلدان المتسربلة بالتغطية الأميركية في أميركا الجنوبية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا.

هذه هي الخطة الأميركية التي تبدأ بعنوان دعم جنبلاط وبيان سفارتها المؤيد له ولا تنتهي إلا بمحاولة ضرب حزب الله بخطة محبكة. فهي اذاً مشروع للعبث بالتوازنات السياسية الداخلية الناتجة من انتخابات ديموقراطية وحروب منعت «إسرائيل» من احتلال لبنان وانتصرت على الإرهاب في سورية ولبنان.

فهل هذا التخطيط قدرٌ لا يمكن مجابهته؟

يستطيع الأميركيون أن ينفذوا الجانب المتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي لن ينجو منها أصدقاؤهم الممسكون بالتفاعلات الاقتصادية اللبنانية ومجمل اللبنانيين.

ولأن الأميركيين يعرفون أن عقوباتهم تطال كامل تنوّعات اللبنانيين الطبقية والطائفية مدركين أنها لن تطال حزب الله لذلك فهي تستهدف الشعب اللبناني بكامله ومن دون استثناء محاولين بذلك تشكيل استياء عام مناهض له، ومؤيد للاجتياح الإسرائيلي الأميركي المغطى خليجياً بالتمويل والدعاء لجهة النتائج المرتقبة لمشروع «الكاوبوي الأميركي» فتبدأ بتدحرجه القويّ نحو خسارة حربه على إيران وصعود قوة الدولة السورية، الى جانب احترافية حزب الله القادر بجهادية عالية الكعب على ردع أي مغامرة إسرائيلية في مهدها. هذه عوامل من شأنها التسبب برحيل مبكر لوليد جنبلاط الى نيويورك حسب رغبته ومعه مجموعة المهزومين في 14 آذار يقودهم الريفي وسعيد الى سوء المصير لأداء أدوار في نيويورك الى جانب رفيق الدرب أبي تيمور.

(البناء)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى