مقالات مختارة

حرب كشمير بواجهة هندية ـ باكستانية وتورّط دولي مكشوف!: د. وفيق ابراهيم

 

تَحوّلَ النزاع الهندي الباكستاني على منطقة كشمير الفاصلة بينهما مشروع حرب فعلية قد تشعل أكثر من شبه القارة الهندية .

لا شك أنّ هناك أسباباً هندية – باكستانية للصراع لم يجد أحدٌ له حلاً حتى الآن لكنه التزم بعد اندلاع حرب كبيرة بين طرفيها في 1972 بحدود الأمر الواقع في إطار هدنة مضبوطة، فما الذي استجدّ حتى يتحضّر البلدان لمواجهة واسعة؟

تصل مساحة كشمير الى 86 الف كلم مربع تقريباً تسيطر الهند على 65 في المئة منها تقريباً والباقي لباكستان كما تحتوي على غالبية إسلامية مقابل أقلية بوذية.

للتوضيح فإنّ انفصال الولايات الإسلامية في الهند بمسمّى جديد هو باكستان كان يُراد منه انفصال كامل الأقليات الإسلامية في شبه القارة الهندية، ونتيجة للبعد الجغرافي عن باكستان بقي ملايين المسلمين في أنحاء أخرى من الهند واحترب البلدان للاستحواذ على كشمير المنطقة الحدودية بينهما.

وكان التوتر السياسي يندلع على كشمير بين الفينة والأخرى لكنه لم يصل ومنذ 1972 إلى مرحلة حرب مكتفياً باشتباكات حدودية محدودة جداً تقتصر على مشاركة قليل من الجنود المنتشرين على حدود كشمير بين البلدين.

لجهة الأسباب الداخلية فإنّ جزءاً هاماً من «الإسلام المتطرف» ذي الجذر القاعدي موجود في باكستان وخصوصاً في كشمير ونما في مئات المراكز الاسلامية التي أسّستها السعودية ولا تزال تموّلها حتى تاريخه بمشاركة إماراتية ودعم من منظمة طالبان من مراكز نفوذها من أفغانستان المحاذية.

فرَفدَ هذا الاتجاه المتطرف التيارات الإسلامية في كشمير التي تعمل على تحرير القسم التي تسيطر عليه الهند فيها.

هناك فريق رابع تولى تقديم التسهيلات اللوجستية وحرية الحركة للتنظيمات الإسلامية وهي المخابرات الباكستانية التي لا يزال الغرب يتهمها حتى الآن بدعم القاعدة وطالبان في أفغانستان وتتهمها الهند حالياً بتوفير ظروف مناسبة لشنّ ضربات على القوات الهندية في كشمير وحتى داخل الهند.

لقد شكلت هذه التحالفات الغطاء الداخلي للعملية التي نفذها تشكيل إرهابي يُدعى «جيش محمد» مستهدفاً فيها كتيبة للجيش الهندي في مركز انتشاره في كشمير وأدّت الى مذبحة موصوفة.

ما أغضب نيودلهي ليست المذبحة فقط، إنما السلوك الباكستاني المتراخي الذي لم يمنح الهجوم الإرهابي الاهمية التي يستحقها.

واكتفت بشجب الهجوم والتعهّد بالتحقيق لكشف الفاعلين وهم معروفون سلفاً من أجهزتها، مشكلين جزءاً من بنية إرهابية تنتشر في معظم الجزء الباكستاني من كشمير.

لذلك حاولت الهند تنظيم ردّ عسكري يستبقُ فكرة مواصلة الهجمات على قواتها، فكانت الغارة الجوية الهندية على مواقع «جيش محمد» وتبيّن انّ باكستان كانت تتوقع مثل هذا الردّ فجابهته بشكل صارم الأمر الذي دفع بالبلدين لحشد قواتهما على حدوديهما في كشمير في حركات تصعيدية قد تتدحرج نحو حرب بين بلدين نوويين، وتعهّدت باكستان بإعادة طيار هندي أسقطت طائرته مقابل توقف الاستنفار الهندي.

تكشف هذه التفاصيل انّ أقساماً من المخابرات الباكستانية تعمل بإيحاء خارجي قابل للمضاعفة إذا كانت الهند العدو التقليدي هي المستهدف.

والسؤال هنا، لماذا يستهدفُ هذا الإيحاء الخارجي لمخابرات اسلام أباد الهند؟ وماذا فعلت؟

لم تفعل الهند ما يعادي علاقاتها الإقليمية والدولية، لكنها استمرّت بشراء النفط من إيران في حركة كسر للمقاطعة الأميركية التي تمنع العالم من علاقات اقتصادية طبيعية مع طهران، وهذا استفز الأميركيين ولم يتمكّن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في زيارته الأخيرة للهند من إقناع حكامها بشراء نفط سعودي بسعر تشجيعي مقابل وقف شراء النفط الإيراني.

أما السلوك الهندي الأهمّ الذي يستفزّ دوائر القرار في واشنطن فيتعلق بانفتاح الهند على روسيا والصين في مؤتمر يُهيّئ لتحالف جديد ترى فيه واشنطن «المكوّن العالمي الوحيد» الجدير بمجابهة الامبراطورية الأميركية المتراجعة.

هذا ما دفع بالبيت الأبيض إلى بناء خطة من مستويين: زعزعة الاستقرار الداخلي الهندي بواسطة الإسلام المتطرف الذي لا يصيبه في كشمير فقط، بل داخل الهند أيضاً حيث تنتشر أقليات إسلامية كبيرة.

فكانت بداية الخطة في هجوم جيش محمد في كشمير وبذلك يكسب الأميركيون على مستويين: إضعاف الهند داخلياً والاستمرار في تشويه علاقة الإسلام بالأديان الاخرى، والعالم عموماً.

من جانب آخر، يواصل الأميركيون عبثاً محاولة الحدّ من الصعود الصيني بمفاوضات تتحسّن وتسوء إلا انها لا تستطيع كبح الاندفاع الصيني نحو حلف مع الهند وروسيا يبدو ضرورياً لكسر أحادية التسلط الأميركي على العالم.

فهل يجد الأميركيون ضرورة لخلق ظروف مؤاتية لتفجير حرب كبيرة بين الهند وباكستان؟

الموضوع جدير بالانتباه لانه يندرج في إطار إشعال الأميركيين لكامل الحروب في العالم.

أليست واشنطن من احتلّ افغانستان والعراق وسورية وقسماً من أميركا اللاتينية، وتستعدّ لمغامرة عسكرية في فنزويلا، وهناك ليبيا المدمّرة وتونس المتأرجحة ومصر المتدهورة والسودان الذي يتحضّر لحروب أهلية، أليس الأميركيون من ينشر الصواريخ في شرق أوروبا؟

يتبيّن أنّ على روسيا والصين مهمة وقف مشروع الحرب الباكسانية الهندية بمفاوضات معمّقة لأنها حرب أميركية تستهدفهم أيضاً وتقع في مواجهة حدودهم السياسية وأمنهم الداخلي.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى