مقالات مختارة

خطاب ترامب: كلام معسول يحث على الوحدة الداخلية مع تهديد انتقائي للخارج بقلم د.منذر سليمان

 

       لم يخلُ الخطاب السنوي المقدم أمام مجلسي الكونغرس من الرتابة التقليدية عن توصيف “الحالة العظمى والفريدة” لانجازات الولايات المتحدة؛ أو من الانتقادات القاسية لزعيمة مجلس النواب، نانسي بيلوسي وآخرين .

       أما الجانب المثير، بتقديرنا، فهو ما جاء به من معلومات، تصريحاً وتلميحاً، حول زوايا متعددة من الاستراتيجية الكونية الأميركية؛ وبشكل خاص ما له صله بالصراع العربي – الصهيوني أولى بشائره اعلان الانسحاب الأميركي من سوريا ولاحقاً من افغانستان، هذا العام.

       لعل رد فعل نانسي بيلوسي، عقب انفضاض الجلسة الاحتفالية للخطاب، يشكل تلخيصاً مكثفاً للقضايا الخلافية بين الفريقين، التي ستبنى عليها ملامح المرحلة المقبلة استعداداً لجولة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

       اتهمت بيلوسي الرئيس ترامب بأنه “قدم وقائع مشوهة” للحالة الأميركية وما تضمنه “سيحتاج لعدة ايام للكشف عن حقيقته؛ واضرام النار بمشاعر الخوف وصناعة أزمة الجدار،” ملفتة النظر إلى لهجة التهديد التي وجهها الرئيس ترامب للكونغرس على خلفية مطالبة الحزب الديموقراطي، عبر ترؤسه للجان مجلس النواب، بتشديد التدقيق ومحاسبة سجلات الرئيس.

       على صعيد السياسة الخارجية، أكد الرئيس ترامب على مركزية منطقة “الشرق الأوسط” في الاستراتيجية الأميركية والذي يمثل “أحد أعقد التحديات” أمام الولايات المتحدة، مشدداً على عزمه سحب القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا في أسرع وقت ممكن، إذ أن “الأمم العظمى لا تخوض حروباً بلا نهاية،” وفق توصيف ترامب.

       ايران حضرت بقوة في الخطاب وكان ترامب منتشياً بسياسته “لمنع ايران من الحصول على سلاح نووي؛ وطبقنا اقسى العقوبات المفروضة على أي دولة،” معلناً أن بلاده “لن تغض الطرف عن نظام يهتف بالموت لأميركا ويهدد بإبادة الشعب اليهودي.” وحافظت ايران على مرتبتها الأميركية بأنها “الراعي الأكبر للإرهاب.”

       روسيا والصين كان لهما نصيبهما من الحملة الأميركية المعادية، مستغلاً الفرصة لتبرير انسحاب بلاده احادي الجانب من معاهدة الحد من الأسلحة النووية متوسطة المدى مع موسكو. بينما التزم جانب الحذر بالنسبة للصين وبأنه “يعمل من أجل التوصل لاتفاق (تجاري) جديد” معها.

       اللافت أن تبجح الرئيس ترامب بتحقيق “انجازات” في مجال السياسة الخارجية لا يتسق مع قناعة شرائح واسعة من قيادات حزبه الجمهوري، وبخلاف لهجته التوفيقية مع الحزب الديموقراطي؛ إلا انه أسهم بالاضاءة على مدى الانقسامات السائدة في البلاد منذ تسلمه مهامه الرئاسية.

       تأكيد الرئيس ترامب على عزمه الانسحاب من كل من سوريا وافغانستان اصطدم بمصادقة مجلس الشيوخ على قرار “رقم إس 1،” لدورته الحالية، يحذره من مخاطر “انسحاب متهور” من سوريا بالدرجة الأولى. وفاز القرار بنسبة 77 مقابل 23 صوتاً. كما تضمن القرار بنودا خاصة لتجريم “انتقاد أو مقاطعة اسرائيل” من الأميركيين.

الاتحاد ليس بخير

       أضاء الرئيس ترامب على أداء القوات العسكرية الأميركية التي “باتت تقاتل في الشرق الأوسط منذ 19 عاماً تقريباً؛ وتسببت في مقتل ما يقرب من 7000 عسكري ونحو 52،000 من الجرحى والمعاقين؛ كلفتها الإجمالية تفوق 7000 مليار دولار.”

       أما حال الاقتصاد، الركيزة الأساس في تصريحات الرئيس، فقد زعم أنها بألف خير واصفاً التحول الاقتصادي في عهده بـ “المعجزة .. وينمو بمعدل الضعف” منذ دخوله البيت الأبيض.

       بيد أن نظرة علمية على الاقتصاد الأميركي تشير إلى واقع لا يبعث على االارتياح.

مع نهاية عام 2017، ابان ولاية الرئيس اوباما، صادق الكونغرس، باغلبيته من الحزب الجمهوري، على خفض اضافي للضرائب المفروضة على الأثرياء. ورجح الخبراء الاقتصاديون أن حرمان الخزينة الأميركية من مدخولها سيرفع حجم الدين العام إلى 35 ألف مليار (تريليون) دولار، مع حلول عام 2028.

       بالمقابل، بلغ حجم الدين العام ما نسبته 32% من الناتج القومي العام. في ظل الصيغة الراهنة لإعفاء الأثرياء من دفع مستحقاتهم ويتراكم معدل الدين بنسبة متسارعة تبلغ “ألف مليار (تريليون) دولار سنويا،” مما يشكل 105% من الناتج القومي.

أما معدلات الأجور فحدث ولا حرج، إذ عجزت عن التماهي او اللحاق بمعدلات التضخم المتصاعدة دوماً؛ وتراجع “مستويات الرفاهية لدى الشعب الأميركي بنسب مذهلة،” وفق تقديرات خبراء الاقتصاد.

       “المعجزة الاقتصادية” التي بشر بها الرئيس ترامب تجد صداها لدى كبريات المؤسسات الاقتصادية من مصرفية وشركات صناعة الأسلحة حصراً، وتجسدت بأكبر ميزانية تسليحية في تاريخ الولايات المتحدة.

       تغني الرئيس بالأداء “المذهل” للقوة الأميركية فندته وزارة الدفاع الأميركية عينها بإعلانها مطلع الشهر الجاري، دون صخب الضجيج المعتاد، عن شراء بطاريتين “للقبة الحديدية” من تل أبيب “لإجراء مزيد من التجارب عليها،” بسعر إجمالي يعادل 373 مليون دولار، في نطاق برنامج مشترك أوسع قيمته 1.7 مليار دولار مع حلول العام القادم. وبلغ مجموع الإنفاق الأميركي على المشروع نحو 1.4 مليار دولار، منذ عام 2011.

بينما في حقيقة الأمر جاء الإعلان بمثابة “إقرار مهين بفشل نظم الأسلحة الأميركية .. ” حسبما جاء في النشرة الاقتصادية بيزنيس انسايدر، 6 شباط الجاري.

ونقلت النشرة عن مصادرها في البنتاغون قولها أن النظام المذكور كان “بديل مؤقت لسد حاجة معينة، وسنمضي للبحث في بدائل أخرى.” أما نظام الباتريوت، بحسب النشرة، فإنه “فشل فشلاً ذريعاً في السعودية أثناء تصديه لتهديدات متواضعة.. ويلجأ المسؤولون الأميركيون إلى المبالغة في نسبة نجاحه.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى