مقالات مختارة

أسامة سعد: نحن في طريقنا الى تمرّد من نوع آخر وأشدّ محمود زيات

 

يكاد يكون امين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب اسامة سعد، الاكثر انسجاما مع توجهاته السياسية في الممارسة العملية وفي السلوك السياسي العام، وهو يحرص على الالتزام بما صاغه في برنامجه الانتخابي… فالاولوية عنده مصالح الطبقات الشعبية التي تعاني من السياسات العرجاء للحكومات المتعاقبة، ويكاد يكون الوحيد الذي حسم خياره بحجب الثقة عن الحكومة اي حكومة، ما دام انها ستأتي نتيجة لمحاصصة بين اطراف السلطة من القوى الطائفية والمذهبية.

«ابو معروف» الذي يفاخر انه ملتزم بخيار الشارع، تحدث مؤخرا عن تحركات ضاغطة في الشارع، يسعى للوصول اليها مع حلفائه في الحزب الشيوعي اللبناني والقوى والتيارات الديموقراطية واليسارية والقومية العابرة للحسابات الطائفية والمذهبية، وهو بالتالي، يجزم ان خيار الشارع يبقى الامل في تعديل موازين القوى، من اجل انتزاع حقوق المسحوقين من اللبنانيين الموزعين في كل ارجاء الوطن، فالمعاناة التي تلحق بالصيداوي هي نفسها التي يعاني منها اي مواطن في الجنوب والبقاع والشمال والجبل وبيروت، لا تجمع هؤلاء الطائفة والمذهب، بل تجمعهم معاناة واحدة… ومصير واحد.

«الديار» حاورت امين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب اسامة سعد حول تظاهرة الاحد ( اليوم ) والازمات السياسية والاجتماعية والحياتية، وتنامي الخطاب المذهبي والطائفي وسياسة المحاصصات، اضافة الى الضغوط الاميركية على لبنان، في ما يلي نص الحوار:

{ ما المنطلقات التي فرضت اطلاق التحركات الشعبية من قبل التنظيم الشعبي الناصري والحزب الشيوعي اللبناني وتيارات سياسية واجتماعية اخرى، واحدى محطاتها تظاهرة بيروت (اليوم الاحد)؟

ـ تظاهرة الاحد محطة تليها محطات اخرى، وقد تتعدد اشكال التعبير تجاه الاوضاع السائدة في لبنان، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، المسألة ترتبط بمواجهة الاوضاع الراهنة والتعبير عن رفضها، وطرح مطالب اساسية تمثل حقوق اللبنانيين في استقرار سياسي واجتماعي وآليات عمل لمؤسسات دستورية، اضافة الى حقوق الناس في الرعاية الصحية والتعليم والمسكن والعمل وصولا الى مستوى معيشي يليق باللبنانيين، وقضايا حياتية اخرى، النظام السياسي لا يوفر الحقوق الاساسية للمواطن، ليس هناك اي استقرار سياسي ولا اوضاع اقتصادية، ومعظم القطاعات متعثرة بعد تردي اوضاعها، وهناك تهديد للقطاع المالي ولليرة اللبنانية، كل ذلك ينعكس على الواقع الاجتماعي للبنانيين، من الطبيعي ان يعترضوا على الواقع وان يرفضوه، وهذا الدافع الاساسي للتحرك الشعبي الذي ندعو اليه، نحن ندعو الى احداث اصلاحات سياسية جوهرية، وندعو الى تغيير في نبية النظام السياسي اللبناني، ما يعيشه لبنان ازمة حادة متعددة الجوانب ترتبط بطبيعة النظام،

ما يحكى عن ازمة حكومية، هي بالحقيقة ازمة سياسية، هناك صيغ سياسية قائمة لا تصنع استقرارا للحياة السياسية، هناك مجموعة من التفاهمات والخصومات الطائفية والمذهبية والفئوية حول حصص ومغانم ومكاسب، ليس هناك اي حوار وطني حول ملفات حساسية وحيوية للبنانيين، والحوار الذي نطمح اليه هو حوار حول مصالح الناس وحقوقه المعيشية والحياتية والاقتصادية، فالحياة السياسية ملغاة، واذا كانت جماعة السلطة لا تريد هذا الحوار، نحن نريد ان نفرض هذا الحوار على الواقع السياسي ليكون مدخلا صحيحا لمعالجة ازمات البلد، وضغط الشارع احد الخيارات.

ولكن التحركات الشعبية تأتي ولبنان بلا حكومة، وفي ظل تنامي الاجواء الطائفية والمذهبية التي تكاد تتحكم بالحياة السياسية؟

ـ نعم، البعض يعتبر ان التحركات الشعبية هو خيار اللاجدوى ولن يؤدي الى نتيجة او القول انه سينتهي مع مرور الزمن، لكننا نؤكد ان التحرك سيفرض حوارا يفتح مساراً جديداً لافق سياسي جديد يؤدي الى تغيير حقيقي في البلد يلبي طموح اللبنانيين بالعيش الكريم.

نسمع من يقول «شو رح يطلع من امركم»!، لكننا نمتلك النفس الطويل والمثابرة والحماسة والقدرة على التواصل مع اوسع الفئات الشعبية المتضررة من استمرار الواقع على حاله، ولدينا القدرة على التأثير، هناك حالة شعبية وطنية بافق واسع يمتد على مساحة الوطن، باستطاعتها مواجهة المخاطر التي يتعرض لها لبنان.

نحن نرى ان من اسباب تنامي الخطاب الطائفي والمذهبي، وضع اللبنانيين في قوالب مذهبية وطائفية والتوظيف السياسي، ولكل قالب «باب عالي» لقضاء المصالح واحباط الناس، والتسويق على ان النظام القائم هو النظام المتاح والافضل للبنان!، وايهام الناس بان لا امكانية للتغيير، وهو ما يدفع الى مزيد من التدهور، نحن نراهن على التحركات الشعبية وانجاحها، من اجل تحقيق اهداف، وهذا الامر له ابعاد سياسية وشعبية ونقابية ومهنية واهلية، ونسعى للوصول الى تضافر جهود كل القوى المنفتحة في البلد وترفض الاصطفافات الطائفية والمذهبية لبلورة حركة شعبية قادرة على التأثير.

} الخلاص لا يكون الاّ بالتحرك الشعبي }

تحدثت عن السير باتجاه التمرد على السلطة، الى أي مدى يمكن ان يبلغ هذا التمرد؟ هل يمكن ان يصل الى العصيان المدني؟

ـ العصيان المدني مرحلة متقدمة من التحركات الشعبية، وهي ليست مرحلة نبدأ بها، واذا اصرت السلطة قوى السلطة على رفض المطالب الشعبية وعدم اجراء حوار جدي حولها، واذا تمكنت الحركة الشعبية من ان تصبح قوة قادرة على فرض خياراتها، قد يكون احد الخيارات، ولكن التمرد على الواقع السياسي مطلوب منذ الآن، لاننا متمردون على هذا الواقع، من موقعنا المعارض للسلطة، وفي طريقنا الى تمرد آخر من نوع اخر واشد، اذا لم تستمع السلطة الى صوت الناس، إن الخلاص لا يكون إلا بالتحرك الشعبي لمواجهة نظام العجز والفشل والفساد، وإلا بمواجهة السياسات المعتمدة منذ الطائف حتى اليوم، سواء على الصعيد الاقتصادي والمالي، أم على الصعد الاجتماعية والمعيشية والبيئية وسواها.

لفت اللبنانيين رفضهم التموضع داخل كتل او اطر طائفية او مذهبية، ومؤخرا رفضت الانضمام الى ما سمي بـ «اللقاء التشاوري السني»، وهذا الرفض جاء منسجما مع منطلقاتكم السياسية والفكرية، ما هي نظرتكم للتكتلات الطائفية والمذهبية القائمة؟

ـ كل هذه التكتلات القائمة على معايير طائفية ومذهبية، عاجزة عن اخراج البلد من ازمته، هي تعبير جدي عن الازمة، هي ستعمل لاخراج نفسها من المأزق الذي هي فيه، وكما في كل مرة، السلطة تعمل على انتاج نفسها، بحلة جديدة، ولكن معالجة ازمات البلد لن تكون على يد هؤلاء، جرَّبنا على مدى عقود، والازمات هي نتاج سياسات انتهجتها السلطة، عشنا فراغا رئاسيا وفراغا حكوميا عدة مرات، وآخرها اليوم، وتردي الاوضاع الاجتماعية وارتفاع المديونية واليأس الذي يصيب الاجيال الشابة، امام مشاكل البطالة والهجرة والسكن، وكلها نتيجة سياسات قوى السلطة، وكل من كان في الحكومات المتعاقبة والبرلمانات التي اعطت الثقة لهذه الحكومات يتحمل المسؤولية.

} المحاصصات وتوزيع المكاسب

ستستمر مع الحكومة الجديدة }

{ هل تتوقع ولادة حكومة يمنحها اسامة سعد الثقة، على عكس ما حصل مع الحكومات الحريرية؟

ـ لا اعتقد ان تولد حكومة يمكن ان تحظى بثقتي او ثقة التيار الوطني الديموقراطي في لبنان، مهما كان بيانها الوزاري جميلا ومنمقا، لان بنية النظام لا تسمح بولادة حكومة تستحق الثقة، والتجربة مع هؤلاء تؤكد ان لا ثقة بهؤلاء، ونحن اليوم في مرحلة نتجت من انتخابات ايار العام 2018، خرج منها واقع سياسي قديم متجدد، وانتخابات العام 2009 انتجت واقعا سياسيا صفته الاساسية الممارسة الطائفية والمذهبية، وعلى كل المستويات، اليوم، هناك واقع سياسي تجذَّرت فيه الحالة الطائفية والمذهبية، مع انحدار شديد في الاداء السياسي، هذا الواقع عاجز عن حل ازمات البلد، وعلى مواجهة التحديات والمخاطر، ولا زال يراهن على المزيد من المديونية من خلال مؤتمر «سيدر» الفرنسي، وما يزال يتناحر ويتخاصم ويتحاصص مغانم السلطة، والمحاصصات وتوزيع المكاسب ستستمر مع تأليف الحكومة الجديدة، كيف نثق بحكومة تتجه نحو المزيد من تحميل الاعباء والضغوطات الاجتماعية للشرائح الاجتماعية الفقيرة، في مقابل اعفاء كل المحتكرين والمحاسيب والازلام الذين جنوا الاموال الطائلة، بفعل الغطاء السياسي الذي توفره قوى السلطة لها.

{ زيارة المسؤول في وزارة الخارجية الاميركية ديفيد هيل، كانت لافتة لجهة الاستهدافات المباشرة التي وجهها للمقاومة ولـ «حزب الله» وهي تجدد السياسة الاميركية الضاغطة على لبنان، كيف قرأتم هذه الضغوط؟

ـ في الشكل، لم يكن لائقا ان يستقبل الرؤساء الثلاثة مبعوثاً في هذا المستوى ، ولانه وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، كان ينبغي ان يقتصر الاستقبال على وزير الخارجية فقط، يكفي، لماذا انشغل الجميع بالاهتمام به، فضلا عن انه تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، وقام بزيارات لقوى واحزاب واقيمت له المآدب، ما جرى اضعاف لموقع لبنان السياسي، اما في مضمون ما قاله عن المقاومة، فهذا ليس موقفا اميركيا جديدا، هو يسعى لمحاصرة المقاومة وتوجيه السهام نحوها، وهذا جوهر السياسية الاميركية المعلنة، وفي الوقت نفسه يبدي استعداد بلاده لمواصلة دعم الجيش اللبناني، يراد من هذه السياسة محاولة احتواء للبنان وحصار «حزب الله» كطرف لبناني يمثل المقاومة، مع اننا نرى ان المقاومة حالة وطنية لبنانية، مارسها العديد من القوى، وما زالت هذه القوى على استعداد للانخراط في المقاومة في حال تهديد لبنان، هناك مروحة واسعة من القوى الى جانب «حزب الله»، مستعدة دائما لخيار المقاومة، وما قاله الموفد الاميركي لا يشكل اساءة لـ «حزب الله»، بل اساءة للبنان ولكل من حمل السلاح دفاعا عن ارض لبنان وتحرير ارضه من الاحتلال، ومواجهة كل التهديدات الاسرائيلية، ونحن بالتأكيد منهم.

لذلك، فان الموقف الاميركي يفترض ان يكون مرفوضا وان تكون الادانة رسمية لهذه المواقف، لان الاحتلال الاسرائيلي ما زال قائما على اراض لبنانية، وما تزال الانتهاكات اليومية للبنان، برا وبحرا وجوا، وكان على لبنان الرسمي مطالبة الولايات المتحدة الاميركية باجبار الكيان الاسرائيلي على وقف احتلاله للارض اللبنانية ووقف انتهاكاته، هذا لم يحصل ولن يحصل، الكل يسأل خاطر الادارة الاميركية التي تستند سياساتها في المنطقة الى دعم مطلق للكيان الاسرائيلي، وهي تضغط لتشكيل «ناتو عربي» لمواجهة ما تسميه بـ «الخطر الايراني»، وتصفية القضية الفلسطينية وشطب حق العودة، وفرض تسوية وفق المعايير الاميركية والاسرائيلية، وهي تدرك ان الواقع العربي منهار وغير قادر على ان يكون شريكا في تسوية مخالفة للتسوية الاميركية… الخطاب الاميركي يقول للعرب «هذا ما اريده، وعليكم الاذعان»، وهذا ما تقبل به اغلبية الانظمة العربية وهي استجابة مذلة للارادة الاميركية، والشعوب العربية هي من تدفع الاثمان الغالية.

{ قمة اقتصادية عربية في بيروت… في مشهد مريع من الحروب والصراعات في الساحات العربية، هل ثمة مراهنة على دور اقتصادي عربي؟

ـ للأسف الشديد عن أي تنمية يتحدثون والأوضاع الاقتصادية العربية في الحضيض في ظل التبعية لأميركا وبقية الدول الاستعمارية؟ وفي ظل استيلاء «دونالد ترامب» على مئات المليارات من أموال العرب؟وعن أي تنمية اجتماعية يتحدثون في الوقت الذي يغزو فيه العالم العربي الفقر والبطالة والتهميش! كنا نتمنى لو أن هذه القمة تساهم فعلياً في بناء التضامن العربي، لكن للأسف الشديد التشرذم والفرقة والصراعات والحروب العبثية هي الظواهر التي باتت تحكم النظام العربي الرسمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى