مقالات مختارة

هل يقاتل محور المقاومة إذا استفرد العدو بقطاع غزة؟: د. عصام نعمان

 

لا أسرار في عالمنا المعاصر. لا أسرار سياسية ولا اقتصادية ولا حتى عسكرية. ربما الأمر الوحيد الذي يبقى سراً لحين لحظة التنفيذ هو قرار فتح النار على العدو. ما عدا ذلك، كلّ «الأسرار» معروفة أو يمكن كشفها أو، في الأقلّ، يمكن تقدير مضمونها وأبعادها بدقة وشمولية .

في ضوء هذه الحقيقة ينتصب سؤال: كيف يفكر العدو الصهيوني في هذه الآونة، وهل تراه يستهدفنا بحرب؟

قادة العدو وخبراؤه العسكريون يعرضون في أبحاثهم تحديات الحرب واحتمالات اندلاعها او تفاديها في وسائل الإعلام العبرية بصراحة لافتة. من الضروري الإطلاع على ما يجول في رؤوس أهل الرأي لدى العدو وجنرالاته العاملين والمتقاعدين، مع الحرص دائماً على التدقيق في آرائهم والإحتراس الموزون مما يذهبون اليه من أغراض وخيارات.

لعلّ عاموس يادلين أبرز قادة الرأي والخبراء الإستراتيجيين الصهاينة الذين يُستحسن الإطلاع على آرائهم وتحليلاتهم. فهو رئيس «معهد أبحاث الأمن القومي» في جامعة تل ابيب والرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش «الإسرائيلي». يادلين نشر تحليلاً في صحيفة «يديعوت احرونوت» 2018/10/4 أكّد فيه «انّ إسرائيل تواجه تحدّيات أمنية في 6 جبهات: البرنامج النووي الإيراني محاولات إيران التموضع عسكرياً في سورية ولبنان مع التشديد على مخاطر «الصواريخ الدقيقة» تزويد سورية بمنظومة «أس ـ 300» الروسية للدفاع الجوي التهديد من طرف حزب الله التصعيد الآخذ بالاقتراب في قطاع غزة الإضطرابات في الضفة الغربية».

يعتقد يادلين انّ التحدي الأكثر أهمية هو البرناج النووي الإيراني. لكنه يركّز على «انّ خطر الانفجار الأكبر في الوقت الحاضر هو في الجبهة الفلسطينية، خصوصاً في قطاع غزة». لماذا؟ يقدّم يادلين سببين: ازدياد الضغط الاقتصادي على سكان القطاع، وخطّ محمود عباس المتشدّد حيال حركة «حماس» لدرجة يبدو معها معنياً «بإشعال مواجهة بين «حماس» و»إسرائيل» تؤدّي الى إلحاق أضرار بالغة بهذه الحركة، وتساهم في تعزيز قوة السلطة الفلسطينية».

لأهل «اليسار» الصهيوني وجهة نظر مغايرة. كتّاب ومعلّقون وخبراء كُثر منشغلون منذ أشهر في الإضاءة على وطأة الحصار المضروب على قطاع غزة والتحذير من مفاعيله الخطيرة ليس على الأهالي فحسب بل على «إسرائيل» نفسها. بعضهم لفت المسؤولين الى انّ ارتفاع نسبة البطالة أدّى إلى ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في «مسيرات العودة» التي أضحت مسيرات شبه يومية وما عادت تقتصر على أيام الجُمَع. بعضهم الآخر حذّر من احتمال بلوغ حال اليأس مبلغاً يندفع معه الغزاويون، مقاتلين ومدنيين، الى اختراق السياج الحديدي والناري الممتدّ على طول حدود القطاع مع مناطق فلسطين المحتلة ابتغاء الوصول الى بعض المستعمرات المستوطنات القائمة في محيط القطاع لأسر واحتجاز مجاميع من جنودها وإدارييها.

جنرالات «إسرائيل» يعون هذه المفاعيل والمخاطر. بعضهم يدعو ضمناً أهل السلطة الصهيونية إلى التخفيف من وطأة الحصار. بعضهم الآخر، المتأثر بطروحات المستوطنين العنصريين في الضفة الغربية وأصحاب الرؤوس الحامية من الحاكمين المتطرفين، يدعو إلى اجتياح القطاع بغية اقتلاع فصائل المقاومة وإعادة فرض الاحتلال. غير انّ كتّاباً ومعلقين وسياسيين من أهل «اليسار» يحذرون من مغبة الإنزلاق الى حرب مدمّرة لن تنال من أهل القطاع فحسب بل تمتدّ بمفاعيلها الكارثية الى قلب «إسرائيل» ذاتها.

نتنياهو وغالبية الوزراء في حكومته التي يقرّر سياستها وتصرفاتها أهل اليمين العنصري والمستوطنون سادرون في غيّهم ولا تستوقفهم مواقف معارضيهم الأقلّ تطرفاً. نتنياهو نفسه يبدو الأكثر تطرفاً. لماذا؟ لأنه يريد احتواء الملاحقات القضائية بحقه وبحق زوجته الناجمة عن اتهامات موثّقة بتقاضي رشى وصرف نفوذ. يريد ان ينهي هذا الفصل القضائي المُهين قبل الانتخابات القادمة او يبتغي، في الأقلّ، التغطية عليه بمواقف سياسية تفجّر تيارات عصبوية جارفة.

يمكن القول، في ضوء الواقعات والتطوّرات والتحديات سالفة الذكر، إنّ ثمة حالتين مضطربتين متفجرتين في كلٍّ من «إسرائيل» وقطاع غزة قد تتدحرجان، خصوصاً بسبب تصرفات العنصريين الصهاينة في الحكومة والكنيست والجيش والمستوطنات، الى انفجار عسكري لن يتوانى نتنياهو عن انتهازه وتوسيع أبعاده ليخدم ما يستبطنه ترامب في «صفقة القرن» من مرامٍ لتصفية قضية فلسطين وإعادة ترسيم الخريطة السياسية لبلدان المشرق العربي.

لذلك يجب عدم الاستهانة باحتمال إندلاع حربٍ على حدود قطاع غزة مع فلسطين المحتلة. «إسرائيل» لن تعوزها الذرائع لاستغلال الحرب وتوسيع دائرتها بغية تحقيق مطامعها التوسعية في غمرة الانقسام المحبِط بين الفلسطينيين، والتشرذم المتفاقم بين سائر العرب، والصراع الدولي والاقليمي المحتدم في سورية وعليها.

على العرب الاحياء، وجلّهم اليوم في تيار المقاومة ودوله المتحرّرة، ان يستجيبوا بعمق وجدّية للتحديات الخطيرة الماثلة، وان يقرّروا بحزم وصلابة مواجهتها بإحباط جهود العدو الصهيوني ومن معه ووراءه الرامية الى استفراد قطاع غزة في سياق مخطط جهنمي لتصفية قضية فلسطين وتالياً سائر قضايا العرب. يجب التصدي للعدو بكلّ الوسائل المتاحة، السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهي متوافرة ومتطورة بإقرار أطراف محور المقاومة، حكوماتٍ وتنظيمات.

بكلمة، حذار الاستهانة والاستهتار والتخاذل والسير على إيقاع أكثرنا جبناً وخنوعاً لئلا نجد أنفسنا في قاع هزيمة تاريخية نكراء نردّد بعدها بذلّ وندم وحسرة: قُتلتُ يوم قُتل الثورُ الأبيض…

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى