مقالات مختارة

موسكو تغضب ولا تثأر.. والأسد لا يعتذر! بقلم علي قصاب

 

يُخطئ كل من يعتقد بأن اسقاط الطائرة الروسية مع مقتل ١٥ فرداً من طاقمها سيمر مرور الكرام بمعناه العسكري الواسع. فمن يتابع سياسات موسكو الإستراتيجية يعلم انها لا تتسرع في القيام بردة الفعل، انما تخطط على المدى البعيد ضمن عوامل تتلاقى مع مصلحتها الخاصة .

يوم الثلاثاء الماضي، أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة روسية من طراز “إيل-20″، كانت تحلّق فوق البحر الأبيض المتوسط على بعد 35 كلم من الساحل السوري في طريق عودتها إلى قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية، وذلك بالتزامن مع إغارة أربع مقاتلات إسرائيلية من طراز “أف-16” على مواقع عسكرية سورية في المحافظة نفسها، تعمدت إطلاق الصواريخ من خلف الطائرة الروسية مستغلين وجودها كغطاء لهم، الأمر الذي وضعها تلقائياً في مرمى نيران منظومة الدفاع الجوي السوري.

نستنتج بموضوعية من الحادث دلالاتٍ كبرى أبرزها أن دمشق غيرت من قواعد اللعبة، وانها على أهب الإستعداد والحسم بالرد لأي هجوم وشيك. فيما سيستخلص العدو الاسرائيلي دروساً تجعله يقلص من وتيرة عربدته ووقاحته باستخدام الاجواء السورية، موهوما بقوة اكتسبها من بعض البلدان التي رضخت لممارساته، معززةً لديه قاعدة استباحة الأجواء من دون حسيب او رقيب.

قرار الرد السوري على الغارات الإسرائيلية لا يمثل رسالة متعددة الأهداف فحسب، بل بات يجسد واقعا حقيقيا ملموسا لدى الجميع، بدءا من الدول العربية، وصولا إلى المجتمع الدولي، ومروراً بمستهزئي مقولة “نتحفظ بالرد“.

مما لا شك فيه ان رد الجيش العربي السوري كان سريعاً عبر مضاداته الدفاعية الارضية، وغير خاضع لأي اوامر ايرانية او روسية او “مريخية”، والدليل اسقاط الطائرة الروسية، ما يدحض الرواية التي ينسجها المحللون دائماً بأن روسيا تتحكم “بالشاردة والواردة” في سوريا.. إذ ان هناك غارات يشنها العدو الاسرائيلي على قواعد عسكرية سورية، وما على سلاح الجو السوري والدفاعات الارضية إلا العمل على تعطيل واسقاط ما تيسر من الصواريخ الموجهة الى الارض السورية.

من هنا، نستطيع التمييز أكثر بين التحالف الذي يربط روسيا بسوريا، والتي لم تسارع الأولى بالرد على المقاتلات الاسرائيلية دفاعاً عن حليفتها، وبين العلاقة الوطيدة التي تجمع “تل أبيب” وموسكو، إلا أنها لم تشفع من عدم تحميل المسؤولية للإسرائيليين الذين لم يبلغوهم بموعد الهجوم إلا متأخراً، اذ قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن “المسؤولية الكاملة في إسقاط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها تقع على الجانب الإسرائيلي”، ما اضطر اسرائيل إلى توضيح ما تورطت به جراء الحادث، حيث باتت مقيدة الحركة بحرياً نتيجة الأسطول الروسي القابع في البحر المتوسط، وجواً تجنباً لأي “دعسة ناقصة أخرى” مع “الصديق” الروسي!.

من النوادر أن تقوم اسرائيل بالإعتراف مما اقترفته أذرعتها. إلا أن وفداً اسرائيليا رفيع المستوى سافر إلى موسكو لتبرير ما حمله الحادث، وتقديم العزاء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوفاة طاقم الطائرة، ولحرف التحقيق الذي بدأته موسكو وتحويره عن مساره، بذرائع اسرائيلية يتحجج فيها وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، تصب في سياق تحميل الجيش السوري مسؤولية سقوط الطائرة، وتعزو ذلك إلى افتقاره للكفاءة المهنية، وإلى إطلاقه النار بطريقة كثيفة وغير منظمة تجاه أهداف معادية تغير على أهداف سورية، كما يقول ليبرمان.

فيما كان لافتا موقف القيادة السورية من الحادث، إذ أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يسارع إلى الإتصال بنظيره لتبيان موقفه من الرد على الغارات الإسرائيلية، بل اكتفى ببرقية تعزية لم تتضمن أي اعتذار عن احتمالية الخطأ تجاه الحادث، معتبرا على ما يبدو أن سقوط الطائرة جاء نتيجة العربدة الإسرائيلية المعهودة، ومؤكداً أن تلك الأحداث لن تثنيه وتثني بوتين عن مكافحة الإرهاب.

وكان لافتا أيضاً أن الحادث دفع باسرائيل إلى تقديم ملخص عن هجماتها. إذ أقرت بأنها شنت 200 غارة في سوريا في الأشهر الـ18 الأخيرة ضد أهداف أغلبيتها إيرانية، وذلك في إقرار نادر عن عملياتها العسكرية.

أخيراً، من الطبيعي أن يكون للحادث تبعات، منها الحد من حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في سوريا، اذ سيسعى الروس إلى منع إسرائيل من تنفيذ أي عمليات في المناطق التي تنتشر فيها قواتهم في سوريا، مع ضرورة ابلاغهم بأي هجوم مسبق تجنباً لأي حادثة مماثلة. كما سيستغل الروس ذلك لزيادة نفوذهم وتحقيق أهدافهم في المنطقة ككل، مع العمل على تقوية الدفاعات السورية ونقل منصات متطورة إليها، بعد سقوط “الفيتو” الاسرائيلي على توريد منظومتي “اس 300 و400” إلى سوريا بعد سقوط الطائرة اياها.

موقع الانتشار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى