مقالات مختارة

ماذا وراء “افتعال” الأزمات في لبنان؟ ليلى نقولا

 

تتشابه الأحداث بين لبنان والعراق، وتشتدّ الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ الانتخابات البرلمانية التي حصلت في كلا البلدين، وفي وقتٍ مُتزامنٍ، لدرجةٍ تخال أن المؤسّسات انهارت فجأة من دون سابق إنذار، وأن الانهيار الكبير بات قاب قوسين أو أدنى.

في لبنان على سبيل المثال، تستمر المديونية العامة في الارتفاع منذ تسعينات القرن الماضي، والتقارير تشير إلى أن السرقة والفساد والبيروقراطية والمحسوبية وتضخّم القطاع العام وغياب الإنتاجية، قد

أدّت إلى نهب البلد على مدى عقود، أي منذ بدء سياسات إعادة الإعمار على أثر انتهاء الحرب الأهلية ولغاية اليوم… وبالرغم من ذلك، يبدو أن هنالك حملة مُبرمَجة إعلامية وسياسية واقتصادية – بالدرجة الأولى- تهدف إلى تحميل عهد العماد ميشال عون المسؤولية عن الانهيار

المُتمادي للدولة والاقتصاد منذ ما بعد الطائف، وتعطي انطباعاً بأن البلد سينهار فجأة فوق رؤوس أبنائه، ما يدفعهم إلى الإحباط واليأس مصحوباً بركودٍ اقتصادي، وكأن البلد لا يكفيه الركود الذي حصل بعد توقّف القروض الإسكانية وارتفاع أسعار الفائدة التي جمَّدت الأسواق.

بالطبع، لن يُسمَح لأيٍّ من البلدين أن يحصل فيه الانهيار الكبير، بل المطلوب أن يستمر الاستنزاف عبر الأزمات، لأن المنطقة الجغرافية الممتدة من إيران إلى لبنان، تعرف بأنها من ضمن “قوس الأزمات

الشهير، وتعني تلك المحكومة دائماً بالأزمات بسبب وقوعها في منطقة تنازُع نفوذ قوى كبرى.

وإذا كان لا بدّ من قراءةٍ موضوعيّةٍ لأزمات لبنان القديمة والجديدة- “المُفتعَلة”، نجد أنها قد تسعى إلى تحقيق أهدافٍ عدّة، يبدو أهمّها:

يُدرِك الأميركيون جيّداً أن اجتثاث النفوذ الإيراني من لبنان بات من المستحيلات، لذا فهم يقاتلون عبر حليفهم السعودي وأصدقائهم في لبنان، ساعين إلى إخراج لبنان من دائرة النفوذ الواقعي “الأميركي

الإيراني” المُشترك، وجرّه إلى مكانٍ يتقلّص النفوذ الإيراني فيه إلى أدنى مستوى وتوسيع نفوذ الأميركي – السعودي فيه إلى أقصى حد.

يؤمَل من إضعاف قوى المقاومة وحلفائها في لبنان، أن يؤدّي لبنان دوراً وظيفياً هاماً في المستقبل، وهو تشكيل سدّ منيع للنفوذ الروسي المُستَجد في المنطقة، والتأسيس لمساحة نفوذ أميركية – غربية

يمكن لها مراقبة التصرّفات الروسية والتأثير على سياسات ما بعد الحرب في سوريا، والتعويض من خلال لبنان عما فقده الغرب من تأثيرٍ ونفوذٍ على سوريا، بسبب خسارته الحرب هناك.

تهدف الحملة المُبرمَجة التي تسعى لاستهداف عهد الرئيس عون وإفشاله، وتحميله شخصياً مسؤولية التآكل والانهيار المُتمادي منذ ما بعد الطائف، إلى معاقبته على دعمه للنظام السوري في بداية الحرب في

سوريا وانتشار الإرهاب والتكفير، ولارتباطه التحالفي مع حزب الله (الذي يجب أن يُمنع من استثمار انتصاره في الانتخابات النيابية). يُضاف إلى ذلك، إن إضعاف الرئيس “القوّي” وحشره في دائرة الاتّهام، يهدف إلى منع لبنان – الدولة من استثمار الانتصار الذي يتحقّق في سوريا

ومن استقرار الدولة السورية، ليبقى لبنان – الساحة التي يتم الانطلاق منها لتكريس واقعٍ سياسي جديدٍ في سوريا فشل تحقيقه عبر الميدان.

وتبقى المشكلة الكبرى التي يعانيها لبنان الواقع اليوم ضمن نفوذ مزدوج أميركي- إيراني، أن الدول الصغيرة في منطقة “قوس الأزمات” تكون لها أهمّيتها، مهما كان حجمها ودورها، فانتقال تلك الدولة الصغيرة

بغضّ النظر عن أهميّتها وصغر جغرافيتها – من محورٍ إلى آخر، سيخلّ بتوازن القوى القائم على أُسُسٍ هشَّةٍ في ذلك القوس، هذا يعني أن أياً من طرفي الصراع الدولي والاقليمي على أرض لبنان لن يتنازل بسهولة عن نفوذه في لبنان، مهما انعكس ذلك على الداخل اللبناني. وهذا

يعني أن على اللبنانيين انتظار جلاء غبار المعارك الاقليمية الممتدة عبر القوس، وانتظار نتيجة لعبة “عضّ الأصابع” الأميركية الإيرانية، لينعموا ببعض من الهدوء والأمان والاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى