مقالات مختارة

حطام الرؤساء والدول في المطافح السورية نسيم الخوري

 

الجواب في سؤآل أهمّ طرحه جاك شيراك في 3 أيلول 2005 على 25 وزير خارجية أوروبي في لوكسمبورغ يناقشون إنضمام تركيا إلى أوروبا:

“من يضمن ألاّ تتحوّل المنطقة بأسرها الى الأصولية إذا رفض الأوروبيون الإعتراف بتركيّا؟

الربط المحكم إذن بين تركيّا والأصوليّة.

وعليه نفهم سقوط معظم النظريات الرائجة حول إيران وتركيا بصفتهما دولتين إقليميتين عظميين تتكاملان مع أميركا لا لأنّ ترامب أسقطها وحسب، بل لأنّ المصالح الإستراتيجية المشتركة لهذه البلدان الثلاثة تعثّرت وتتعقّد في سوريا الملتهبة على حافّة الرماد. كبيرة غدت المتغيّرات السورية بعد تقدّم موسكو وتمركزإنتباهها على الشرق الأوسط. كان الأوهام الأميركية القديمة تتطلّع إلى الإحياء المستعصي للقيم المشتركة التي قرّبت الدولتين من الغرب لكنها تبعثرت وصارت في أمكنة أخرى حيث أميركا أوّلاً.

سقطت ملامح مثلّث القوة الأوّل المرسوم والمنتظر للقرن 21 قبل ترامب في البيت الأبيض. تنوء إيران وتركيا وتتساويان تحت الضغوطات الأميركية والشركات العالمية المتعددة الجنسيات بإنتظار الأعنف. تسقط العملتان التركية والإيرانية تباعاً بشكلٍ مخيف، وتسقط الصورايخ في نقطة اللقاء الدموية الأخيرة بين الأحلاف الجدد، ويسقط الأتراك في قلق “الجمرة الخبيثة” إلى الجمر الظاهر في الآفاق، كما تسقط اللغة العربيّة من فوق جدران إسطمبول في حملات إزالة اللافتات المرفوعة بالعربيّة من النازحين السوريين في إسطمبول وبإشارة من أردوغان لرؤوساء البلديات.

عندما ننظر بالمقابل وبموضوعية إلى حطام العالم العربي والإسلامي بعد إنحسار “الربيع العربي”، نرى بأنّ المثلّث الجديد الموعود الذي جهدت وتجهد أميركا تاريخيّا لنصبه لم ترتسم ملامحه بعد أو تتّضح إلاّ في ضلعين متصاهرين/منصهرين “إسرائيل” وأميركا كسرا عزّة القدس والعرب والمسلمين وعقّدتا التحدّيات وعظّمتا النفور إذ أخرجتا فلسطين من تاريخ دموي مطّاطي خبيث في إدّعاء السلام كان من نتائجه إنصياعات وإخضاعات وتحدّيات لفلسطين والعرب والمسلمين وصفقات عصرية تتجاوز العصور. قد يستحيل توفير الضلع الثالث الجاهز لمصالح الغرب كما إبّان الحرب الباردة التي لم تنتج شرقاً أوسطياً مستقرّاً.

ألم تكن تركيا البارحة فوق اللسان الأميركي وفي عقله وخططه بإعتبارها الدولة المسلمة التي تتقن لغة المسلمين والأكثر ديمقراطية في العالم؟

ألم يتمّ تقدّيمها بكلّ الوسائل غير المشروعة بكونها البقعة التي تجعل الإسلام والحرية يزدهران جنباً الى جنب؟

ألم يتحفنا الأميركي أيضاً من أنّ القلب الديمقراطي لا ينبض، بحماسة، على غرار تركيا إلاّ في دولة مسلمة واحدة في الشرق الأوسط، هي إيران، الدولة الوحيدة التي قد تبرز المنافس لتركيا، بل وحتى تتفوّق عليها على صعيد الحريات السياسية؟

لأنّ المقولة عينها تتكرّر اليوم إذ من تحت الطبقة السميكة في حكم رجال الدين في إيران، تنتظر أميركا الضاغطة مجتمعاً مدنياً مزدهراً. ولأنّ هناك مراهنات وإستعادة لمقولات أنّ ما من جيل في العالم يفهم بالديمقراطية أفضل ممّا كان يفهمها الشباب الإيراني والتركي أو يتمنّاها بأكبر قدرٍ ممكن من الحرارة، ولربّما تشكل حميتهم جزءاً من جسر القيم الذي كان وسيعود يربط بين إيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية في المستقبل. جادل في هذا الحيّز الوعر الكاتب ستيفن كينزر أنموذجاً عبر 300 صفحة في كتابه” العودة الى الصفر”، إيران تركيا ومستقبل أميركا، 2012، لكنّ الواقع غير ذلك.

يبدو أنّ تلك التشابكات والإخفاقات والتعقيدات قائمة في ألغاز الإنتماء والقوة والمطافح المنصوبة في العقول الدمشقية التي تجعل الرؤوساء والدول تنزلق وتتعثر في الأرض السورية.

هل تنتظر أميركا إيران وتركيا أم أنّ أميركا وروسيا ينتظرانهما في إدلب السورية؟

تنتظر تركيّا أوّلاً لأنّ العقل الأميركي كان يستدرك في الترويج لها مشكلتين جوهريتين في مقاربته للدور الإسلامي التركي القيادي ومدى تقبّل هذه التركيا من العرب والمسلمين:

1- إرث أتاتورك العصري والعلماني الذي جعل تركيا ذي وجه أوروبي يحتاج الى التبديل والتغيير والتنقيح. ولو كان أتاتورك حاضراً لما تردّد في الموافقة لأن تعيد تركيا تحديد دورها في عالم القرن الحادي والعشرين المختلف. تلك كانت المراهنة الأميركية لكنها غير صائبة قطعاً لأنّ أردوغان لم يكن ولا كان أميركيّاً ليطبّق ببساطة ما حفظه رؤوساء البيت الأبيض من أنّ في أميركا ثقافة عريقة تقتضي إعادة تفسير أفكار آبائهم المؤسّسين الأوائل لأميركا مثل واشنطن وجيفرسون وهاملتون وأدامس وفرانكلين بهدف تقديمها لأجيالهم وشعوبهم عبر العصور الحديثة بعد تكييفها مع ظروف مستجدات الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي المتغير بتقدّم الزمان والتجارب والإستثمار الواسع في السياسات والإستراتيجيات المتجددة.

2- تحذير أميركي من العرب والمسلمين الذين لن يمنحوا تركيا دوراً قيادياً إسلامياً لأنّ معظمهم مدموغين بتاريخ قاس عندما كانوا جزءاً من الامبراطورية العثمانية، وكان عليهم ما تمرّد المغرب ولبنان، النضال الهائل للإستقلال. ما زال هذا التاريخ حاضراً يوقظ مخاوفهم من تركيا/أردوغان التي لم تعمل في سياساتها المعاصرة إلاّ على عدم تطمينهم.

مجدداً وتكراراً ستضيّع الكثير من الدول الإقليمية والعالمية مواقعها وأقدامها في الحطام فلا تحسن الخروج من شبكات المطافح المنصوبة هناك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى