مقالات مختارة

اميركا تنفي تطبيقها لسياسة الاغتيالات في سوريا د.منذر سليمان

 

         سارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نفي ما ورد على لسانه بصيغة “أمر” أصدره لوزير الدفاع، جيمس ماتيس، بالإعداد لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد، العام الماضي – وفق ما أورده كتاب الصحفي الشهير بوب وودوورد، ونُشرت مقتطفات منه مطلع شهر أيلول الجاري .

         بدوره لم يفنّد وزير الدفاع ماتيس الأمر كما أورده (وودوورد)، مكتفيا ً بالقول أن الاقتباس على لسانه “لم يجرِ من قبلي أو في حضوري،” نافياً أن يكون هو قد تلفظ “بمفردات تثير الاحتقار.”

         ما قاله الرئيس ترامب حرفيا، وفق الكتاب بعنوان الخوف: ترامب في البيت الأبيض، أن الرئيس ترامب أجرى اتصالاً هاتفياً بوزير الدفاع ماتيس، في سياق مزاعم استخدام سوريا أسلحة كيميائية نيسان 2017، وقال له “دعونا نقتله (الأسد) .. دعونا نذهب هناك (للمهمة) .. دعونا نقتل الكثير منهم.”

         اسفرت المكالمة الهاتفية، دائماً وفق الكتاب، عن تأكيد وزير الدفاع للرئيس بأنه “سيهب لوضع الأمر قيد التنفيذ،” لكنه ومع مستشاريه فضل خيارات أخرى منها توجيه غارات جوية بالصواريخ على سوريا.

         محور المسألة هو الانتقادات المتصاعدة للرئيس ترامب ظاهرها عدم بلورته “سياسة أميركية” خاصة بسوريا، اضطر عقبها للإنحناء لعاصفة معارضيه وفريقه الأمني على السواء، بلغت الذروة بتعيين السفير الأميركي الأسبق لكل من تركيا والعراق، جيمس جيفري، ممثلاً خاصاً لشؤون سوريا، 18 آب الماضي؛ وهو الآتي من معهد واشنطن للوبي “الاسرائيلي.”

اغتيالات بمسمى آخر

         للتعرف على ما في جعبة الديبلوماسي الأميركي “المخضرم” حول سوريا نشير إلى دراسة حديثة شارك بها مع آخرين بعنوان نحو سياسة أميركية جديدة في سوريا، صدرت عن “معهد واشنطن” المذكور بتاريخ 11 تموز 2018.

         أرضية الدراسة تستند إلى “تعزيز العقوبات على سوريا .. وحرمان اقتصادها من التعافي، وبالتالي مفاقمة ازمة التمويل التي توفرها لها روسيا وايران.” وطالبت الدراسة باستمرار العقوبات الاقتصادية على روسيا “.. لوضعها أمام خيار إما العمل مع الولايات المتحدة للإطاحة (بالرئيس) الأسد” أو تعريض مصالحها ومكتسباتها هناك للخطر.

         وفي حال اليوم على جبهة إدلب تحديداً، طالبت الدراسة من صناع القرار الأميركي “حرمان القوات الايرانية والنظامية من فرصة التمدد في شمال شرق سوريا .. وإعلانها منطقة محظورة على الطيران والتحرك (العسكري) شمال وشرق نهر الفرات ..”

         كما “طالبت” بفجاجة ضرورة “دعم (الولايات المتحدة) للجهود الإسرائيلية لدق إسفين بين ايران وروسيا و(الرئيس) الأسد، لتشمل شن غارات جوية اسرائيلية على مواقع عسكرية ايرانية” في سوريا.

         أهمية سوريا ككيان سياسي وموقع جغرافي لم تعد خافية على معدي الدراسة وصناع القرار الأميركي، إذ أوضح جيمس جيفري وزملاؤه أنها لا زالت تصنف كـ “دولة مواجهة في عدد من النزاعات الملتهبة في الإقليم، بدءاً بالصراع العربي-التركي-الكردي في الشطر الشمالي إلى صراع اسرائيل-ايران/حزب الله في الشطر الجنوبي.”

         لعل تلك الفرضيات تشكل أهم ما تطرقت إليه “استراتيجية الممثل الخاص لسوريا” وهي بمجملها وتفاصيلها لا تحيد قيد أنملة عن مخططات “المحافظين الجدد” وأقرانهم “الليبراليون والشعوبيون” الجدد.

         تعيين جيمس جيفري في توقيته يسد ثغرة سياسية في توجهات السياسة الأميركية بعد فقدانها أحد أهم وأبرز أقطابها المطالبين بشن الحروب، السيناتور جون ماكين، بسبب وفاته. ماكين وجيفري وبولتون وجيفري فيلتمان (في الأمم المتحدة) وآخرون من أركان المؤسسة السياسية والأمنية طالبوا طويلاً بالتدخل العسكري في سوريا والإطاحة بالرئيس بشارالأسد. ومجيء جيفري في موقعه المميز والحساس يصب مباشرة في استنهاض تلك التوجهات الرغبوية في الربع الأخير من أفول الأزمة عن سوريا.

         فرص نجاح العودة للمربع الأول من السياسة الأميركية اعتبرتها يومية واشنطن بوست خارج السياق “وليس لها أمل في النجاح لعكس فشل مسار سنوات سبعة للسياسة الأميركية.” (30 آب الماضي.).

         وسخرت الصحيفة من تبجح “مسؤول رفيع” في البيت الأبيض، لم تفصح عن هويته كالعادة، بأن ما وضعه مخططوا الاستراتيجية الأميركية في سوريا نصب أعينهم يتمحور حول “.. مهمتنا في الوقت الراهن تكمن في المساعدة على إذكاء الصراعات (لروسيا والنظام السوري – كما في الأصل) لحين إنجاز ما نطمح إليه.” وعللت الصحيفة أن المقصود بذلك هو تأكيد واشنطن لحلفائها الإقليميين “اسرائيل وتركيا والاردن،” ونضيف السعودية ودول الخليج، على استمرار التواجد الأميركي وما يستتبعه من مهام.

         يشار أيضاً إلى تأكيد الرئيس ترامب على قرار المؤسسة العسكرية والأمنية بإعلانه، 6 أيلول الجاري، ” أن بلاده باقية في سوريا لأجل غير مسمى،” تجسيداً لرضوخه لضغوط “الدولة العميقة” بعد أن “فاجأها” في السابق واعداً بسحب القوات الأميركية من سوريا مع حلول نهاية العام الجاري نال على أثرها حملة انتقادات قاسية.

سياسة الإغتيالات

         تنفيذ مهام اغتيالات ضد قادة وزعماء دول وحركات ومنظمات خارج الولايات المتحدة اوكل لوكالة الاستخبارات المركزية، التي لم تتورع عن التدخل الفج ليس في الدول النامية فحسب، بل في الدول الاوروبية والغربية منها تحديداً كإيطاليا، بتورطها في اغتيال رئيس وزرائها ألدو مورو رمياً بالرصاص بعد اختطافه، 9 أيار 1978، واتهام منظمة “الألوية الحمراء” بذلك.

         واضطرت المؤسسة الحاكمة إلى سن قانون في عهد الرئيس الأسبق جيرالد فورد يحرم على “المواطنين الأميركين” المشاركة أو توفير الدعم لفرق الإغتيالات، والذي رمى لاستيعاب موجات الغضب العالمية، وما لبثت الوكالة أن استأنفت أعمالها ومهامها “القذرة” بتسخير عدد من الأساليب، بدءاً بالاغراءات والحوافز الاقتصادية مروراً بالعقوبات وانتهاء بالاغتيال الجسدي.

         من الثابت ان أركان المؤسسة الحاكمة لم يبرحوا سياسة الاغتيالات كسلاح جاهز للتطبيق. فالاغتيالات عادة تهدف إلى التخلص من خصم أو عدو للسياسة الأميركية، بغية إحداث انقلاب في سياسة البلد المعني باتجاه ايجابي نحو واشنطن.

الصحيفة البريطانية المرموقة ذي غارديان أكدت على أن “الولايات المتحدة لم تتخلى عن استراتيجية (الاغتيالات) أبداً .. بل تعددت وتطورت مفرداتها وتدرجت من اغتيالات إلى القتل الموجه، مروراً بالغارات الجوية ضد رؤساء (دول وحركات) إلى أن اضحت هجمات بالطائرات المسيرة ..” 5 ايار 2017.

         واضافت الصحيفة أن مختبرات عمليات الاغتيال الأميركية حققت “تقدماً بالغ التطور في تقنياتها .. لتشمل مجالات الفضاء الالكتروني والهجمات السيبيرية؛ عززتها وثيقة سرية لوكالة الاستخبارات نشرتها ويكيليكس توضح إضافة (الوكالة المركزية) اسلوب اختراق أجهزة التحكم بقيادة السيارات، مما يوفر لها القدرة على افتعال حادث تصادم” عن بعد لعربة الشخص المطلوب.

         المعلومات أعلاه وغيرها في هذا المضمار باتت ضرورية للتوقف عند مطلب الرئيس ترامب، نيابة عن أركان المؤسسة الحاكمة، باغتيال الرئيس الأسد، والذي فشلت فيه الأجهزة الأميركية وغيرها عبر عدة محاولات سابقة. واستغل فرصة رسمية مطلع الشهر الجاري مهدداً “الرئيس السوري بشار الأسد بعدم شن هجوم متهور على محافظة إدلب. فالروس والإيرانيون سيرتكبون خطأَ انسانياً جسيماً في حال مشاركتهما في مفاقمة المأساة الانسانية المحتملة.”

         وتصاعدت نبرة وكثافة التصريحات الأميركية، من وزير الخارجية إلى المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة، مهددة سوريا بالتدخل العسكري تزامناً مع انعقاد القمة الثلاثية في طهران بين رؤساء إيران وروسيا وتركيا، لوضع اللمسات الأخيرة على إنهاء وجود المسلحين في إدلب ومحيطها.

         كذلك صعدت وعززت روسيا حجم تواجدها العسكري في سوريا بالإعلان عن توجه طائرات استطلاع متطورة، تو-142 إم كاي، واسلحة جوية أخرى للمرابطة في قاعدة حميميم العسكرية؛ إضافة للقطع البحرية في المتوسط، 25 سفينة حربية و30 طائرة مقاتلة، واجرائها مناورات عسكرية.

تستبعد الدوائر الأميركية النافذة احتمال وقوع اشتباك مسلح بين القوات الأميركية والروسية في سوريا، على الرغم من التعزيزات العسكرية المتبادلة والرسائل السياسية الحادة لكلي الطرفين. بيد أن الأمور قد تفلت من عقالها في أي لحظة نظراً لتعدد مرجعيات وحواضن المسلحين في إدلب ومحيطها، خاصة وهم يعدون لمسرحية سلاح كيميائي جديد في تلك المنطقة تستغلها واشنطن وأعوانها لشن هجمات صاروخية على سوريا وما يتلوها من تداعيات لم تكن في الحسبان.

أما فيما يخص “سياسة الاغتيالات” فرغم تفضيل واشنطن لها من بين خيارات أخرى تلبي مصالحها في الإقليم، إلا أن العصب الأساس لصناع القرار السياسي يدرك مخاطر مضي واشنطن لتنفيذ اغتيال الرئيس السوري.

خشية صناع القرار السياسي عبر عنها “خبير عسكري” مؤخراً بالقول “.. اغتيال الرئيس الأسد سيؤدي لاندلاع حرب كبيرة، يهدد وحدة الأراضي السورية، الفوضى الناجمة عنه ربما تمتد إلى الدول المجاورة .. بل سيعزز التحالف القائم بين روسيا وإيران.”

عند الأخذ بعين الاعتبار “خشية” المسؤولين من تداعيات عملية الإغتيال، يمكننا القول أن ما نُقل على لسان الرئيس ترامب حول اغتيال الرئيس السوري قد لا يتعدى لحظة غضب وإحباط ولا يعكس توجهاً جديدا للولايات المتحدة.    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى