مقالات مختارة

أزمة قوة بشرية في الجيش الإسرائيلي: عاموس هرئيل

 

مفوض شكاوى الجمهور، الجنرال احتياط إسحق بريك، يشن انتقادًا لاذعًا بصورة فريدة على سياسة القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي، في رسالة أرسلها هذا الأسبوع إلى كبار الضباط في الجيش وأعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. بريك الذي سينهي عشر سنوات في وظيفته في شهر كانون الثاني القادم، يوثق سلسلة طويلة من المحادثات مع عشرات الضباط وضباط الصف في الخدمة النظامية في عدد كبير من الأقسام وأذرع الجيش الإسرائيلي ووحداته .

العسكريون الذين تحدث معهم يصفون منظمة متوسطة تعاني من تآكل في أعقاب عبء كبير جدًا في المهام، ومن عدم إصغاء القيادة العليا للمشاكل، ومن أزمة دافعية شديدة في أوساط الضباط الشباب الذين إزاء وضع الوحدات غير معنيين بالالتزام بخدمة دائمة. بريك يحذر من أن أزمة القوة البشرية تمس باستعداد الجيش للحرب، ويقتبس أقوال ضباط يحذرون من أن قيادة الجيش الإسرائيلي تسوّق صورة كاذبة عن استعدادات أعلى من الواقع. المفوض يكتب بأن رؤساء الجيش يدّعون بأن ليست لديهم مشكلة في أن يعينوا اليوم قادة كتائب جددًا بنوعية جيدة، لكنه يعتقد أن الواقع سيتغير خلال بضع سنوات على خلفية تداعيات الخطة متعددة السنوات «جدعون»، النموذج الجديد للخدمة الدائمة الذي تمت بلورته في الجيش الإسرائيلي.

في رسالته يقول بريك إنهم في الجيش قرروا تقليص 4 آلاف وظيفة دائمة وتقليص عدد رجال الخدمة الدائمة بحوالي 40 ألف. إضافة إلى ذلك تم نقل كوادر من الخدمة الدائمة من وحدات الذراع البرية إلى وحدات الاستخبارات والسايبر والتكنولوجيا. وهذا أدى إلى القيام بتقليص كبير في سلاح البر، وإن تقليص الكوادر في كل الوحدات أدى إلى زيادة العبء على القوة البشرية المتبقية. حسب أقوال بريك، فهذا أدى إلى تآكل كبير في أوساط من يخدمون، وإلى انخفاض في تنفيذ المهمات بل عدم تنفيذها.

آيزنكوت سلم بجزء من الانتقادات التي ثارت في التقرير السنوي للمفوض بخصوص مسائل ثقافية تنظيمية وانضباطية في الجيش، لكنه يرفض تحذير بريك بشأن المس باستعداد الجيش للحرب. وحسب أقواله، لا يوجد لدى بريك صلاحية أو أدوات لفحص ممنهج لهذه المجالات، والواقع في الوحدات مختلف تمامًا.

في رسالته يقتبس المفوض قائد لواء نظامي، قال له إنه تحول إلى لسان للقادة الذين يخشون من التحدث. حسب أقوال قائد اللواء: «لقد نشأ وضع في الجيش فيه لا يتجرأ أحد على الانتقاد في اللقاءات، ولا يتحدثون عن مشكلات. الجنرالات يظهرون لنا أن الوضع ممتاز، لكنهم ينشغلون بالشكل وليس بالمضمون. لقد تحولنا (نحن ضباط الميدان) إلى مجموعة جبناء. أنا أخجل من أنني توقفت عن التحدث في الاجتماعات عن مشكلات، لكن للأسف هذا يضر بي، وفي الأصل ما نقوله يقع على آذان صماء».

ويضيف قائد اللواء: «الرؤية اليوم في الجيش هي عدم طرح مشاكل، الرسالة هي: دبروا أموركم بما تيسر. كبار القادة يريدون الحفاظ على جو جيد، لذلك لا يأتي أحد ليقدم تفسيرات بشأن الانتقادات وعدم تنفيذ الأوامر. هناك انعدام للانضباط في الجيش الإسرائيلي، ومن يطرح مشاكل يعدّ متباكيًا. وثمة ضباط برتبة أقل لا يحتجون خوفًا من أن يتم ابتلاعهم. القيادة العليا تفسر الانتقاد كإهانة.

«الضباط الميدانيون يشعرون بأن الأفضلية تُعطى لسلاح الجو، أما الاستخبارات والسايبر وسلاح البر ففي نهاية سلسلة الغذاء. المثال البارز على هذا هو أن أحد الضباط الكبار الذين توجهوا إليه لم يكن على استعداد لأن يعين كقائد لسلاح المشاة. هم يشعرون أن لا كلمة لقائد هذا السلاح في القيادة العامة، وباللغة الدارجة: لا يحسبون له حسابًا».

ويضيف بريك بأن قادة الألوية والكتائب النظامية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات حقيقية في الحصول على توقيع قادة الفصائل الجيدين للخدمة النظامية الطويلة.

قائد لواء في الحدود الشمالية قال للمفوض إنهم يشعرون بأن أوساط قادة الفصائل لا تحسب لهم أي حساب، وليس لهم أفق في الخدمة، ولا يتحدث معهم أحد عن مسار مستقبلي؛ لذلك هم لا يريدون البقاء في الجيش. فشل الجيش في إبقاء الجيدين، والنظام لا يرى أشخاصًا، بل اعتبارات مالية وتوفير، ما يؤدي إلى عدم الثقة. قائد لواء آخر اعترف: «بدون خيار نحن نجعل اليوم ضباطًا وضباط صف يوقعون على الخدمة الإلزامية، في الماضي لم نكن نسمح بتوقيعهم، ليس هناك معيار ملزم في الجيش، وليس هناك تعلم من التجربة والمعرفة التي تراكمت في السابق، وهناك ضحالة في تنفيذ المهمات».

نائب قائد كتيبة في الحدود الشمالية، قال إن «قادة الكتائب تقريبًا غير موجودين في المنطقة مع الكتيبة، لأنهم منشغلون طوال اليوم في نقاشات وفي تدريبات وأيام ميدانية. وإن قائد الكتيبة يمكث في الكتيبة فقط 40 في المئة من وقته، لذا فهو غير قادر على التأثير على ما يجري. الجيش منشغل أكثر بالشكل تجاه الخارج أكثر من انشغاله بالجوهر تجاه الداخل. جيشنا هو جيش متوسط يواصل تدهوره».

قائد كتيبة في أعمال أمنية جارية قال للمفوض: «الجنود يشعرون بأنهم مكشوفون للقيادة العليا، ثمة نقص في القوة البشرية، الأمر الذي يمكننا من الوصول إلى مستوى تنفيذي باستعداد جيد. وثمة فجوة بين المعايير وعدد الجنود الموجودين في الموقع فعليًا. ليس هناك قدرة على تنفيذ كل المهمات. القيادة العليا تدرك الوضع، لكنها لا تتحمل المسؤولية عن ذلك».

المفوض يقتبس شكوى متكررة من قبل قادة الفصائل وهي عدم قدوم أحد ما من المستوى القيادي الأعلى للتحدث معهم حول مشاكلهم الميدانية. منذ سنوات والقيادة العليا منفصلة عن الميدان، وهناك عشرات المواضيع لدى قادة الكتائب وقادة الألوية التي لم تحظ بأي رد عليها.

قادة الفصائل قالوا إنهم لا يريدون مواصلة الخدمة الدائمة بسبب تآكل يسببه ثقل أعباء المهمات. ويقتبس المفوض رسالة لعشرات المتدربين برتبة نقيب ورائد أرسلت إليه في نهاية محاضرة ألقاها أمامهم، يصفون انعدام الثقة بالجهاز العسكري وانعدام الثقة بخصوص مستقبلهم: «هناك انفصال تام بين القيادة العليا والقيادة الدنيا. مطلوب منا مواجهة المعضلات المهنية لأخلاقية والقيادية، التي تقتضي مرافقة وتعليمًا، وثمة عدم إصغاء إلينا من قبل القيادة الكبار بخصوص تلك المعضلات؛ فالروح معدومة، وهناك انعدام دافعية للتوقيع على الخدمة الدائمة.

المفوض يذكر التغييرات التي قام بها الجيش بعد انتقاد شديد نشر عن وضع وحدات مخازن الطوارئ قبل ثلاث سنوات. في إعادة إصلاح وحدات مخازن الطوارئ، استثمر حوالي 250 مليون شيكل. لكن حسب أقواله، ومن زيارات متكررة هناك في الفترة الأخيرة ومن محادثات مع ضباط الصف والضباط، تطرح هناك أقوال تمثل لائحة اتهام شديدة على سلوك الجيش الإسرائيلي. ورغم التغييرات، فإنه يصف «انهيار نظام ضباط الصف»، ضباط الصف الشباب يريدون ترك الخدمة في الوقت الذي فيه سيترك فيه معظم القدامى الخدمة بعد سنوات قريبة.

بريك يقتبس ضباطًا وضباط صف آخرين يطرحون شكاوى: يبدو أن الكبار ببساطة يفضلون الهرب من المشكلات. ليس لديهم فكرة ما الذي يحدث على الأرض.

الرسالة المفصلة تطرح صورة صعبة عن توقيع ضباط شباب على الخدمة الدائمة. وفي النهاية يصف ازمة شديدة في أوساط الأطباء والممرضات في الجيش. 82 في المئة فقط من الكادر الطبي في الجيش الإسرائيلي مشغول. وهناك ارتفاع في عدد الأطباء الذين يريدون ترك الخدمة إلى جانب صعوبة في الحصول على تجنيد أطباء جدد للخدمة الدائمة.

حسب أقوال المفوض، الأطباء يشتكون من تآكل متزايد، ثمة فجوة في الأنظمة المساعدة ونقص في بيئة العمل الحديثة. نحن اليوم في إحدى أصعب الأزمات التي عرفها السلاح الطبي، ونشهد ترك أطباء للخدمة العسكرية.

في ملخص رسالته، يذكر المفوض بحثًا أجراه قسم علوم السلوك في الجيش عام 2016، الذي نشر جوهر استنتاجاته في الصحيفة سابقًا. حسب البحث هناك انخفاض في جاذبية الخدمة الدائمة، وانخفاض في الشعور بالأمن الوظيفي للضباط في الخدمة وانخفاض في الرضى من الخدمة، وانخفاض في الاستعداد لمواصلة الخدمة الدائمة. إضافة إلى ذلك هناك انخفاض في نسبة الضباط الذين يشعرون أن الجيش يهتم بمن يخدمه. أقل من نصف الذين يخدمون في الخدمة الدائمة سيوصون أصدقاءهم بالتجند لخدمة مشابهة.

كتب بريك مؤخرًا: أجري استطلاع آخر يلخص نتائج للعام 2017، «قيل لي إن الاستطلاع الجديد أخطر في عدد من المواضيع من سابقه. نتائج الاستطلاع تدعم بصورة واضحة ما سمعته خلال محادثاتي، وتوضح بأننا في عملية تدهور وانهيار حقيقي في موضوع القوة البشرية».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى