مقالات مختارة

تركيا وقوة المال: تسفي برئيل

 

هذا الأسبوع تم إلغاء منصب رئيس الحكومة في تركيا، وفي مراسيم احتفالية منح الرئيس أردوغان شهادة تقدير لرئيس الحكومة السابق، بناري يلدريم، وهنأه على تعيينه رئيسًا للبرلمان، وهو التعيين الذي قرره بالطبع أردوغان، الذي أصبحت صلاحياته كرئيس منذ الآن أكثر حتى من صلاحيات الرئيس الأمريكي .

أردوغان لم يضيع الوقت، وعرض فورًا أعضاء حكومته الجديدة. جميعهم من الأشخاص المخلصين له، ومن بينهم رجال أعمال تم تعيينهم وزراء في وزارات يمكنها أن تخدم مصالح أعمالهم التجارية. مثلاً، وزير الصحة، صاحب شبكة مستشفيات خاصة، ووزير التعليم، صاحب كلية خاصة، ثم زير حماية البيئة الذي كان صاحب شركة عقارات كبيرة، ووزير السياحة الذي كان صاحب وكالة سفر ناجحة. ثلاثة وزراء ظلوا في مناصبهم وهم: وزير الداخلية، ووزير الخارجية، ووزير العدل، أما وزير الدفاع الجديد، هولوسي اكار، فكان حتى وقت قريب رئيس الأركان.

ولكن يبدو أن التعيين الأهم هو تعيين برات البيرق وزيرًا للمالية، الذي هو أيضًا صهر أردوغان. وبصفته فإن وزارته تضم وزارة الاقتصاد ووزارة المالية الثابتتين، وسيكون البيرق مسؤولًا عن السياسة المالية والنقدية وعن الجهاز البنكي، إلى جانب مسؤوليته عن الإدارة اليومية لاقتصاد تركيا. ولأن أردوغان هو صاحب الصلاحية الحصرية لتعيين محافظ البنك المركزي، فإن الصندوق الوطني لتركيا سيتحول إلى مصلحة تجارية عائلية، تقريبًا بدون إشراف أو رقابة، بالتأكيد ليس من قبل البرلمان الذي توجد فيه لأردوغان أغلبية مطلقة.

البيرق، ابن كاتب وصحافي وأحد أعضاء حزب الرفاه السابق الذي هو أصل حزب العدالة والتنمية، كان وزير الطاقة في الحكومة السابقة. وهو مثل رئيسه، يؤيد تقليص الفائدة من أجل زيادة النمو، ويعارض سياسة البنك المركزي التي تقول إنه يجب رفع الفائدة كوسيلة لمحاربة التضخم. وهو حائز على شهادة الدكتوراه من جامعة إسطنبول وعلى لقب ثان في إدارة الأعمال من جامعة بيس في نيويورك، وكان في السابق مشاركًا في صفقات عائلية. في عام 2007م عين في منصب مدير عام كارتل (مجموعة شركات) «تشاليك القابضة»، التي تنتشر أعمالها في أرجاء العالم وتشمل نشاطات في مجال البناء والسياحة. صاحب الشركة هو أحمد تشاليك الذي نجح عام 2008م في السيطرة على شركة الإعلام الكبرى «سبآ إي.تي.في» مقابل (1.1) مليار دولار.

كان ينقص تشاليك في حينه حوالي (750) مليون دولار لإكمال الصفقة، والبنوك رفضت إقراضه هذا المبلغ الكبير أو إعطاءه ضمانات للصفقة. ولأسفه توجه إلى صديقه أردوغان، الذي بدوره توجه إلى بنكين حكوميين (تعين الحكومة مجالس الإدارة فيهما) وأوصى بالموافقة على طلب تشاليك، أما باقي المبلغ فقد حصل عليه تشاليك من خلال قرض من شركة قطرية. بعد خمس سنوات، باع شركة الإعلام لشركة كليون بملكية عمر كليونجو، وهو صديق مقرب لأردوغان الذي لم يفز، صدفة، بمناقصات كبيرة مثل بناء المطار الثالث في إسطنبول. شركة كليون هي صاحبة شركة الإعلام «توركوباز» التي يملك سرهات البيرق، شقيق وزير المالية الجديد، نسبة (1) في المئة من أسهمها.

بالمناسبة، حتى تعيينه وزيرًا للطاقة، وكونه مديرًا عامًا لـ كارتل «تشاليك»، كان شقيق البيرق مدير شركة الإعلام للكارتل. اهتمت العائلة المحبة بأن ينقل بيع وسيلة إعلام الكارتل الذي عملوا فيه لأصدقاء أردوغان كجزء من استراتيجية السيطرة على وسائل الإعلام في الدولة.

لقد أوردت التقارير أنه كان مقربًا من الشركة التركية «باور ترانس» التي تسيطر على احتكار نقل النفط إلى تركيا، ومنها المنطقة الكردية. ليس واضحًا تمامًا من هو صاحب الشركة. وحسب تقارير تركيا فإن كارتل «تشاليك» يقف من ورائها أو من أمامها. على كل الأحوال، فقد ربطت تسريبات ويكيليكس الشركة ومديرها البيرق بشراء النفط من داعش، لكن الشركة نفت ذلك والبيرق أيضًا نفى ذلك، وحتى الـ «سي.آي.إيه» نشرت بيانًا رسميًا جاء فيه أنه لا أساس من الصحة للتقارير حول تورط تركيا بشراء النفط من داعش. بالضبط، الرئيس الروسي بوتين الذي كان بينه وبين أردوغان شرخ عميق في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية في سماء تركيا، أصر على أن تركيا وأبناء عائلة أردوغان تاجروا بالنفط مع داعش. بالمناسبة شركة «باور ترانس» توسطت في صفقات لشراء النفط الكردي من قبل شركات إسرائيلية، وثمة جزء من إرساليات النفط وصلت إلى إسرائيل في صهاريج لشركة نقل بحري بملكية نجل أردوغان. ولكن هذه قصة أخرى.

إن حقيقة وزير المالية الجديد إذ يعدّ من الأثرياء في تركيا لن تفيد مكانة الدولة بشكل خاص. الليرة التركية فقدت (3) في المئة من قيمتها بعد إعلان أردوغان عن التعيين. وشركة تصنيف الائتمان خفضت تصنيف تركيا. أما الآن، حيث السيطرة المطلقة على اقتصاد الدولة في يديه ويدي صهره، فلا يستطيع أردوغان أن يعزو تهمة الأزمة الاقتصادية إلى أي جهة خارجية أو داخلية. سيضطر إلى الاثبات بأنه هو فقط يمكنه مواصلة فعل السحر الاقتصادي الذي صنعه على مدى أكثر من (15) سنة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى