مقالات مختارة

نحو استدارة أوروبية إلى افريقيا قبل فوات الأوان جاك أتالي

 

غالباً ما أنبه (على صفحات هذه المجلة ) الى أننا لسنا في حل من المسؤولية إزاء الأجيال المستقبلية في عدد من المجالات، منها المناخ والدين العام والتكنولوجيا المنفلتة من كل عقال، الذكاء الصناعي على وجه التحديد. وفي المتناول اليوم معالجة مشكلات المناخ والدين العام وترويض التكنولوجيا المتقدمة وتقييدها، على خلاف ما هي حال ذريتنا في العقود الثلاثة المقبلة. وإذا لم ننتبه إلى الآتي، سيلعن الأحياء في 2015 لا محالة من كان منا يسعى في مناكبها في 2020 لأنهم لم يقدموا على ما يحميهم (الأجيال القادمة) من مآل قاتم .

ولكن أكبر التحديات التي تمس الحاجة الى جبهها هي تلك الوثيقة الصلة بأفريقيا. وعلى رغم أن الكلام يدور على هذه القارة حين تناول مشكلات النمو السكان المطرد، والفقر والحروب والهجرة، يغفل الكلام عن ديناميات قاتلة اذا لم يجبهها العالم، وأوروبا تحديداً. ففي العقود الثلاثة المقبلة، سيزيد عدد سكان أفريقيا عن بليوني نسمة. وعلى رغم أن المرجح بروز طبقة وسطى وبورجوازية ميسورة، يتوقع أن يفتقر أكثر من بليون من سكانها، إذا بقيت الاتجاهات الحالية على حالها، إلى مياه الشفة والغذاء والتعليم والعلاج والسكن والوظائف. ويتوقع أن تشق الطرق أكثر فأكثر في هذه القارة، وأن تكثر السكك الحديد ويرتفع عدد السيارات والشاحنات والقطارات والمرافئ والسفن والمطارات. فسكان هذه القارة سيكونون أكثر قدرة على التنقل مما هم عليه اليوم.

ودواع كثيرة ستحمل الأكثر فقراً والأقل فقراً على الانتقال إلى قارات أخرى. وإذا عقد واحد في المئة منهم العزم على الرحيل سنوياً، بلغ عدد حاملي الرحال من الأفارقة 200 مليون افريقي في عقد واحد. والقارة الآسيوية ستكون في أوج النمو، وأميركا لن يخبو بريقها. ولكن الأرجح أن الأفارقة سيوجهون وجههم إلى أوروبا ويقصدونها: فنحن اليوم وسنكون في الغد أكثر القارات ثراء، ومستويات العيش في قارتنا هي الافضل، وموقعها الجغرافي هو الأقرب إلى أفريقيا. ولكن ماذا نحن فاعلون حينها وماذا سيحصل؟ ولا شك في أن موقف الإسبان من إنقاذ المهاجرين على متن مركب «أكواريوس» كان عظيماً، ولكنه قد لا يبقى على حاله ويصمد أمام تدفق سيل مراكب قد يبلغ مئة أو مئتين أو ألفي مركب من هذا النوع. والألمان والايطاليون كانوا في وقت أول مرحبين بالمهاجرين، ولكنهم سرعان ما انزلقوا إلى معاداتهم. والفرنسيون معادون للمهاجرين حتى قبل استضافة أعداد كبيرة منهم. ومع تعاظم سيل المهاجرين، يرجح أن توصد أوروبا أبوابها أمام أفريقيا. فتجول آلياتنا الحربية في المتوسط، وتصد كل من يسعى الى العبور، وتبعدهم من أراضيها.

وقد يقول بعضهم أن ما تمر به القارة الافريقية قد يضطر أبناءها إلى الامساك بمقاليد حياتهم في غياب بديل، وضبط الإنجاب، وتطوير سوقهم الداخلية، وأن الأوروبيين لن يضطروا إلى الانفتاح عليهم. ولكن إذ ذاك تنقلب العلاقات مع الدول الافريقية، ولا تعود في المتناول المواد الأولية الافريقية ولا يعود ممكناً تصريف السلع الأوروبية هناك. فيتجه الأفارقة إلى الصين، ونضطر إلى الرحيل عن أسواقهم العامرة، وتطوي القارة الفرنكوفونية.

وفي سبيل الحؤول دون هذه الكارثة، لا مناص من إدراك أن مصلحتنا وثيقة الصلة بتطوير القارة الجارة، ومساعدتها على تسريع وتيرة الانتقال السكاني فيها (الانتقال من معدلات ولادات مرتفعة الى نسبة ولادات ضعيفة ونسبة وفيات متدنية)؛ وتنظيم وصول المهاجرين، والإعداد لاستقبالهم، سواء كان الاستقبال وقتياً أو مستداماً، ودمج ملايين الناس القادمين من مهد الإنسانية في ثقافتنا (وهذه سيحملونها معهم إذا عادوا أعقابهم ذات يوم) وليس في فرق كرة القدم فحسب.

* عن «ليكسبريس» الفرنسية، 18/6/2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى