مقالات مختارة

حرج في إسرائيل: زلمان شوفال

 

إنقضّت النفوس الطيبة في الإعلام والسياسة وكأنها وجدت غنيمة كبرى على تصريحات الناطق بلسان البيت الأبيض جوش رفائيل، والتي جاء فيها وكأن رئيس الوزراء «كذب» حين قال إنه تحدث مع الرئيس ترامب عن ضم بلدات إسرائيلية في المناطق. باستثناء أن رفائيل لم يقل على الإطلاق أن رئيس الوزراء «كذب» ـ بل إن أقواله كانت مثابة معلومات مغلوطة أو مضللة ـ وثمة فرق أساسي بين الاثنين. بالمقابل، ما لعله أهم من صيغة أقوال الناطق الأمريكي هي روح الأمور والتي يمكن أن نشعر فيها بمحاولة ضد ادعاءات الفلسطينيين وجهات أخرى وبموجبها في أعقاب اعتراف الإدارة بالقدس كعاصمة إسرائيل، فقدت الولايات المتحدة مكانتها كوسيط نزيه في النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني .

في هذه الأثناء دخلت الاستراتيجية الفلسطينية للعمل في ظهور أبو مازن في مجلس الأمن. والموقف الفلسطيني بالنسبة لدور الولايات المتحدة بالذات في النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني يشير إلى أن الفلسطينيين يحاولون هجر صيغة المفاوضات المباشرة، بل وصيغة أوسلو، ويتمسكون بالدعوة إلى تدويل المعالجة للنزاع ـ أي التكليف به للأمم المتحدة او «الرباعية الدولية»، مضاف اليها بعض الدول العربية ـ مع تشديد صريح على روسيا. لقد عارضت إسرائيل دوما، وعن وحق، لأسباب مفهومة، البحث في محافل دولية ستجد فيها نفسها في الأقلية التي يملى عليها مسبقا، وكان هذا أيضا الموقف التقليدي للولايات المتحدة منذ أن تخلت عن فكرة مؤتمر جنيف، بقيادة مشتركة مع الاتحاد السوفياتي، قبل 40 سنة.

يعتقد أبو مازن ومستشاروه على ما يبدو بأنه في أعقاب ضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في عهد اوباما، وبسبب المواجهة بين إدارة ترامب والحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروربا في مواضيع دولية مختلفة كالاتفاق النووي مع إيران، بالتوازي مع صعود نجم روسيا في الشرق الأوسط، نشأت ظروف للتولي موسكو دورا مساويا لدول واشنطن، بل وربما أعلى منه، في كل ما يتعلق بالنزاع مع إسرائيل. وبالفعل، فإن الأقوال التي تطلق بين الحين والآخر على لسان دبلوماسيين روس عن «دعوة الطرفين إلى موسكو» تشهد على أن الرئيس بوتين على ما يبدو لا يرفض الفكرة رفضا باتا، وان كان من أجل تثبيت مكانة روسيا كقوة عظمى حيال الولايات المتحدة (وربما الصين). في هذا الموضوع ستضطر إسرائيل، بمراعاة مصالحها الأخرى مع روسيا، ولا سيما في الموضوع السوري والإيراني، إلى ان تسير بالتالي على أطراف أصابعها كي لا تبدو في نظر الروس كالمانع الأساس أمام تطلعاتهم ـ ومن الأفضل أن تبقي المهامة للأمريكيين. توقع إسرائيل في هذا السياق هو أن تعمل إدارة ترامب مثلما عملت كل الإدارات الأمريكية في العقود الأخيرة.

لقد قيل انه في حديث هاتفي جرى بين ترامب وبوتين في أعقاب مصيبة الطائرة الروسية التي قتل فيها 71 مسافرا من رجال الطاقم، روى الرئيس الروسي بأنه سيلتقي ابو مازن، وترامب قال ردا على ذلك إن «هذا هو الوقت للعمل من أجل تحقيق سلام دائم «بين الطرفين». فهل ينبغي أن نرى في ذلك إعرابا عن الأمل بعمل مشترك مع الروس في هذا الشأن أم ربما العكس بالذات، بمعنى أنك تلتقي مع من تريد، ولكني أنا لا أضيع وقتا كي أصل إلى هدف السلام بطريقتي؟ ينبغي الافتراض بان ترامب ومستشاريه يفهمون جيدا بان تخصيص مكان لروسيا على طاولة المباحثات في هذا الموضوع معناه تحقيق المصالح الدولية، وبالأساس الشرق الأوسطية، الصرف لروسيا ـ على حساب مصالح أمريكا ـ ومس شديد محتمل بالمصالح الإسرائيلية.

وبالنسبة للأقوال التي نسبت لنتنياهو، فواضح أن نتنياهو طرح أمام الرئيس ترامب، كما هو مطلوب منه كرئيس وزراء مسؤول، عشرات المرات مواضيع تتعلق بالنزاع وبطرق حله ـ ليس من أجل وضع عراقيل أمام نية الرئيس لطرح خطة خاصة به بل من أجل الإعراب عن مواقف إسرائيل في هذا الشأن. هكذا بحيث أن قول نتنياهو انه «تحدث منذ زمن بعيد مع ترامب عن موضوع السيادة في المناطق»، ليس فقط ليس كذبا بل بصعوبة يمكن وصفها حتى «بالمغلوط» او «بالمضلل» ـ وإن كان من حيث توقيته غير مريح للأمريكيين، الذين على ما يبدو ليسوا على علم كاف بموجات الحرارة السياسية التي تهب بشكل عام في جلسات كتلة الليكود، والأمور التي تقال فيها لا تحظى دوما بصياغة دبلوماسية كاملة. وبين هذا وذاك فإن سوء التفاهم حتى وإن كان الوهمي بين إسرائيل والبيت الأبيض في هذا الشأن سيسوى بسرعة ودون سقوط سلبي، وفي هذه الأثناء أعلن البيت الأبيض عن لقاء آخر بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء نتنياهو.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى