مقالات مختارة

مداهمات الإسرائيليين لبيوت الفلسطينيين فجرا: جدعون ليفي وأليكس ليبك

 

كان المنظر قاسيا، زوجته ترينا صوره في هاتفها المحمول: ذراعه المجروحة وآثار الجرح تظهر على طولها، وعلى ساقه أيضا. هذه هي نتيجة الليلة المخيفة التي مرت عليهم: تفجير مدخل البيت الرئيسي في منتصف الليل واقتحام الجنود العنيف إلى الداخل، الانبطاح على الأرض تحت الكلب الذي ثبّته ورفض إطلاق سراحه مدة ربع ساعة؛ صراخه وصراخ زوجته وأولاده المرعب، تكبيله وهو ينزف، الاعتقال وحرمانه من العلاج الطبي مدة ساعة إلى حين نقله إلى المستشفىى هناك التقينا معه ومع زوجته هذا الأسبوع، كان يجلس وهو مكبل .

هذا ما حدث لمعلم اللغة العربية (مبروك جرار) في بيته في قرية (برقين) قرب جنّين أثناء البحث عن قاتل الحاخام رزئيل شيفح من حباد جلعاد.

لم ينته الأمر عند ذلك. عاد الجنود مرة أخرى بعد بضعة أيام، في منتصف الليل، هذه المرة للتفتيش. وقاموا بتعرية كل النساء في البيت بمن فيهن والدته العجوز المريضة وأخته المعاقة وبحثوا عن المال. يرقد المعلم جرار الآن في السرير الأوسط في غرفة في قسم العظام في مستشفى هعيمق منذ أسبوعين. كانت رجلاه الأحد الماضي ما تزالان مكبلتين بالسرير، وكان الجنود يحرسونه ومنعوا زوجته من تقديم المساعدة له. عند الظهيرة ذهبوا بعد أن أمرت المحكمة العسكرية بإطلاق سراحه من دون قيد أو شرط. من غير الواضح لماذا اعتقل ولماذا أطلقوا عليه الكلب.

ذراعه اليسرى وساقه مضمدتان، ووجهه متجهم من الألم، ينقبض مع كل حركة. تجلس زوجته إيناس بجانبه. تزوج الاثنان قبل 45 يوما فقط، هو الزواج الثاني لهما. لديه ولدان من زواجه الأول: صهيب 9 سنوات ومحمد 5 سنوات. كان الولدان شاهدين على ما فعله الجنود والكلب بوالدهم. هم يعيشون الآن لدى والدتهم في جنين، لكن الكوابيس تجيئهم في الليل، فيستيقظون كل ليلة مذهولين ويصرخون وينادون والدهم.

(مبروك) معلم اللغة العربية في المدرسة الأساسية «هشام الكيلاني» في جنّين. ذهب يوم الجمعة قبل أسبوعين مع زوجته إيناس للنوم في منتصف الليل تقريبا، كان ولداه ينامان في الغرفة المجاورة، إذ يأتيان لزيارته كل نهاية أسبوع. حوالي الساعة الرابعة فجرا أيقظهم صوت تفجير قوي جاء من جهة مدخل البيت. يقولون في جهاز الأمن إنهم نادوا عليه بمكبر الصوت، لكن أبناء العائلة قالوا إنهم لم يسمعوا شيئا حتى حدوث تفجير البوابة. قفز (مبروك) من الفراش واستيقظ الأولاد وزوجته. ركض نحو غرفة الأولاد للدفاع عنهم ومحاولة تهدئتهم. تحطم عدد من نوافذ البيت من قوة التفجير.

في الخارج كانت تقف سيارات جيب الجيش، ومنذ البداية أُدخل كلب ضخم حسب أقوالهم. انقض الكلب على (مبروك جرار) وقام باحتضانه من الجهة اليسرى وأسقطه على الأرض، بعد ذلك دخل في أعقابه عشرون جنديا على الأقل حسب تقدير العائلة. لا يصعب تصور الذعر الذي أصاب أصحاب البيت. الكلب جره على الأرض، زوجته قفزت باتجاهه مع بطانية في يدها في محاولة لإبعاد الكلب بمساعدة البطانية وإنقاذ زوجها من أنيابه. شاهد الأولاد المنظر وبدأوا بالبكاء. كان يصرخ ويطلب المساعدة وزوجته أيضا. لم تساعد البطانية ولم تنجح إيناس في تحرير زوجها من الكلب. فقط بعد عدة دقائق، قالوا، بدأ الجنود في محاولة تخليصه، لكن الكلب لم يذعن لهم. قال (مبروك) إنه كان على قناعة بأنه سيموت، وزوجته اعتقدت ذلك أيضا.

مزق الجنود ملابسه في محاولة لتخليصه من الكلب كما يبدو. وبعد ربع ساعة تقريبا، حسب تقديرنا، نجح الجنود في تخليصه من الكلب، حسب أقواله، ضربه أحدهم بقبضته على أنفه ووجهه. وقد كان مصابا ومندهشا. كبل الجنود يديه خلف ظهره وأنزلوه إلى الطابق في مدخل البيت، عندها جاء ضابط وسأله عن اسمه، وفك قيوده وصور جراحه. بدا الضابط مندهشا من منظر الجروح والذراع والساق المصابتين،أدخلوه إلى الجيب العسكري وأخذوه وهو مكبل إلى منشأة الاعتقال في سالم، هناك أبقوه ثلاث ساعات، كما قال، من دون تقديم أي علاج له. فقط بعد ذلك تم نقله إلى مستشفى (هعيمق) حيث وصل إلى هناك في العاشرة والنصف صباحا تقريبا.

في تلك الأثناء كان معتقلا رغم أنهم لم يقولوا له في أي وقت لماذا تم اعتقاله وبسبب ماذا. في تلك الليلة اعتقل أيضا شقيقيه( مصطفى) و(مبارك جرار). أطلق سراح (مبارك) في حينه،أما (مصطفى) فما زال معتقلا. يحمل جميعهم اسم عائلة المطلوب رقم واحد بقتل الحاخام رزئيل شيفح، (أحمد جرار) الذي تمت تصفيته بعد ذلك.

وقعت حادثة مشابهة في الليلة نفسها بين الجمعة والسبت في قرية (الكفير) قرب جنّين. في الرابعة فجرا داهم جنود الجيش بيت (سماهر) و(نور الدين عواد) وأولادهم الأربعة. ومع الجنود، تم إدخال إلى غرفة نومهم كلبٌ عضّ وجرح الوالدين. هكذا وصفت (سماهر عواد) ما حدث في الإفادة التي قدمتها للباحث الاجتماعي عبد الكريم السعدي: «كنت أحمل ابني كرم (2 عام) الذي كان يبكي، فتحت الباب الذي دقه الجنود وقام كلب بالهجوم علي وقفز على صدري. سقط كرم من يدي، وبعد ذلك رأيت زوجي، يرفعه. حاولت إبعاد الكلب بعدما عضني بصدري، نجحت في إبعاده ولكنه أمسك بساقي اليسرى.

«نجحت بكل قوتي في إبعاده. كان الجنود يقفون فقط، نظروا إلى الكلب ولم يفعلوا شيئا. طوال هذا الوقت كان زوجي يتوسل للجنود بأن يأخذوا الكلب. تحدث أحد الجنود مع الكلب بالعبرية وحينها أمسك الكلب بذراعي اليسرى بضع دقائق إلى أن وصل جندي وأخذه. نزفت من يدي التي كانت تؤلمني جدا. خرج الجنود والكلب ووقفوا أمام المدخل، طلب زوجي أن يقدموا العلاج لي لكنهم لم يأبهوا له، قمت بربط يدي بقطعة قماش لوقف النزيف».

لقد بحثوا عن المال

بعد بضعة أيام في الثامن من ذاك الشهر، استيقظوا مرة أخرى في بيت جراح في (برقين) مذعورين من مداهمة الجنود. حينها كان في البيت فقط نساء وأطفال: إيناس، أولاد (مبروك) وأمه وأخته اللتان تعيشان في البيت نفسه. كانت الساعة الثالثة والنصف فجرا. قالت إيناس إن نحو عشرين جنديا دخلوا البيت وقالوا للنساء بأن هناك أموالا لحماس في البيت وأنهم جاءوا لمصادرتها. داسوا على الفراش وطلبت إيناس منهم عدم القيام بذلك لكنهم لم يستجيبوا. سألوا أين مبروك. كان (مبروك) وقتها معتقلا من قبل الجيش الإسرائيلي في مستشفى هعيمق.

بعد ذلك انتقلوا للتفتيش الجسدي. حسب أقوالها قامت مجندة بإدخال النساء الثلاث إلى غرفة وأمرتهن بخلع ملابسهن. انتظر الجنود في الخارج. أجبرت زوجته وأمه (75 عاما) وأخته المعاقة (50 عاما)، على خلع ملابسهن، حسب اقوال إيناس أمرتهن المجندة بالجلوس والوقوف قرب السرير. لم يعثروا في التفتيش على شيء، لا مال ولا حماس. عندها منحوا إيناس تصريحا للدخول إلى اسرائيل لزيارة زوجها. وحسب أقوالها، قالوا لها إنه قيد الاعتقال في سجن (مجدو)، وسافرت هناك. لكن زوجها لم يكن هناك. اتصلت بالباحث الاجتماعي لـ «بتسيلم»، السعدي، الذي قام بالفحص ووجد أن (مبروك) موجود قيد العلاج في مستشفى هعيمق في العفولة. فسافرت هناك، كان زوجها ما يزال معتقلا، وسمح لها حراسه بزيارته مدة 45 دقيقة فقط.

حسب رد جهاز الأمن على صحيفة «هآرتس»: «لم يتم تجريد النساء من الملابس بالقوة». وبشأن الاعتقال والكلب قيل إن قوات الأمن وصلت إلى قرية برقين «إلى بيت مبروك جرار المتهم بنشاط يهدد أمن منطقة يهودا والسامرة». كما قيل إن القوات «نادت عليه للخروج إلى الخارج»، وأنه «بعد تكرار النداءات، ولأنه لم يخرج واصلوا تنفيذ التعليمات وأرسل كلب لتنفيذ التفتيش للتأكد من عدم وجود أحد في البيت. أغلق المتهم على نفسه وعلى بنات عائلته الباب في غرفة في الطابق العلوي. عندما تم فتح الباب، عضّ الكلب المتهم وأصيب وتلقى علاجا فوريا من قبل القوات الطبية العسكرية إلى حين نقله إلى المستشفى».

قابلوا يهودا

كان يجلس على السرير في المستشفى، حديثه ما زال ضعيفا وحركاته أيضا. تأتي زوجته كل يوم من (برقين). «ماذا تعتقد أنني شعرت؟» أجاب عن سؤال ما الذي شعر به حين كان منبطحا بين أنياب الكلب: «اعتقدت أنني سأموت»، حسب التركيبة العرقية للمستشفى. الزوار والطواقم الطبية، فإن هذا المستشفى هو مستشفى ثنائي القومية؛ يهودي عربي، مثل معظم المستشفيات في شمال البلاد. ولكن دخل إلى غرفة (جرار) في قسم العظام، دخل رجل صيانة يهودي وهو غاضب ويقطر كراهية تجاهنا. «لماذا تقابلون العرب؟ لماذا لا تقابلون اليهود؟» سأل وهدد بأن ينادي ضابط الأمن في المستشفى لأن (مبروك جرار) الجريح تحدث معنا.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى