مقالات مختارة

بوتين أطلق صافرة النهاية: عاموس هرئيل

 

فلادمير بوتين هو الذي أطلق صافرة النهاية للمواجهة بين إسرائيل وإيران في نهاية الأسبوع. إذ وضعت المحادثة الهاتفية بينه وبين نتنياهو حدا للخط الهجومي الذي أظهرته حتى ذلك الوقت شخصيات إسرائيلية كبيرة، والهدوء الذي ساد منذ ذلك الحين في المنطقة يذكر مرة أخرى من هو صاحب البيت الحقيقي في الشرق الأوسط .

في هذه الأثناء، بعد سابقة إطلاق الطائرة الإيرانية بدون طيار إلى أراضي إسرائيل، تقف إسرائيل أمام امتحان جديد: ماذا ستفعل في المرة القادمة عندما سيتم نقل إرسالية من السلاح المتطور لحزب الله، بعدما أثبت أعداؤها قدرتهم على المس بها، في الوقت الذي يستمرون فيه بالتهديد بتصعيد واسع؟ ولئن كان التراجع عن السياسة الهجومية، سيؤدي إلى ظهورها كخائفة فإن هجمات أخرى ستشكل خطرا محسوبا.

أطلق الرئيس فلادمير بوتين صافرة النهاية في المواجهة بين إسرائيل وإيران في سوريا، ووافق الطرفان على حكمه. هذا هو الاستنتاج المقبول من تحليل تسلسل الأحداث في نهاية الأسبوع. في ظهيرة يوم السبت بعد موجة هجمات سلاح الجو ضد أهداف لنظام الأسد ومنشآت إيرانية في سوريا، كانت شخصيات إسرائيلية كبيرة ما زالت تعبّر عن خط هجومي، وكان يبدو أنهم في القدس يفحصون استمرار النشاطات العسكرية. انتهى النقاش حول هذا الأمر بعد وقت قصير من المحادثة الهاتفية بين بوتين ونتنياهو.

في الإعلان الرسمي الذي أصدرته وزارة الخارجية الروسية تحفظٌ من خرق إسرائيل للسيادة السورية وتجاهلٌ الخطوة التي أشعلت هذه المرة النار، وهي اختراق طائرة إيرانية بدون طيار لسماء إسرائيل. في محادثة مع نتنياهو بعد بضع ساعات، دعا بوتين للامتناع عن اتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى «جولة جديدة من التداعيات الخطيرة على المنطقة».

الروس قلقون أيضا من اقتراب القصف الإسرائيلي من المواقع التي يخدم فيها جنود ومستشارون روس، منها قاعدة «تي 4» قرب تدمر التي هوجمت فيها غرفة القيادة الإيرانية التي أطلقت منها الطائرة بدون طيار أول أمس. أقلقت هذه القضية موسكو أيضا بعد هجوم إسرائيلي مشابه في المنطقة نفسها، في آذار/مارس الماضي، والذي تم نقل احتجاج في أعقابه.

يدل الهدوء الإسرائيلي الذي أعقب محادثة نتنياهو ـ بوتين على من هو صاحب البيت الحقيقي في الشرق الأوسط. في الوقت الذي بقيت فيه الولايات المتحدة في مكانة الغائب ـ الحاضر ويستمر البحث عن سياسة خارجية أمريكية شاملة، تقوم روسيا بإملاء تطور الأمور. استثمرت موسكو جهودا وموارد كبيرة لإنقاذ نظام الأسد في السنوات الأخيرة إلى درجة أنها لا تسمح لإسرائيل بإفشال هدفها الاستراتيجي.

يمكن أن تكون رسائل بهذه الروح قد نُقلت أثناء المحادثة الهاتفية بين الرئيسين. هذا لا يعني أنه لا يوجد لإسرائيل أوراق مساومة خاصة بها، تتمثل بالتهديد بإدخال الساحة السورية إلى دائرة دراماتيكية أخرى. ولكن من المشكوك فيه أن نتنياهو متحمس للتصادم مع الروس، إذ تكفيه المواجهة التي وجد نفسه فيها مع الإيرانيين.

سنخترق الحاجز

انكشفت نقطة ضعف نادرة في يوم عمليات ناجح لسلاح الجو ـ مكنت من ضرب طائرة الـ إف 16 ـ وفرت للإيرانيين والسوريين الإنجاز الإعلامي الأكبر. بقي طاقم الطائرة التي أصيبت مكشوفا نسبيا على ارتفاع كبير في الجو بصورة مكّنت من الضربة المفاجئة للصاروخ. بالنسبة لإيران، فهذا نجاح كبير في العملية الأولى التي نفذها حرس الثورة في هذه الساحة وحده، بدون الاعتماد على وكلاء مثل حزب الله والمليشيات المحلية. وتمت ترجمة هذا النجاح على الفور في محاولة وضع ميزان قوى جديد عبر تصريحات تقول إنه لن يتم السماح في المستقبل لإسرائيل أن تهاجم كما تشاء سوريا جوا.

تكبد المحور حول معسكر الأسد خسائر فادحة في القصف نهاية الأسبوع، ومن بينها شل عمل حوالي نصف بطاريات الدفاع الجوي للجيش السوري. لكن يبدو أن الأهمية الرمزية الكامنة في إسقاط الطائرة تغطي على ذلك من وجهة نظر إيران وسوريا.

سُجلت نهاية الأسبوع سابقتان إضافة لإسقاط الطائرة: قامت إيران بإطلاق طائرة بدون طيار خاصة بها إلى أراضي إسرائيل، وإسرائيل قصفت هدفا إيرانيا فيه أشخاص على الأراضي السورية. اخترقت إسرائيل بذلك حاجزا نفسيا معينا بعد أشهر من التهديد العلني بوقف تمركز إيران في سوريا (الذي ظهر وكأنه كلام هذياني مبالغ فيه).

ولكن الآن يأتي امتحان جديد: إذا حددت إسرائيل بأنها لن تسمح بنقل إرساليات سلاح متقدم لحزب الله في لبنان، فماذا ستفعل في المرة القادمة عندما تنطلق قافلة كهذه في طريقها بعد أن أثبت الأعداء القدرة على الضرب، وهم يهددون بأن أي هجوم إسرائيلي آخر سيكون ثمنه التصعيد؟. كذلك على افتراض أنه في المرة القادمة ستنطلق طائرات سلاح الجو لتنفيذ مهمات وحولها غلاف دفاعي أكثر اكتمالا، فإن ذلك سيعتبر مخاطرة محسوبة.

تتم الهجمات الجوية في الشمال كجزء مما تسميه إسرائيل «معركة بين حربين» التي أساسها المس بجهود زيادة القوة العسكرية لمنظمات مثل حزب الله وحماس. عندما صدر التقدير الاستخباري السنوي للجيش الإسرائيلي قبل نحو شهر، طرح رئيس الأركان غادي آيزنكوت إمكانية أن النجاحات العملياتية العديدة للجيش الإسرائيلي في «المعركة بين حربين» ستدفع العدو للرد بصورة من شأنها التسبب بانزلاق المنطقة إلى شفير الحرب، وهذا بالضبط ما حدث في نهاية الأسبوع.

وعندما هدأت الخواطر، يظهر بنظرة إلى الوراء، أننا كنا على بعد شعرة من الانزلاق الشامل. وكان التقدير السائد في جهاز الأمن أمس، أن جولة القتال الحالية انتهت عمليا، لكن تصادما آخر مع إيران هو مسألة وقت فقط.

على هذه الخلفية تسمع الآن في الهوامش اليمينية للخارطة السياسية أفكار هستيرية بشأن فرض نظام إقليمي جديد: سننتهي من تعليم السوريين الدرس وبعد ذلك يمكن التصادم مباشرة مع الإيرانيين، حتى على أراضيهم؛ في الولايات المتحدة سيكونون مسرورين بالتأكيد. هذه أفكار عبثية خطيرة، من الأفضل لإسرائيل الامتناع عن التفكير فيها.

في الحي الصعب المحيط بإسرائيل، يجب عليها إظهار القوة والتصميم. ولكن لا يجدر بها الانجرار ألى أوهام بشأن قدرات عسكرية غير محدودة. يبدو أن القيادة في القدس تعرف ذلك جيدا.

أثبتت السياسة الهجومية الإسرائيلية في الساحة الشمالية نفسها في السنوات الأخيرة، والآن بعدما قامت إيران وسوريا بخطواتهما، سيكون من الصعب التراجع عنها من دون الظهور كمن ارتدعت من القوة التي استخدمت ضدها.

مع ذلك، يُطرح سؤال هل إسرائيل لم تعشق أكثر من اللازم تفوقها الجوي والاستخباري والتكنولوجي، الذي جلب لها سلسلة نجاحات عملياتية. عندما تكون في يدك مطرقة بوزن 5 كيلوغرام، يكون لديك توجه لأن ترى كل مشكلة مثل المسمار. ولكن انتصار الأسد في الحرب الأهلية في سوريا ودخول إيران وروسيا إلى الجبهة الشمالية أديا إلى تغيير جذري في الوضع الاستراتيجي الإقليمي. ربما يجب على إسرائيل في الظروف الحالية البدء في البحث عن كماشة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى