مقالات مختارة

لهذه الاسباب انجاز حزب الله الى بري… وباسيل تجاوز الخطوط الحمراء: ابراهيم ناصرالدين

 

لم تتبلور بعد اي مخارج للازمة السياسية القائمة في البلاد، احتدام الصراع لا يرتبط فقط بعملية «شحن»، تجاوزت الحدود المتعارف عليها، للناخبين على «ابواب» الاستحقاق الانتخابي، تركيبة المجلس النيابي الجديد واضحة ولا تحتاج الى الكثير من «التبصير»، او «الحشد» الجماهيري لتغيير واقع بات مسلماً به بفعل القانون الانتخابي الجديد… والمسألة باتت تتجاوز «اعتذار» الوزير جبران باسيل من عدمه، لان تكبير «الحجر» الانتخابي بات «شماعة» تخفي صراعا من نوع آخر على التوازنات «الهشة» القائمة في البلاد، وما كان يعمل عليه في «السر» جاهر به الوزير في «التسجيل المسرب»، فعنوان المرحلة الحقيقي هو «تكسير رؤوس» في معركة استعادة الحقوق التي اختار لها التيار الوطني الحر العنوان الخاطىء، مستغلا ضعف الرئاسة الثالثة للتصويب على رئاسة مجلس النواب، في مواجهة لم يعد فيها «للنوايا الطيبة» اي مكان، وهو الامر الذي يصعب دخول الوسطاء لاجتراح الحلول، وفي مقدمتهم حزب الله الذي لم يتخذ موقفا «بالنأي بالنفس» عن الصراع كما يظن البعض، لكنه ربما للمرة الاولى ينحاز بهذا الوضوح الى شريكه في «الثنائي» الشيعي، لانه حليفه «البرتقالي» لم يترك له اي هامش «للمناورة» او للتراجع خطوة الى الوراء، بعد ان تكشفت النوايا المبيتة المرتبطة بمحاولة اعادة «عقارب الساعة الى الوراء»، وهذا لا يمكن السكوت عنه لانه يتجاوز «الخطوط الحمراء» المرسومة للعلاقة بين الطرفين .

هذه الخلاصة لاوساط بارزة في «الثنائي الشيعي»، ترى ان جزءا من الازمة الراهنة عنوانها ضعف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي اختار عن سابق تصور وتصميم تهميش الموقع الذي يمثله ظنا منه ان الصراع بين الرئاستين الاولى والثانية سيضعف الاثنين لمصلحته، وهو بعد محنته في السعودية زاد ضعفا وهو يتفرغ اليوم لاعادة بناء منظومة حمائية اقليمية فقدها في الرياض ويحاول استعادتها لكن ببطء شديد سببه «تحفظ» الرياض على شخصه وسياسته، ولذلك اختار ترك البلاد في ذروة الازمة لاتمام زيارة الى تركيا تعنيه شخصيا على المستويين السياسي والاقتصادي، مطمئنا الى عدم وجود اي مخاطر تهدد «التسوية» القائمة، طالما ان علاقته «ممتازة» مع الرئيس ميشال عون، وهو الطرف الاساسي في التفاهم الذي انتج توليفة الحكم القائمة حاليا، وهو لا يبدو مكترثا «لغضب» الرئيس بري الذي لم يكن اصلا جزءا منها، فالتسوية حصلت بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، باركها حزب الله لانها اوصلت مرشحه الى قصر بعبدا، وكانت عودة الحريري الى السرايا الكبير «تحصيل حاصل»… ومن هنا يبدو رئيس الحكومة غير قلق باعتبار انه لا بديل عنه في المدى المنظور… لكن ذلك ترك فراغا مدويا في كرسي الرئاسة الثالثة، وغاب دورها المحوري في تدوير الزوايا.

في المقابل، تشير تلك الاوساط الى ان حزب الله المتمسك حتى «آخر نفس» بتفاهم «مار مخائيل» مع التيار الوطني الحر، وبشكل خاص مع رئيس الجمهورية ميشال عون، نصح كثيرا وزير الخارجية جبران باسيل ودعاه الى «التهدئة» دون اي استجابة، وقد شعر الحزب انه «يستقوي» «بورقة التفاهم» لمنازلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبات واضحا ان رئيس «التيار» لا يأخذ «بعين الاعتبار» حساسيات الحالة الشيعية، وهو حاول ان يفرض على الحزب نظرية تقول ان «التكتيك» هو غير «الاستراتيجية»، اي هو متوافق في الخطوط العامة ذات الابعاد الوطنية الكبرى مع «الثنائي الشيعي» لكن يجب ان يترك له هامشا «لمقارعة» الرئيس بري ومزاحمته في القضايا «الثانوية» الداخلية. لكنه باسيل اخطأ التقدير لسببين، الاول ان رئيس مجلس النواب لا يعترف بوجود فصل بين ما هو «تكتيك» و«استراتيجيا»، وثانيا لم ينجح في الفصل بين الخلاف والتزاحم السياسي مع حركة امل على المسائل «التكتيكية» وبين محاولته نقض «الاعراف» السائدة وصولا الى تجاوزالحقوق الشيعية المكتسبة بعد الطائف والتي يعتبر بري نفسه «حارسا» امينا عليها.. واذا كان باسيل يريد استعادة ما يعتبره حقوقا مسيحية ضائعة في النظام، فلا يجب ان تكون من «كيس» الشيعة، حسب تعبير تلك الاوساط.

ومن خلال بيان حزب الله الاخير، وهو الاكثر وضوحا في انتقاد موقف الوزير باسيل، اراد الحزب التأكيد بان الوحدة الداخلية الشيعية فوق كل اعتبار، والحزب غير قادر على «هضم» اخطاء مماثلة ومعادلة التضحية «بالشريك» الشيعي، مقابل الاحتفاظ بالغطاء الذي يؤمنه الرئيس عون لسلاح المقاومة امر غير وارد… لان المقايضة في هذا الاطار غير قائمة اصلا لكن باسيل فهم على نحو خاطىء «صمت» حزب الله بعد تصريحاته حول عدم وجود خلاف ايديولوجي مع اسرائيل، فاختار «مناكفة» الحزب من خلال التحدي غير المبرر لـ«دعوة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى مقاطعة فيلم «ذا بوست»، متجاوزا قضية لا يقبل الحزب اي «مزاح»، وعلى الرغم من ذلك جرى تجاوز المسألة، لكن ما قاله معالي الوزير عن الرئيس بري كان اكبر من «هفوة»، ولا يمكن تجاوزها خصوصا انها جاءت بعد محاولة الرئيس ميشال عون «بالتواطؤ» مع الرئيس سعد الحريري تمرير قانون مرسوم الأقدمية الممنوح لدورة ضباط سنة 1994، دون الأخذ بعين الاعتبار التوازنات الطائفية التي تلزم جميع الأطراف مراعاة التوزيع الطائفي داخل إدارة الدولة ومؤسساتها… وهذا ليس فقط تجاوزاً دستورياً لموقع الطائفة الشيعية، بل هو تجاوز خطير لدستور الطائف، الذي يربط تنفيذ القوانين التي ترتب اعباء مالية بتوقيع وزير المالية

ولفتت تلك الاوساط، الى ان حزب الله الذي رفض بشكل حاسم محاولة التيار الوطني الحر وتيار المستقبل «عزل» القوات اللبنانية بعد عودة الرئيس الحريري من منفاه السعودي، لن يقبل ان تتحول «التعبئة» الانتخابية الى صراع على شكل النظام، لان مجرد تسلل الشعور الى فئة، مهما كان حجمها، بان ثمة من يعمل على عزل للطائفة من خلال تحجيم دورها الدستوري سيكون بمثابة الكارثة التي لا يمكن وقف تداعياتها، ولن يستطيع حتى حزب الله «النأي بالنفس» عنها لانه لن يكون عندها محشورا بين حليفيه، فالمسألة تتجاوز «التفاصيل» الى ما هو جوهري وغير قابل للنقاش.

وبحسب معلومات تلك الاوساط، بعد التسريب خاطب الرئيس بري قيادة حزب الله وذّكرهم بما كان يحذر منه من نوايا لدى التيار الوطني الحر، للعودة الى صيغة 1943وكان إصراره على رفض مرسوم الأقدمية أشبه برفع «البطاقة الحمراء» في وجه اي محاولة لاستعادة هذه الصيغة، لانه بوجود رئيس حكومة ضعيف لا «يشبه والده بشيء» يصبح الحذر واجبا اكثر

وامام عمق المأزق، تعول تلك الاوساط على «حكمة» رئيس الجمهورية للحد من اندفاعة رئيس التيار الوطني، حماية للعهد الذي لن يستطيع مراكمة اي انجاز اذا ما استمر الصراع على حاله، هي تؤكد ان رئيس مجلس النواب سمع نصيحة بضرورة وقف «الشغب» في الشارع لانه «لعبة» خطيرة لا يمكن حصر تداعياتها، وكذلك ثمة نصيحة وجهت الى وزير الخارجية بعدم دفع الشيعة الى «الزاوية» من خلال تحويل المعركة الى مواجهة للدفاع عن مكتسباتها داخل الدولة، فهذا «العنوان» خطير للغاية ولن يفيد احد… وبرأيها «التفاهم» بين حزب الله والتيار الوطني الحر لن «يقع» على الرغم من الاهتزازات الاخيرة، لكن على الوزير باسيل التنبه من «السير» في «حقول الالغام»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى