مقالات مختارة

المساعدات الأمريكية للفلسطينيين ومردودها السياسي: ايتان جلبوع

 

عندما جمّد ترامب 65 مليون دولار من دفعات الولايات المتحدة للأونروا وهدّد في اجتماع دافوس الفلسطينيين بأنهم إذا لم يعودوا للمفاوضات مع إسرائيل فسيوقف الأموال التي تمنحها الولايات المتحدة لهم، فقد أعاد تعريف منطق المساعدة. هذا منطق رجل أعمال، يتناسب أيضا ونهجه رئيسًا للدبلوماسية. فترامب يريد أن يحقق «الصفقة المثلى» بين إسرائيل والفلسطينيين. «صفقة»، وليس اتفاق سلام. وهكذا فقد أضاف «نهجا تجاريًا» للمناهج القائمة للمساعدات الخارجية: الاستراتيجي والإنساني .

إن القوى العظمى كالولايات المتحدة، روسيا والصين تمنح المساعدة أساسًا وسيلة لتحقيق مصالح استراتيجية. ففي فترة الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة المساعدات الخارجية لدعم الحلفاء، مثل إسرائيل، ممن كانوا يواجهون الضغط السوفييتي. أما الاتحاد السوفييتي فقد تصرف بشكل مشابه تُجاه حلفائه، مثل كوبا. لقد منحت الولايات المتحدة المساعدة بحجم واسع لإسرائيل ومصر كي تدعم المفاوضات التي أدارتاها، وحفظ اتفاقات السلام التي حققتاها. ويتواصل هذا المنطق حتى اليوم. المساعدة العسكرية لإسرائيل تُعطى أيضًا كي تتمكن من مواجهة أي تحالف إقليمي معادٍ.

وتمنح الدول الغنية في غرب أوروبا وفي اسكندنافيه المساعدات أساسًا لاعتبارات إنسانية. فهي تمنح التبرعات من دون أن تتوقع المقابل.

وتُعطى هذه المساعدات للدول الفقيرة وغير المتطورة، لا سيما لتقليص الفوارق بينها وبين العالم الغني. بعض من هذه الدول تسهم في مثل هذه المساعدات الإنسانية بمبالغ بحجم نسبة ثابتة من منتوجها القومي.

منذ توقيع اتفاق أوسلو، تلقى الفلسطينيون من الولايات المتحدة ومن أوروبا مليارات الدولارات. وقد أعطيت المساعدات الأمريكية أساسًا لأسباب استراتيجية، تشبه تلك التي قبعت خلف المساعدات لمصر: تعزيز وحفظ المسيرة السلمية مع إسرائيل. وقد أعطيت المساعدات الأوروبية أساسا لأسباب إنسانية. وقد نبعت من الإحساس بأن الفلسطينيين هم فقراء، مساكين ومقموعين ويجب مساعدتهم.

عند منح المساعدات الإنسانية لا تفحص الاستخدامات التي تجرى لها. وعليه فقد امتنعت أوروبا من استيضاح أسباب الضائقة الفلسطينية، مثل الاستثمارات الطائلة لحماس بمئات ملايين الدولارات كل سنة لإنتاج الصواريخ وبناء الأنفاق الهجومية على حساب رفاه سكان غزة الفقراء.

أحدٌ لم يفحص كم مالا من التبرعات الإنسانية ذهبت إلى حسابات بنوك شخصية وسرية للزعماء الفلسطينيين. وبدأت أوروبا تطرح الأسئلة فقط عندما تبين أن السلطة الفلسطينية تستخدم التبرعات لدفع رواتب كبيرة للإرهابيين الذين أدينوا وحبسوا في إسرائيل ولبناء مؤسسات عامة وتسميتها بأسماء الإرهابيين.

في السنوات الأخيرة، منحت الولايات المتحدة السلطة الفلسطينية كل سنة نحو 500 مليون دولار وللأونروا بين 250 ـ 400 مليون دولار. وكما أسلفنا، في نظر ترامب هذه المساعدة هي استثمار يجب أن يعطي مردودًا مناسبًا. ولمّا كان منطق المساعدة للفلسطينيين هو وجود المسيرة السلمية، والفلسطينيون غير مستعدين لخوض المفاوضات، وهذا الموقف كان صحيحًا أيضًا في معظم سنوات ولاية أوباما، فقد شطب المبرر لمساعدتهم. كما أن ترامب شعر بالإهانة من المقاطعة الفلسطينية لزيارة بنس والإهانات التي وجهها له عباس ورجاله.

يمكن للنهج التجاري لترامب أن يتحدى إسرائيل أيضًا. فقسم من المساعدات الأمريكية مكرس لتدريب وصيانة أجهزة الأمن الفلسطينية. وتجميدها من شأنه أن يخرب التعاون الأمني الفلسطيني مع إسرائيل، وتفهّم الأزمة الإنسانية في غزة، وربما أيضا موجة عنف جديدة. وتمنح الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدة عسكرية بحجم نحو ثلاثة مليارات دولار في السنة. وقال ترامب إنه يتعين على إسرائيل أن تعطي مقابلا لتصريح القدس وتقديم تنازلات ذات مغزى في إطار تسوية سلمية. إن المبدأ التجاري سيمنحه رافعة ضغط ثقيلة على نتنياهو حين سيعرض «الصفقة المثلى» خاصته.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى