مقالات مختارة

خطر الأونروا: عاموس جلبوع

 

منظمة الأمم المتحدة الأونروا توجد هذه الأيام في العناوين الرئيسة. الأونروا هي الأحرف الأولى لاسم المنظمة بالإنكليزية: وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (في الشرق الأوسط). وهذه الوكالة هي إحدى أكبر مظاهر العبث في الأمم المتحدة والتاريخ الحديث .

في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، أقيمت في الأمم المتحدة مفوضية عليا مهمتها كانت الحرص على توطين ملايين اللاجئين في أرجاء العالم، في البلدان التي هربوا إليها. ولكن الدول العربية، التي هرب إليها اللاجئون الفلسطينيون (600 ـ 700 ألف)، رفضت توطين اللاجئين في نطاقها. وعليه فبعد بضعة أيام من قيام المفوضية أقامت الأمم المتحدة وكالة خاصة للعناية فقط باللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). وهنا يصل العبث إلى ذروة الغباء. أولا، تفويض الأونروا قضى بأن اللاجئ الفلسطيني ينقل حقوقه في اللجوء بالوراثة. أبناؤه وأنساله على مدى الأجيال سيكونون لاجئين، بخلاف كل لاجئ في العالم تعنى به المفوضية، وفقط هو، وليس أبناؤه وأحفاده، يعتبر لاجئا إلى أن تنجح المفوضية في توطينه. ثانيًا، بينما دور المفوضية هو تصفية مشكلة اللاجئين في الأماكن المختلفة في العالم من خلال الحرص على توطينه فإن دور الأونروا هو العكس: عدم حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بل تخليدها. وهكذا، بعد 70 سنة، نحن نقف أمام نحو 5 ملايين لاجئ فلسطيني (أنسال اللاجئين الأصليين) وأمام عشرات مخيمات اللاجئين.

للتجسيد بالملموس لعمق المشكلة، التي هي التي تمنع، برأيي، كل حل وسط بيننا وبين الفلسطينيين، سآتي هنا بمقاطع من تقرير لصحافي ألماني زار مخيم عايدة للاجئين، شمال بيت لحم، ونشر في أيار 2013 في المجلة الألمانية «سيسرو». يخيل لي أنه يدل أكثر من ألف خطاب على ما هو الواقع.

«دخلت إلى المركز الجماهيري في المخيم»، كتب في التقرير. «مسؤولة الثقافة هي خلود. فقد ولدت هنا. جدتها كانت لاجئة في 1948. خلود تعلمت في انجلترا. بعد إنهاء تعليمها عادت إلى مخيم عايدة بهدف «العودة» إلى إسرائيل، برغم أنها لم تكن هناك أبدا. بالنسبة لها وبالنسبة لباقي السكان في عايدة لا توجد أي إمكانية لبدء حياة جديدة في مكان آخر، او الرغبة في أن يصبحوا مواطنين عاديين، إذ أنهم سيفقدون عندها مكانة اللجوء التي منحتهم إياها الوكالة. وهي تقول: «نحن لا نريد التطبيع. نحن نريد أن نبقى لاجئين كي نحقق حقنا في العودة ذات يوم». وعليه فليس مفاجئا أن ليس لخلود أي اهتمام باتفاق سلام السلطة الفلسطينية مع دولة إسرائيل. «الناس لا يريدون حل الدولتين». «ولكن ماذا يريد الشعب حقا؟» «فتجيب الحق في دولتنا». لم يقف أمامي شخص صاخب بل امرأة شابة مع ابتسامة غربية تتحدث بصوت هادئ وسكينة عن الدم والأرض. تتحدث بشكل واضح جدا عن الأمور التي يتمنونها: دولة واحدة بين النَّهَر والبحر، يكون بوسع كل الفلسطينيين، أنسال لاجئي 1948، المشتتين في كل العالم، أن يعيشوا. خلود لا ترى شأنا كبيرا في أن هذا لن يتحقق في الطرق السلمية، لأن هذا يعني من ناحية إسرائيل إنهاء وجودها كدولة يهودية. وتسأل خلود سؤالا بيانيا»لِمَ نحتاج دولة يهودية؟ لا شك أننا كلنا يمكننا أن نعيش في دولة فلسطين الديمقراطية عندما تكون أغلبية فلسطينية». وسألت: «وماذا سيكون مع الأقلية اليهودية». فتجيب: «هذه مشكلة صغيرة. سيوجد لهم حل في نهاية الأمر». فينهي المراسل الألماني فيقول: «الزيارة هزتني».

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى