مقالات مختارة

السؤال الفلسطيني الإسرائيلي: ما هو مصير غزة بعد تدمير الأنفاق؟: عاموس هرئيل

 

في أيلول 2005 كان قائد فرقة غزة، العميد افيف كوخافي (الآن هو جنرال ونائب رئيس الأركان)، هو الإسرائيلي الأخير الذي خرج من قطاع غزة عند الانتهاء من استكمال خطة الانفصال. كوخافي أغلق من ورائه البوابة في معبر كيسوفيم الذي تحول منذ ذلك الحين إلى حاجز. الفلسطينيون القليلون المسموح لهم اليوم الخروج من القطاع إلى إسرائيل والضفة الغربية يقومون بذلك عبر معبر إيرز .

قطاع غزة منذ ذلك الحين ودائما: في تشرين الأول الماضي، أمام ناظري موقع حراسة للجيش الإسرائيلي الذي بقي في المكان الذي كان فيه المعبر، كشف الجيش نفق حفره الجهاد الإسلامي على بعد 200 متر داخل الأراضي الإسرائيلية. النفق الاختراقي تم العثور عليه جنوب الموقع. حتى الآن لم يتم حفر ثغرة للخروج منه، لكن مسارها صعد قريبا من سطح الأرض. لم يبق أمام الفلسطينيين أكثر من بضعة أيام من العمل من أجل إعداد النفق للاستخدام. عندما قصف الجيش الإسرائيلي النفق في الجانب الإسرائيلي حدث رد متسلسل عمل على انهيار أجزاء من النفق في الجانب الفلسطيني. 12 نشيطا من حماس والجهاد الإسلامي دفنوا تحت الأنقاض. إسرائيل أخرجت خمس جثث للقتلى. والباقون تم إخراجهم في الجانب الغزّي من الجدار. النفق قرب كيسوفيم هو النفق الأول من بين ثلاثة أنفاق كشف عنها في الأشهر الأخيرة في الأراضي الإسرائيلية. في الشهر الماضي، حسب تقارير وسائل الإعلام في غزة، تم قصف نفق آخر جوا، قرب الجدار داخل الأراضي الفلسطينية.

أمس دعا الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى مراسلين لزيارة في الجانب الإسرائيلي من نفق الجهاد الإسلامي. النفق الذي في أعمق نقطة يصل حتى 28 مترا تحت الأرض، هو نفق ضيّق جدًا لكنه يمكن من الحركة السهلة داخله، في أجزاء منه يقتضي السير بانحناء قليل. ألواح الاسمنت على الجوانب تدل على أن عملية الحفر كانت في مرحلة متقدمة نسبيًا. في الجيش الإسرائيلي يقدرون أن الحفارين عملوا في نوبات، عشرة أشخاص في كل مرة وعلى مدى 24 ساعة وستة أيام في الأسبوع (يوم الجمعة هو يوم عطلة). هذا النفق يختلف تماما عن الأنفاق التي حفرتها حماس تحت معبر كرم أبو سالم الذي تم قصفه يوم السبت الماضي. حسب الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي كان ذلك نفق أوسع كثيرا، يمكن من خلاله تحرك عدد أكبر نسبيا من النشطاء ويمكن نقل وسائل قتالية من خلاله.

في الجيش يفرضون، على أساس مسار النفق (من غزة مرورا بإسرائيل وانتهاء بفتحة في المنطقة المصرية)، هذا النفق تم إعداده لتهريب السلاح من سيناء، لكن حفر فروع فيه هدف إلى تنفيذ عمليات داخل المعبر نفسه، إذا اختارت حماس هذا النمط من العمليات.

الجيش الإسرائيلي قام بجولات كهذه في نفق آخر، قبل نحو سنة من عملية الجرف الصامد. ولكن الصور والبث لم تترك انطباعا عميقا على النقاش العام في إسرائيل. عندما اندلعت المواجهة في صيف 2014 فوجئوا في البلاد من حجم ودقة مشروع الأنفاق الهجومية. ومثلما أوضح تقرير مراقب الدولة الذي نشر السنة الماضية، أيضا المستوى السياسي وجهاز الأمن لم يتعاملوا مع تهديد الأنفاق بالقدر الكافي من الأهمية.

طرق أخرى

البرق لا يضرب المكان ذاته مرتين ـ يبدو أن الجهاز الإسرائيلي مستعد الآن بشكل أفضل للتعامل مع الأنفاق. إن جهود الكشف عن الأنفاق مستمرة بموازاة بناء الجدار تحت الأرضي. حسب التقديرات الأخيرة سيتم استكمال بناء الجدار في منتصف 2019. ولكنه هو والأنظمة المكشوفة حوله سيتم تشغيلها بصورة ناجعة جدا في نهاية العام الحالي.

ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية قال أمس إنه حسب تقديره فإن حماس أصبحت تدرك أن المشروع الذي استثمرت فيه أموالا طائلة ومواد كثيرة في السنوات الأخيرة في طريقه إلى الزوال. وأشار الضابط إلى أن حماس أصبحت مترددة في استثمار موارد أخرى في الأنفاق الهجومية، وهي تفضل توجيهها إلى طرق ووسائل أخرى، توسيع أسطول الطائرات من دون طيار التي توجد بحوزتها وتعزيز قدرتها على الاختراق بوساطة قوات كوماندو عبر الجدار من فوق سطح الأرض.

الضابط كان حذرا ومترويًا بالنسبة لوتيرة تقدم الجهد الدفاعي الإسرائيلي، وحرص على توضيح أنه في كل الأحوال، طالما أنه لم يتم استكمال بناء الجدار والأنظمة المرافقة له، لا يجب الحديث عن حل شامل. هذا يبدو مقاربة أكثر اكتمالًا من تعهدات المستوى السياسي في هذا الأسبوع بحل شامل لمشكلة الأنفاق حتى نهاية هذه السنة. أقوال منسق أعمال الحكومة في المناطق، الجنرال يوآف مردخاي، حول العبقرية اليهودية و«القبة الفولاذية» التي ستزيل تهديد الأنفاق، مناسبة أكثر لأسلوب الحديث في الشبكات العربية. وهذا هو المنبر الإعلامي الذي استخدمه المنسق. عندما تتم ترجمة هذه الأقوال أو يتم اقتباسها بالعبرية أو الإنكليزية تخرج منها رائحة تبجح مثل «صوت الرعد من القاهرة».

التفاخر الصادق بالإنجازات التكنولوجية الإسرائيلية لا يجب أن يخفي كل أهمية المعطيات حول اقتصاد القطاع. في بداية هذا الأسبوع نشر في «هآرتس» تحذير كبار الأجهزة الأمنية حول انهيار خطير في الظروف المعيشية في القطاع. في الأشهر الأخيرة انخفض عدد الشاحنات التي تنقل البضائع إلى القطاع في معبر كرم أبو سالم بالثلثين تقريبًا، وهذا العدد يفسره الجيش الإسرائيلي بانخفاض القوة الشرائية في قطاع غزة. أيضًا الحصار المصري على غزة ملموس. معبر رفح كان مفتوحا أمام الحركة 36 يوما فقط في السنة الأخيرة. ومعظم الأيام اقتصرت على مرور من اعتبروا «حالات إنسانية». في السنة الأخيرة اجتاز المعبر فقط 34.700 شخص مقابل 43.380 ألف شخص في عام 2016.

جمعية «غيشة» التي تقوم بمتابعة الوضع في القطاع نشرت في هذا الأسبوع تقريرها السنوي الذي جاء فيه أن سنة 2017 كانت السنة الأسوأ في القطاع منذ انتهاء عملية الجرف الصامد. الجمعية تورد بالتفصيل سلسلة من التشديدات في شروط دخول سكان القطاع إلى إسرائيل، منها تمديد فترة علاج طلبات تصاريح الدخول، ارتفاع عدد الممنوعين من الدخول بذرائع أمنية، وفرض قيود أخرى على إدخال المواد «ثنائية الاستخدام» (التي يمكن أن تستخدم لأهداف عسكرية أيضًا) إلى القطاع. مصدر التشديد هو الشباك القلق من محاولات حماس إدخال وسائل تخريبية إلى إسرائيل، التي تكون أحيانا بوساطة أشخاص لا يعرفون كيفية استخدامها، وكذلك تهريب وسائل قتالية من الضفة الغربية إلى قطاع غزة.

في عام 2003، في ذروة الانتفاضة الثانية، اتهم رئيس الأركان في حينه موشيه يعلون الشباك بالنظر بمنظار ضيّق ـ والتركيز العالي على منع الإرهاب، مع تجاهل التداعيات المرافقة. الآن وبفضله فإن الجهاز يدرك هذه التداعيات وهو يستطيع تفصيلها، لكنه ما زال يتمسك بموقفه.

في الخلاف بين الشباك والجيش الإسرائيلي ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، يحسم في الأغلب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي يميل إلى التشديد. باختصار، التسهيلات المدنية المحتملة للقطاع ـ من دخول نحو 5000 عامل للعمل في مستوطنات غلاف غزة (الجيش يؤيد ذلك) وانتهاء بتطويل خط السكة الحديد اشدود ـ ياد مردخاي حتى حاجز ايور ـ أجلت، التبريرات كثيرة: مخاطر أمنية، الرغبة في أن يتم أولًا بلورة اتفاق لإعادة جثث الجنود والمدنيين الإسرائيليين المحتجزين في القطاع، واشتراط المصادقة على المشروعات الكبيرة بضم السلطة الفلسطينية للخطة.

مناقشة الاقتراحات لتحسين الوضع في القطاع تجري ببطء، كما لو كان لدى إسرائيل كل الوقت المتاح في العالم.

عمليات تفجير بدلا من الصواريخ

في الجيش الإسرائيلي يعتقدون، وعلى خلفية الانخفاض في إطلاق الصواريخ من القطاع في الأسبوعين الماضيين، أن حماس عادت إلى فرض ضبط النفس على التنظيمات السلفية الصغيرة، بهدف عدم وقوع حرب. في المقابل فإن حماس نشطة وتشارك في قناتين أخريين للاحتكاك مع إسرائيل: مظاهرات عنيفة بالقرب من الجدار في القطاع (في نهاية الأسبوع الأخير وصل عدد المتظاهرين إلى نحو 7000 متظاهر).

في ليلة أمس الأول، اكتشف جهاز الأمن العام الشاباك المتهمين بقتل الحاخام رزئيل شيفح في الأسبوع الماضي قرب الموقع الاستيطاني حفات جلعاد، حيث قامت وحدة من القوات الخاصة بتطويق صف من البيوت في مخيم جنين للاجئين التي كان فيها المتهمون الأربعة وعندما اقترب الجنود من أحد البيوت أطلق أحد المتعاونين مع المتهمين النار من مسدسه وجرح اثنين من الجنود، وقد تم إخلاء أحد الجنود الجرحى بحالة خطيرة إلى المستشفى بعد أن نزف الكثير من الدماء، أما الثاني فكانت جراحه بسيطة.

في الاشتباك قتل ذلك المتعاون وتم إلقاء القبض على متهمين آخرين وحتى الأمس لم يكن من الواضح ما إذا كان العضو الرابع في الخلية قد نجح في الهرب، أو أنه قد دفن تحت أنقاض البيت الذي هدمه الجيش بجرافة.

وزير الدفاع ليبرمان قال في مقابلة مع وكالة (واللاه): إن الخلية حاولت سابقا تنفيذ عملية وفشلت. ومن التحقيق الأولي يتضح أن أعضاء الخلية، هم من سكان منطقة جنين، ينتمون إلى تنظيمات إسلامية مختلفة وقد قرروا العمل معًا على أساس معرفة شخصية بينهم، ولكن؛ كما هي الحال في عدد من العمليات القاتلة والمحاولات لتنفيذ عمليات في الضفة الغربية، في الآونة الأخيرة يتضح هنا تدخلٌ من قيادات الإرهاب في الخارج.

الضفة الغربية تحت حكم السلطة الفلسطينية هي ساحة العمل المفضلة للقادة في الخارج، في غزة او في دول أخرى.

في الساحة السياسية يوجد الآن ضغط اقتصادي متزايد على السلطة، من جهة إسرائيل والولايات المتحدة. في هذا الشهر تم تقليص المساعدة المقدمة للأونروا ولاحقا هنالك نوايا أخرى لتقليص المساعدات الاقتصادية الأمريكية (قانون تيلور فورس) وتقليص الأموال الواردة من إسرائيل بسبب الدعم المالي من قبل السلطة للأسرى الفلسطينيين المسجونين في إسرائيل. وتقف وراء كل واحدة من هذه المبادرات للتقليص تبريرات موضوعية، وإن تراكم هذه الضغوط من شأنه أن يكون كارثيًا.

الخطاب الهجومي لرئيس السلطة عباس في بداية هذا الأسبوع هو مؤشر سيئ على ما سيأتي. رئيس الحكومة نتنياهو صحيح انه كان راضيًا على أن الخطاب كشف عما وصفه بالموقف الحقيقي للفلسطينيين بالنسبة لعملية السلام، ولكن عباس يوجد الآن في وضع نفساني خطير: محبط، يائس، وقريبا من نهايته السياسية. في المستقبل القريب حتى لو بقي رئيس السلطة وفيًا لتعهده بعدم العودة للكفاح المسلح، فمن المتوقع أن يكون هناك استمرار لعملية إضعافه وانفجار أكثر علنية لصراعات وراثته.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى