مقالات مختارة

كم ستكلف مقامرة ترامب وهل ستنجح إسرائيل في خفض ألسنة اللهب؟ عاموس هرئيل

 

السفر الى القدس صباح أمس كان مصحوبًا بمشاعر مختلطة. الإعلان الأمريكي في مساء اليوم السابق بشأن الاعتراف بالمدينة كعاصمة لإسرائيل مبرر تأريخيا. أيضا عندما يأتي ذلك من شخصية مخيفة مثل الرئيس دونالد ترامب. الردود العدائية في العالم العربي والعالم الإسلامي، وفي أعقابهما الذهول التلقائي في المجتمع الدُّولي، لا تعبر فقط عن المشاعر الدينية المرتبطة بكل خطوة في القدس. على المستوى الأكثر عمقا هي تعبر عن عدم تسليم الفلسطينيين (وربما العرب بشكل عام) بوجود إسرائيل في المنطقة .

رئيس الحكومة نتنياهو سجل لنفسه في هذا الأسبوع انتصارا دبلوماسيا بارزا، كما أن الإعلان الأمريكي فتح الباب أمام دول أخرى، ومنها التشيك والفلبين، لإعلان اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وربما نقل سفاراتها إليها. كما أن هذا يعتبر انتصارا سياسيا بالنسبة لنتنياهو لأنه لا يوجد أي منافس أو شريك في الأحزاب الموجودة على يمين ميرتس، يتجرأ على السماح لنفسه بالتحذير من نتائج هذا القرار.

ولكن لأن جهود المذيعين، ولا نريد التحدث عن وزراء وأعضاء كنيست، لمنح الإعلان زخما احتفاليا ورسميا، سمعت أمس وكأنها قسرية. أولًا، لأنه من الواضح أن اعتبارات ترامب لا ترتبط فقط بالحب غير المحدود للعاصمة الأبدية للشعب اليهودي. يبدو أن الرئيس فعل ذلك أساسا لأنه من المهم بالنسبة له أن يظهر أفضل من كل أسلافه في البيت الأبيض («هم فقط صرحوا وأنا نفذت»). ولأنه لا يرغب في أن يقولوا له ما الذي يمكنه القيام به وما الذي لا يمكنه القيام به. ثانيًا، وربما هو الأهم، لأن التداعيات المحتملة لقرار ترامب أصبحت تحلق في الجو.

يوجد هناك من يتفاخرون تقريبا بالافتراض الإسرائيلي والغربي وكأن العرب والفلسطينيين هم نوع من الكتلة الإنسانية الكبيرة التي لا يوجد شكل لها («الشارع»)، والتي كل ردودها على الخطوات السياسية تتركز في ردود فعل غاضبة، عنيفة ومنفلتة العقال. وإمكانية اندلاع موجة احتجاج واسعة هنا تكلف سفك الدماء ما زالت إمكانية معقولة.

حماس دعت أمس الى انتفاضة احتجاج، بالتأكيد كجزء من المنافسة مع السلطة الفلسطينية على قيادة الأحداث. في أجهزة الأمن الإسرائيلية التي يجب عليها تقدير الاحتمالات الأسوأ، تم اتخاذ قرار إرسال عدد من الوحدات القتالية الى الضفة الغربية وتعزيز قوات الشرطة في القدس. في الأسابيع والأيام المقبلة ستتضح نتائج مقامرة ترامب، الذي كان نتنياهو كما يبدو شريكا له، على الأقل في المعرفة المسبقة.تأريخ القدس سبق له وقدم المادة المتفجرة التي أشعلت المنطقة في أحداث الحرم في عام 1990، وفي أحداث نفق حائط المبكى في 1996، وفي الانتفاضة الثانية في 2000 (بعد زيارة أريئيل شارون للحرم) وموجة قصيرة نسبيا من العمليات في خريف 2014. غدا ستحل مصادفة الذكرى السنوية الثلاثين لحادثة شديدة وعنيفة اندلعت في المناطق في ظروف أخرى الانتفاضة الأولى.

معركة صد داخلية

إمكانية اندلاع أعمال عنف في القدس وفي المناطق وربما حتى في الوسط العربي في إسرائيل (يصعب تخيل الشيخ رائد صلاح يمر مرور الكرام على فرصة كهذه لتأجيج العنف)، تقتضي الآن من القيادة الإسرائيلية والقيادة الأمنية القيام بعملية ضرورية ومتزنة.

في المحاضرة التي ألقاها أمس الأول في معهد إسرائيل للديمقراطية في القدس، وصف رئيس هيئة الأركان آيزنكوت الطريقة التي استطاعت من خلالها إسرائيل كبح موجة عمليات الأشخاص المنفردين، التي بدأت في القدس وفي الضفة الغربية في تشرين الأول 2015. وقد اعترف بأنه مرت بضعة أشهر قبل بلورة رد على إرهاب من هذا النوع، الذي لم يكن له منظمون وقادة. ولكنه قال بعد ذلك، لقد نجح الدمج بين المعلومات الاستخبارية المفصلة والدقيقة والرد الحاسم على المستوى الميداني وسياسة الامتناع عن العقاب الجماعي الواسع في خفض مستوى اللهب. «نحن نمتنع عن فرض الإغلاق والحصار»، وأضاف «هذا لا يخدم تنفيذ المهمة أيضا حتى لو كان الإرهاب يثير الغضب جدا ودمنا يغلي».

وقد تحدث رئيس الأركان عن شخصية فلسطينية رفيعة التقت مع المستوى الأمني الإسرائيلي بعد وقت قصير من تهدئة النفوس. وحسب أقواله، هذه الشخصية قالت لمحدثيها إن العنف على الأرض لم يتطور الى انتفاضة شاملة قبل سنتين لأن الجمهور على الأرض رأى أن الجيش الإسرائيلي تصرف بصورة عقلانية جدا وميز بين السكان والإرهابيين».

في الطريق الى معهد الديمقراطية تجول رئيس الأركان في الخليل لأخذ الانطباع عن استعدادات الجيش الإسرائيلي لاحتمالية التصعيد القريبة. ومن المعطيات التي تم تقديمها له، تبين أنه في 2017 سجلت حتى الآن 56 محاولة طعن من قبل الفلسطينيين في المدينة، 53 من المنفذين تم اعتقالهم قبل تنفيذ العمليات من دون إطلاق نار.

3 محاولات انتهت بمصابين. هذا مقابل 39 محاولة للقيام بعمليات، 17 منها نجحت في 2016. هذا التحسن الكبير تحقق بفضل التغييرات في الاستعداد في الحواجز وبفضل التكنولوجيا التي استخدمت من أجل زيادة نجاعة جهود الإحباط.

خطاب آيزنكوت سمع وكأنه رسم لطريقة تعامل إسرائيل مع الموجة المقبلة في حالة اندلاعها. إذا كانت أعمال عنف في القدس فيجب أن يتعامل معها لواء القدس في الشرطة والمفتش العام للشرطة روني الشيخ (ومن المهم رؤية كيف سيتعامل مع مكتب رئيس الحكومة، على خلفية التوتر الشديد في موضوع التحقيقات). وتحت قيادة رئيس الأركان تعمل في المناطق سلسلة قيادات لها تجربة، على رأسها قائد منطقة الوسط روني نوما وقائد قوات جيش الدفاع في الضفة العميد عران نيف.

روني نوما قاد السياسة على الأرض في موجة الإرهاب الأخيرة. ونيف يعرف جيدا المنطقة بصفته كان قائد كتيبة في ذروة الانتفاضة الثانية (هو الضابط الذي تغلب في نهاية المطاف على المخربين في العملية الشديدة في «طريق المصلين» في الخليل في 2002، كقائد للواء في الضفة وقبل ذلك ضابط قسم العمليات لفرقة الضفة الغربية)، تحت قيادة آيزنكوت في الفترة التي نجح فيها الجيش والشباك في كبح إرهاب الانتحاريين. هذه مجموعة عقلانية ومتزنة سبق لها أن شاهدت كل شيء على الأرض.

جزء مما تغير في الواقع في السنوات الأخيرة يتعلق برد الجمهور الإسرائيلي. آيزنكوت تطرق الى ذلك فقط باختصار في محاضرته في معهد الديمقراطية، لكن من الواضح أن الانقسام حول أوامر فتح إطلاق النار، وفي الأساس محاكمة اليئور ازاريا، أثرت بشكل كبير في العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والمجتمع.

مطلوب هنا معركة كبح إزاء غضب الجمهور، الذي قام بإشعاله سياسيون كثيرون. في نهاية المطاف، رئيس الأركان والنيابة العامة وقضاة المحكمة العسكرية ورئيس الدولة تمكنوا من صد هذا الاندفاع، لكن هذا موقف له ثمن في العلاقة بين اليمين المتطرف ورئيس الأركان، وبيقين رئيس الدولة.

في برنامج «المصدر» في القناة العاشرة تم بث مقابلة مهمة أجريت مع القاضي المتقاعد تسفي سيغل، الذي كان الروح الحية ضمن الهيئة التي رفضت استئناف الجندي الذي أطلق النار. في تطرقه الأول في المحاكمة هاجم سيغل أداء القيادة الميدانية في الخليل زمن الحادثة. كيف حدث ذلك؟ تساءل، إن أحدا من القادة لم يوبخ ازاريا فور إطلاقه النار على المخرب الملقى والجريح الذي لا يستطيع الحركة.

ما يؤسفنا ويخيب أمالنا أنه كان هناك صمت، قال سيغل وأضاف «إن حقيقة أن لا أحد من القادة والجنود أظهر صدمته من الحادثة تمنحنا أساسا للتفكير، لا سمح الله، بأن أحدا يمكنه أن يفكر أنه هكذا يجب التصرف هذا أمر مقلق جدا».

«إذا كان عدم المبالاة الذي أظهره القادة والجنود بعد إطلاق النار يدل على شيء»، أضاف، «فإن الأمر هنا يحتاج الى تحديث دقيق جدا لما هو مسموح وما هو محظور».

في الطريق الى إلقاء الخطاب في المؤتمر، جرت عاصفة في الإنترنت من جانب مواقع وتغريدات من اليمين، جاء فيها إن رئيس الأركان سيظهر في «مؤتمر منظمة يسارية متطرفة». هذا أسلوب مكارثي ثابت لخلق قوائم سوداء، وبداية هجوم على الصندوق الجديد لإسرائيل حتى في العقد السابق. كل تنظيم ليبرالي أو يساري يتم وسمه فورا كيسار متطرف مناهض للصهيونية، ويتم بذل محاولات لإخافة ممثلي مؤسسات الدولة والنيابة وحتى الجيش من التعاون مع هؤلاء الخونة والخطيرين.

آيزنكوت تجاهل الضغط ومثله المستشار القانوني للحكومة مندلبليت الذي ظهر في المؤتمر في اليوم التالي. يبدو أنه تم وسمهما منذ فترة في عدد من وسائل الإعلام اليمينية من أجل مهاجمتهما في كل مرة تكون لديهم ذريعة لذلك.

الورقة الأمنية

في ذروة التحقيقات في الفساد الآخذة في الاتساع ضده وضد مقربيه، ما زال نتنياهو يمسك بورقة قوية في الساحة العامة. تأثير هذه الورقة يكمن في الصدمة التي ما زالت تشكل الوعي السياسي في إسرائيل منذ أكثر من عقد بعد انتهائها: الموجة الفظيعة للعمليات الانتحارية في أثناء عملية أوسلو والانتفاضة الثانية.

يبدو أن نتنياهو أيضا يعتبر في نظر الكثيرين وكأنه الرجل الوحيد في الحلبة الذي يحضر معه رزمة سياسية وأمنية غنية بما يكفي من أجل التعامل مع إمكانية حرب أو موجة إرهاب قاتلة أخرى. إن غياب تجربة مشابهة لمنافسيه يئير لبيد وآفي غباي (ومن اليمين نفتالي بينيت) يعمل في غير مصلحتهم.

في الوقت الذي توضع فيه الشمبانيا والسيجار على كفة الميزان، وفي المقابل توضع ذكرى الحافلات المتفجرة هناك مصوتون كثيرون يتملكهم الخوف الأمني الذي يقع في مستوى أعلى من التوق الى إدارة سليمة خالية من الفساد.

في خطاباته المتكررة مثلما في الأفلام القصيرة «هذا لن تسمعوه في وسائل الإعلام»، التي يكثر من نشرها في الفيس بوك مؤخرا، اعتاد رئيس الحكومة تأكيد أن الدولة تتمتع بنمو اقتصادي لا مثيل له. فهو يصف إسرائيل كمنارة للتكنولوجيا والعلم والمعرفة، التي يبدد توق الدول الأخرى في التعلم منها التنبؤات المتشائمة بشأن العزلة الدبلوماسية المتوقعة لها في أعقاب استمرار سيطرتها على المناطق.

في ادعاءات نتنياهو ترتبط معا ثلاث فرضيات أساسية، الأولى، أن الكيمياء بينه وبين ترامب ستحمي إسرائيل من أي سوء.

الثانية، أن المصالح المشتركة بين الدول السنّية والتعاون الأمني الذي يجري حسب التقارير من وراء الكواليس، تدفع القضية الفلسطينية الى الهامش في أجندتها. الثالثة، أن العلاقة الوثيقة التي نجح في نسجها مع الرئيس بوتين منعت تورط إسرائيل مع سلاح الجو الروسي في سورية، وساعدت في الحفاظ على احتياجاتها الأمنية في الجبهة الشمالية فيما بعد.

يبدو أن نتنياهو قد حظي بتأييد لتحليله أمس الأول عند إعلان ترامب، لكن ربما أن الأحداث الأخيرة تطرح تساؤلات كثيرة حول فرضياته. إسرائيل ما زالت لا تعرف بالتأكيد كيف ستبدو مبادرة السلام الأمريكية في القناة الفلسطينية. والمتوقع كما يبدو استمرارا لإعلان القدس، وأية تنازلات ستطلب من إسرائيل من أجل أن يستطيع الرئيس الأمريكي القول إنه حقق العملية السياسية.

في الخلفية تتطور مشكلة أخرى ما زالت شأن أمريكي داخلي: التقارير الأخيرة حول التحقيق الذي يجريه النائب العام الخاص، روبرت مولر، تدلل على أنها لا تتعلق فقط بعلاقات محظورة من قبل كبار رجالات حملة ترامب مع الروس، بل تتجاوز ذلك لتصل الى العمليات التي نسجها رجال ترامب مع إسرائيل، حول التصويت على المستوطنات في مجلس الأمن في أواخر عهد أوباما. الادعاءات القديمة، وكأن القدس تدير واشنطن من خلف الكواليس، يتوقع أن تظهر بشدة أكثر، خاصة على خلفية مشاركة الكثير من اليهود في طاقم السلام للرئيس.

وبالنسبة لنا، فإن إعلان ترامب يمكن أن يشعل مجددا التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، ويعتِّم على أحد إنجازات نتنياهو الكبيرة في الآونة الأخيرة: الهدوء الأمني النسبي الذي تم الحفاظ عليه في الساحة الفلسطينية منذ أشهر طوال. العلاقة الخفية والعلنية مع الدول السنّية، وأساسا الأردن والسعودية، ستدخل الى امتحان قاس على خلفية الإدانات العربية لإعلان ترامب.

بالنسبة للجبهة الشمالية فإن إصرار إيران على مواصلة الوجود في جنوب سورية، وفي أعقاب ذلك الهجوم الجوي المنسوب لإسرائيل، تواجه في هذه الأثناء بلامبالاة روسية، على الأقل نحو الخارج. إن استمرار التصعيد من شأنه أن يؤدي الى تصادم بين إسرائيل وإيران.

سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون ديرمر، قال في هذا الأسبوع في مقابلة مع موقع أمريكي في الإنترنت «بوليتيكو» إن حربا في الشمال، بالذات في الأراضي السورية، أصبحت إمكانية قريبة أكثر. هنا يثور الشك إذا كانت علاقة نتنياهو بوتين تساعد إسرائيل في تحقيق أهدافها أمام إيران، وبالتأكيد إذا كانت ستساعد على منع الحرب.

هآرتس – 8/12/2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى