مقالات مختارة

وثائق 67: إذا لم نعط غزة ما يكفي من المياه فالعرب سيتركونها: عوفر اديرت

 

«لنُفرِغ غزة»، «ولنقلل عدد السكان في الجليل»، «ونشجع» هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية. هذه الخطط وغيرها التي طرحت في النقاش بين وزراء الحكومة بعد حرب الأيام الستة، يتم الكشف عنها الآن من قبل أرشيفات الدولة، التي تعرض للجمهور المحاضر السرية

.

المادة التي نشرت في موقع أرشيف الدولة تتضمن مئات الصفحات عن محاضر جلسات اللجنة الوزارية للشؤون الأمنية في أشهر آب ـ كانون الأول 1967. وقراءتها تُظهر أنه في النصف سنة الأول بعد الانتصار في حرب الأيام الستة في عام 1967، وقف وزراء الحكومة حائرين ولا يعرفون ما العمل أمام التحديات التي وضعت أمام الدولة. إسرائيل التي احتلت قطاع غزة والضفة الغربية وشرق القدس وهضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء لم تعد نفسها «لليوم التالي»، وبعد الحرب اضطرت إلى ارتجال خطواتها أثناء حركتها.

في كانون الأول 1967 تساءل رئيس الحكومة ليفي اشكول كيف يجب على إسرائيل أن تتعامل مع مئات آلاف العرب الذين أصبحت تسيطر عليهم. «في وقت معيّن سنضطر إلى اتخاذ قرار. يوجد الآن في المناطق 600 ألف عربي. ماذا سيكون وضعهم؟».

من ناحية اشكول لم يكن هناك إلحاح لحسم هذا الأمر. «أقترح ألا نصوت على هذا الموضوع اليوم، ولنتركه إلى حينه، وربما من الأفضل القول: يكفي أن نواجه الصعوبات في وقتها»، وأضاف، «من أجل المحضر أنا مستعد للقول هنا، ليس هناك سبب يدعو الحكومة لتحديد موقفها بخصوص الضفة الغربية». وقرر تبرير موقفه كما يلي: «لقد مرت علينا عشرون سنة وثلاث حروب، ونستطيع أن نمضي عشرين سنة أخرى من دون حسم هذا الموضوع».

لقد حصل على دعم موقفه من وزير المواصلات موشيه كرمل الذي قال «إذا مكثنا عشرين سنة، فسيعتاد العالم على أننا نقيم في هذه المناطق. على أي حال، ليس أقل مما اعتادوا على مكوث الملك حسين». من أجل تدعيم موقفه أوضح: «يوجد لدينا حقوق أكثر. نحن أكثر انتسابا من الملك حسين لهذه المناطق».

ولكن الاطلاع على باقي المحاضر يظهر أن اشكول أدرك جيدا أنه لن يكون بالإمكان تجاهل المشكلات التي وضعها الاحتلال أمام إسرائيل لفترة طويلة، وعلى رأسها السيطرة على مئات آلاف العرب. في أحد النقاشات شبّه دولة إسرائيل بـ «رقبة الزرافة» كونها ضيقة. «قطاع هذه الدولة هو مثل رقبة بائسة ويشكل تهديدا علينا، حيث أنه حقا ممدودا للذبح»، وصف الأمر، «هذه الأقوال ليست بسيطة. مليون عربي ليس أمرا سهلا أبدا بالنسبة لنا، أنا أتخيل هذا الأمر، كيف سنقوم بتنظيم الحياة في الدولة مع وجود 1.4 مليون عربي في حين أن عددنا 2.4 مليون، وهناك 400 ألف عربي موجودون في البلاد».

أحد الحلول للوضع الجديد حسب رأي اشكول كان «تشجيع هجرة العرب». اشكول قام بإبلاغ الوزراء أنه «سأتولى إقامة خلية تكون مهمتها تشجيع هجرة العرب من هنا». وقال أيضا إنه «يجب علاج هذا الأمر بهدوء وسرية، والبحث عن سبل لهجرتهم إلى دول أخرى لا فقط إلى شرق الأردن».

حرب الماء

اشكول عبر عن الأمل في أنه «بالتحديد بسبب هذا الخنق والتضييق سيتحرك العرب من قطاع غزة»، وأضاف بأن هناك طرقا لطرد من سيبقون هناك أيضا مع كل ذلك. «إذا لم نعطهم الماء بشكل كاف فلن يكون أمامهم خيار، لأن البيارات ستجف»، قال. «حل» آخر ممكن تطرق إليه اشكول وهو حرب أخرى. «ربما تنتظرنا حرب أخرى، وعندها سيتم حل هذه المشكلة، لكن ذلك نوع من «الترف» وهو حل غير متوقع». «نحن معنيون بإفراغ غزة أولا»، لخص أقواله. وردا على هذه الأقوال قال يغئال أللون: «لقد كان أمر لا بأس به تقليل كثافة وجود العرب في الجليل». وزير الأديان زيرح فرهافتيغ لخص الأمر بصيغته «زيادة عدد اليهود واتخاذ السبل الممكنة كلها من أجل تقليل عدد العرب». أحد الأفكار التي تم طرحها من قبل وزير الدفاع موشيه ديان كان «توفير تصاريح عمل في الخارج للعرب من الضفة الغربية وقطاع غزة». وراء هذه الفكرة اختفى الأمل بأن عددا منهم سيفضلون البقاء في الخارج. «عن طريق تمكين هؤلاء العرب من البحث وإيجاد عمل في الخارج ستزيد احتمالية رغبتهم في الهجرة بعد ذلك إلى تلك الدول»، قال ديان.

فيما يتعلق بقطاع غزة كان ديان متفائلا. حسب الحسابات التي أجراها، من بين الـ 400 ألف الذين يعيشون في القطاع، فقط سيبقى 100 ألف شخص. والباقون الذين وصفهم باللاجئين «يجب إخراجهم من هناك في أي اتفاق مستقبلي»، حسب أقواله. من بين الأفكار التي طرحها «نأخذهم ونقوم بإسكانهم في شرق الأردن».

ديان أيضا لم يكن قلقا من السيطرة العسكرية الإسرائيلية على العرب في الضفة الغربية. «لن يكون هناك شأن لأي جندي في التدخل في حياة المواطنين. لست معنيا بأن يوجد الجيش في نابلس. يمكنه الوجود في التلة التي تقع خارجها»، قال.

موقف معاكس عرضه وزير العدل، يعقوب شبيرا، الذي دعا إلى الانسحاب من المناطق وحذر من أن إسرائيل لن تستطيع الاستمرار والوجود كدولة يهودية إذا احتفظت بهم. «لا يمكننا الاحتفاظ بجيش الدفاع الإسرائيلي عندما تكون هناك نسبة كبيرة جدا من السكان خارج جيش الدفاع الإسرائيلي. ولن تكون قيادة من دون عرب، وبالتأكيد لا تستطيع تشكيل حكومة ولجنة خارجية وأمن، عندما تكون نسبتهم 40 من مئة»، قال.

وزير المالية، بنحاس سبير، قال إن البقاء في المناطق هو «كارثة لدولة إسرائيل». وإن إسرائيل ستتحول في النهاية إلى «دولة عربية بكل مواصفاتها». كما أن شبيرا حذر من أنه ليس هناك عائق من قيام الضفة بإعلان الاستقلال وقال إن السؤال هو فقط متى ستقوم بذلك.

وزير التعليم زلمان آرن كان له موقف مشابه. « لن أقبل للحظة الرأي الذي يقول إن كل العالم في الخارج ينظر إلى حقيقة أننا نأخذ كل شيء لأنفسنا ويقول: «صحتين»… بعد نصف سنة أو سنة سيصحو العالم، وهناك عالم آخر، وسيقوم بطرح التساؤلات»، قال.

وقد انتقد آرن مقاربة العسكريين التي يقودها ديان، الذين وجدوا تبريرات أمنية للسيطرة على المناطق المحتلة، أيضا قبل تقرير الحكومة بشأن توجهاتها السياسية. «فجأة بعد هذه الانتصارات، ألا يمكننا العيش من دون هذه المناطق؟ من دون كل هذه الأمور التي لم نحلم بها قبل حرب الأيام الستة، مثل القدس؟»، قال آرن بسخرية.

حقوق العرب لم تقلق آرن بشكل خاص. خوفه الكبير كان على مستقبل الدولة اليهودية. «دولة اليهود بالنسبة لي هي الأمر الحاسم»، قال، «كما أعرف الشعب اليهودي في البلاد وفي الشتات، بعد كل البطولات والمعجزات، فإن دولة اليهود التي يكون فيها 40 من مئة من العرب، ليست دولة يهودية. وهم سيكونون الطابور الخامس للقضاء على دولة إسرائيل. هذه هي قبلة الموت بعد جيل ونصف». «أنا أرى أمامي الـ 2 مليون يهودي بشكل آخر، عندما يكون في البلاد 1.3 مليون عربي… 1.3 مليون عربي مع تكاثرهم الطبيعي، أرى الكراهية المكبوتة والبدائية… يمكن السيطرة على 60 ألف عربي، لكن ليس على 600 ألف أو مليون»، لخص اقواله.

زيادة البؤر الاستيطانية

خلال النقاش حول مستقبل المناطق من دون حسم، بدأت بوادر نقاشات حول إقامة المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية. إن التدقيق في محاضر الجلسات يظهر أنه أيضا بعد نصف سنة على الاحتلال، لم تكن الحكومة قد بلورت سياسة منظمة بخصوص هذا الموضوع، بل ناقشت بصورة موضعية أفكارا مختلفة، وفضلت تأجيل اتخاذ هذه القرارات الصعبة.

على سبيل المثال كان الأمر كالتالي: في حالة الخليل، عندما جاء طلب تجديد استيطان اليهود في المدينة، رئيس الحكومة اشكول عرض على الوزراء رسالة وصلت إليه في تشرين الثاني 1967 من رجال رئيس المدرسة الدينية في الخليل، حيث طلب منه فيها «القيام بإجراء ترتيبات مناسبة لتمكين عشرات طلاب المدرسة الدينية والمعلمين والمشرفين من العودة وتأسيس فرع للمدرسة الدينية في مدينة الخليل». وزير العمل يغئال الون بارك ذلك. «هناك أفضلية بوجود نواة أولى من الأشخاص المستعدين للاستيطان هناك. إن رغبة طلاب هذه المدرسة هي أمر عظيم، ليس دائما هناك مرشحون للذهاب إلى أماكن صعبة إلى هذه الدرجة»، قال. ومع ذلك لم يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن في حينه.

إلى جانب ذلك، ناقش الوزراء أيضا الاستعداد للحرب المقبلة. في تلك النقاشات عرضت معطيات متشائمة حول عدد الطائرات التي بقيت في حوزة إسرائيل بعد الحرب.

وتم الادعاء بأن الدول العربية تسلحت بطائرات جديدة ونشأت فجوة بذلك بينها وبين إسرائيل.

الجنرال عيزر وايزمن شرح بشكل مفصل الصعوبات التي واجهتها جهوده في الحصول من الولايات المتحدة على تعهد بتقديم المساعدات العسكرية. «ألا يوجد أي أمل في الحصول على طائرات من أي دولة أخرى؟»، سأله وزير الداخلية حاييم موشيه شبيرا.

وفي جوابه قال وايزمن «لقد قمنا بفحص هذا الأمر مع السويد، لكنهم حتى غير مستعدين للتحدث في هذا الأمر. وفي بريطانيا لا يوجد ما نشتريه. واستراليا حسب رأيي لن تبيعنا». حل محتمل وصل من بلجيكا، التي كما تم الادعاء اقترحت مساعدة إسرائيل لتجاوز الحظر الفرنسي، وأن تقوم بشراء الطائرات لها من فرنسا وحتى الدبابات من ألمانيا.

وزير الدفاع ديان هدد: «الانطباع في الوقت الحالي هو أن العرب ليسوا متسرعين لعقد السلام، لكن تدريجيا بدأوا في التفكير مرة أخرى بالحرب». وبعد مرور ست سنوات على ذلك اندلعت حرب يوم الغفران.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى