مقالات مختارة

موجة الاعتقالات في السعودية تهز الطبقة العليا في المملكة: سمدار بيري

 

الكثير من الحواجب رفعت قبل اسبوعين في قيادة الحكم السعودي وفي العائلة المالكة، عندما كشف الأمير محمد بن سلمان ولي العهد مشروعه. فقد لمعت عينا الأمير ابن الـ 32 بانفعال حين أعلن عن إقامة المدينة الكبرى، التي تقع على مساحة هائلة في الصحراء السعودية وتنبسط إلى داخل مصر والاردن ـ وكله باستثمار نصف تريليون دولار. حتى في مملكة النفط وصنابير الذهب يبدو هذا المبلغ خياليا تماما، بعيد عن أن يكون في متناول اليد، ولكن الأمير أصر. فقد قال: «نحن ملزمون بالتحرر من إدماننا على النفط. نخلق أماكن عمل لملايين الشباب العاطلين عن العمل ونفتح السعودية على العالم الواسع». وفي نفس الوقت تعهد أيضا برفع المملكة إلى مسارات الإسلام المعتدل. وأطلق تلميحا شديد الوضوح نحو المؤسسة الدينية في المملكة إذ قال: «زمن طويل ضاع على سلوك ظلامي ومتطرف». وبعد بضع ساعات على القرار بدأت التغريدات في الشبكات الاجتماعية. فقد نقل الأمير الملياردير الوليد بن طلال رسالة فظة إلى ولي العهد، في أنه لا يعتزم أن يستثمر حتى ولا دولار واحد في «مشروع الهذيان»، على حد وصفه. وزير الحرس الوطني، متعب بن عبدالله، ابن الملك السابق، حذر من «الحلم المبالغ فيه» ونبه من أنه سيتعين عليه «فرض النظام» في العائلة المالكة منعا للصدمات. وفي النشرات الاخبارية لقناة «ام بي سي» التي يملكها المليونير وليد الابراهيم بث تقرير تحفظ من المشروع الطموح .

ولكن ولي العهد، الذي هو ايضا وزير الدفاع، نائب رئيس الوزراء ورئيس مجلس التنمية الاقتصادية، لم يسمح لأي شيء أو أحد ان يقف في طريقه. ووثقت عصبة مستشاريه ردود الأفعال وأعدت قائمة أسماء، وفي ظهيرة السبت أُلقيت القنبلة. بداية، اغلقوا المجال الجوي للسعودية في وجه الرحلات المسافرة كي لا يحاول الناس الهرب، ومنعوا اقلاع الطائرات من المهابط المحفوظة للشخصيات الهامة في الرياض وجدة. واعتقلوا الأمير الوليد بن طلال في المطار قبل لحظة من اقلاعه في رحلة أعمال. بن طلال، الذي حذره مسبقا مصدر استخباري غربي من أنهم «يوشكون على اعتقالك»، لم يصدق بان ولي العهد سيتجرأ على عمل ذلك، خاب ظنه. ومع عودته إلى بيته في الرياض صدر مرسوم ملكي يعلن عن تشكيل «لجنة مكافحة الفساد». وتصدر اسم الملك سلمان الوثيقة، ولكنها منحت ابنه محمد، ولي العهد، الصلاحيات للإشراف على اللجنة الجديدة إلى جانب المدعي العام، رئيس أجهزة الامن وثلاثة مسؤولين كبار آخرين.

«نعلن بذلك عن حرب ضد ضعفاء العقل وعديمي الضمير»، هكذا كتب في المرسوم، «ممن يستغلون مكانتهم العليا لجمع مال خاص، يرتبون لأنفسهم صفقات من خلف ظهر الحكم، يوزعون الرشوات ويعملون بطريقة تبنوها لأنفسهم، بخلاف المصلحة العامة، على حساب ابناء الشعب السعودي».

كل من يعرف السعودية يعرف أن هذه الظواهر موجودة هناك منذ عشرات السنين. في السعودية لا تعقد صفقات دون دفع رشوى لموظف، لضابط، لوزير. وفجأة تذكر أحد ما أن يعالج هذا. جلس الأمير محمد بن سلمان في استديوهات التلفزيون الرسمي وأعلن بان كل من يشتبه بالفساد، سيعتقل؛ حساباته البنكية ستصادر، وعندما سترفع ضده لائحة اتهام سيقدم إلى المحاكمة.

ولكن الدراما لم تنته مع الاعتقالات، ففي يوم الاحد ليلا نشرت في السعودية أنباء عن حادثة مروحية قتل فيها الأمير منصور (42) ابن الأمير مقرن الذي كان ولي العهد حتى قبل سنتين ونحيَ عن منصبه. وفي الغداة تبين أن منصور حاول الهرب من الاعتقال، خرق حظر الطيران للشخصيات الهامة وصعد إلى المروحية. فأطلقت طائرة مقاتلة من سلاح الجو السعودي صاروخا نحو المروحية فأسقطتها. فقتل كل المسافرين.

«المعتقلون لن ينالوا معاملة مفضلة»، تعهد المدعي العام السعودي، الشيخ سعود بن عبدالله. «في ختام التحقيق سيتلقون بالضبط ما سيتلقاه كل مواطن يرسل إلى السجن».

تأييد ترامب

هذه موجة الاعتقالات الثالثة في غضون ستة أشهر، منذ رتب لنفسه الأمير بن سلمان مكانة ولي العهد وتحدد كالرجل القومي في المملكة. أبوه، الملك سلمان ابن الـ 81، يعاني من المرض ويصعب عليه أداء مهامه؛ وحتى السير صعب عليه، ولكن في حزيران أدار حملة تنحية محمد بن نايف من منصب ولي العهد في صالح ابنه المفضل. بن نايف، الذي كان مقدرا ومرتبطا بأسرة الاستخبارات في واشنطن، تلقى عرضا لا يمكن رفضه: إما أن يقف أمام الكاميرات، ويقسم الولاء لابن عمه ويخلي له المقعد الذهبي، أو أن يقضي نحبه في حادث طرق غامض. ومنذئذ مرت ستة أشهر وهو قيد الاقامة الجبرية، بعيدا عن مركز الامور في العائلة الملكية. الأمير الوليد بن طلال ورئيس الحرس الوطني الأمير متعب، توجها إلى ولي العهد، طلبا تحرير الأمير محمد واصطدما برد فعل غاضب. وقد صفي الحساب معهما يوم السبت الماضي.

في موجة الاعتقالات الثانية، في منتصف ايلول، أُرسل إلى السجن أربعين رجل دين، رجل أعمال وصحافيا تجرأوا على «رفع الرأس» مثلما شرح أحد وزراء حكومة الرياض. فقد وجهوا سهام النقد بتلميحات واضحة، إلى فشل السياسة الخارجية التي يقودها الأمير بن سلمان: الحرب في اليمن، التي تكلف عشرات ملايين الدولارات وجبت حتى الان حياة أكثر من عشرة الاف من رجال الجيش من الجانب السعودي. التصعيد مع إيران؛ الملايين التي استثمرت في الكفاح لإسقاط الاسد وأدت فقط إلى تعزيز قوته في سوريا؛ الحصار على قطر الذي تحطم؛ و»رؤيا 2030» التي في اطارها يتعهد الأمير بضم النساء إلى سوق العمل ويجلسهن أخيرا خلف المقود. موضوع قيادة السيارات وإن كان استقبل بفرح لدى الشباب، ولكن المؤسسة الدينية حرصت على أن تتضمن الخطابات في المساجد تلميحات سامة ضد «كسر قيم العائلة». وكل من لمح، اعتقل.

عدد الكبار الذين اعتقلوا هذا الاسبوع ليس واضحا: فيوم السبت نشرت اسماء 49 معتقلا واول أمس نشر أن العدد ارتفع إلى 500. وبالتوازي جمد 1.700 حساب بنكي للكبار. وبين المعتقلين الذين نشرت اسماؤهم: 11 أميرا، 4 وزراء، قائد سلاح البحرية و3 عظماء اعلام. واستكمل الأمير محمد بن سلمان بذلك سيطرته على كل أذرع الأمن ومراكز القوى في السعودية، اسكت الاعلام المستقل في بلاده (إذا كان يوجد كهذا) وخصص لمشاريع، ولا سيما لمشروع المدينة اياها مبالغ مالية هائلة. إذا نجح مبعوثوه في وضع اليد على حسابات في البنوك في الخارج وضموها إلى المصادرات المالية في السعودية، فالتقدير هو أنه سيتراكم لديه 2 تريليون دولار.

نشر جهاز الاستخبارات الفيدرالي في ألمانيا تحذيرا استثنائيا ضد «المراهن السياسي الذي من شأنه ان يهز العالم العربي»، فيما أن المقصود هو ولي العهد السعودي. فردت اسرة الاعمال التجارية الدولية بعصبية.

سعر برميل النفط في السعودية هبط هذا الاسبوع إلى دون 60 دولار، وخسر سعر الدولار 20 في المئة، وهبط اليورو بمعدل مشابه والاستثمارات الكبرى التي خُطط لها لأن تضخ من الخارج تجمدت دفعة واحدة. فمن يرغب في أن يخاطر بأعمال تجارية في دولة يعود المدعي العام فيها ليحذر بان موجة الاعتقالات لم تنته بعد.

حمدين (44) مدير مكتب وساطة في مجال العقارات في جدة، كتب لي هذا الاسبوع انه «راض بالذات عن الهزة، ولكنه قلق من الآثار على المدى البعيد». وقبل اسبوعين بعث لي بخطة مفصلة لمشروع «المدينة» وأعلن بانه يؤدي التحية بفخار لولي العهد الذي «يفكر بالشباب ويعتزم قيادة السعودية إلى العصر الحديث». سألته إذا كان سيعرض ترشيحه للعمل في المدينة الجديدة. وردا على ذلك بعث لي ببوستر الرجال الآليين الذي من المخطط ان يتولوا منشآت الضيافة والتسلية هناك. فقد كتب يقول: «كان بودي جدا أن اعمل في المشروع ولكني لا أنتمي إلى الطبقة الصحيحة ولا توجد لي علاقات مع القيادة».

إذن من سيجند لآلاف أماكن العمل؟ تساءلت. فشرح حمدين بان الأمير يحيط نفسه بمئات خريجي الجامعات من الغرب ممن «كانوا حتى الآن عاطلين عن العمل، محبطين والتحول يخلي لهم الطريق».

الصحافي السعودي القديم جمال الخاشقجي، الذي طرد من صحيفة «الوطن» وأُوقف نشره في صحيفة «الحياة»، نجح في الهجرة إلى الولايات المتحدة، ومن هناك ينتقد «التهور، الوحشية وانعدام المسؤولية لدى ولي العهد عديم التجربة». أنا لست من معارضي الأمير بن سلمان، كما يدعي، «ولكن يهمني ما يحصل في وطني، التي اغلقت لي التوتير، تنصتت على مكالماتي الهاتفية وأخيرا طردتني كعقاب على مقال أوصيت فيه بعدم القفز فرحا في اعقاب انتخاب الرئيس ترامب».

هذا الاسبوع كان ترامب هو الزعيم الوحيد في الغرب الذي أيد خطوات ولي العهد السعودي. فقد أجرى صهره جارد كوشنير زيارة سرية لسلمان قبل بضعة ايام من الهزة، ويحتمل أن يكون وُضع في سر الخطوة. «افهم جيدا دوافعه وقراراته وأعرب عن تأييدي له»، غرد ترامب في اثناء «ليل السكاكين». بين الإثنين، كما يبدو، نشأ تفاهم شجاع، لا يخلو من المصالح. فأول زيارة له خارج البلاد كرئيس أجراها ترامب إلى السعودية (ومن هناك طار إلى مطار بن غوريون)؛ ابنته إيفانكا تعهدت بان تستثمر في المشاريع للشباب في السعودية، ووزارة الدفاع السعودية وقعت على صفقات سلاح وشراء طائرات قتالية من الولايات المتحدة.

سجن طائر

بالتوازي مع الهزة السعودية وقعت دراما في بيروت ايضا، وهناك علاقة بين الحدثين. سعد الحريري، الذي استقال هذا الاسبوع من رئاسة الحكومة اللبنانية، هو من مواليد السعودية: ابوه، رفيق الحريري، الذي هو الاخر كان رئيس الحكومة اللبنانية، اقام وأدار هناك شركة بناء كبرى. ونشرت السعودية رعايتها ومولت، فأثرى الحريري، وبعد ان صفي، ورث ابناؤه السبعة ماله الطائل. الابن سعد (47)، يحمل مواطنة سعودية إلى جانب المواطنة اللبنانية ودخل السياسة رغم أنفه، في اعقاب ضغط مارسته عليه المملكة في الرياض.

لا جدال في أن الاستقالة فرضت عليه من ولي العهد السعودي، في خطوة استهدفت هز إيران، لبنان وحزب الله: النص الذي تلاه امام الكاميرات كتب له، والتباهي الغريب «سنقطع يد الارهاب الإيراني» بدا بعيدا عن المصداقية في ضوء حقيقة أنه قبل بضع ساعات من الخطاب التقى في بيروت مع نائب الرئيس الإيراني، علي أكبر ولايتي وتحدث عن «حديث طيب ومبتسم».

عندما قال امين عام حزب الله نصرالله ان السعوديين وضعوا الحريري في الاقامة الجبرية، حرصت الرياض على أن تلتقط صور رئيس الحكومة اللبناني المستقيل مع ملك السعودية. وعندما أعرب الرئيس اللبناني عن قلقه من ملابسات اعتقاله، صعد الحريري إلى طائرة رسمية وأُرسل إلى جولة لقاءات في ابو ظبي والبحرين. في بيروت يصرون على أن هذه «طائرة سجن» تستهدف ضمان الا يفر رئيس الوزراء المستقيل. في السعودية تنتظره ديون بعشرات ملايين الدولارات إذ ان المملكة أغلقت شركة أبيه بعد 39 سنة من النشاط. ووضع الحريري في جيبه الملايين ولكن مئات العمال يطالبونه برواتب ستة أشهر، والآن، بعد أن رفعت حصانته السياسية، يهددون بدعوى قضائية ضده. وأعلن الحريري هذا الاسبوع بانه لا ينوي العودة إلى لبنان قريبا «لأسباب أمنية» ولكن رئيس الدولة ميشيل عون يصر على رفض الاستقالة ويواصل دعوته لـ «دولة رئيس الوزراء».

قريبا: امرأة في الحكومة

إذا تجسد حلم الأمير بن سلمان، فانه سيصبح قريبا الملك الاصغر في العالم. خطته هي أن يجسد بعد 30 سنة «رؤيا 2030» لتغيير وجه السعودية: تحويل السعودية إلى دولة رائدة في العالم العربي، التحرر من اقتصاد النفط، توسيع دوائر العمل، ادخال مستثمرين اجانب، فتح المملكة المحافظة امام السياحة من كل العالم، تغيير صورتها المتصلبة ورفع مستوى مكانة المرأة. وقريبا جدا كما يعد، ستعين امرأة في منصب وزيرة، ولأول مرة ستفتح دور سينما ومطاعم مختلطة للرجال والنساء.

في اسرائيل لا يردون حاليا على المجريات. فمن نشر هنا الشهر الماضي انباء عن زيارة سرية «لأمير سعودي هام قد يكون حتى ولي العهد بن سلمان» ـ اختطف نفيا قاطعا في وسائل الاعلام السعودية. «ما له ليأتي؟» عجب مصدر أمني اسرائيلي كبير. «إذا كانت حاجة للحديث، هناك طرق، هناك تفاهمات، مثل التفاهم الذي تحقق حول حرية الابحار الاسرائيلي في البحر الاحمر قبيل نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السيادة السعودية.

«هناك توافق في الآراء حول الخطر الإيراني، والسعودية حتى أكثر حزما من اسرائيل في هذا الشأن. بالنسبة لنا، السعودية ليست دولة عدو، ولكننا لا نكشف عمق العلاقات مع الدول العربية كي لا نمس بالثقة التي يعطيها الطرف الاخر. إذا كان مكان للكشف، فانه سيكون بموافقتهم فقط».

ولا ينصدم المصدر الاسرائيلي من اعتقال الكبار. «ففي السعودية لا يوجد نظام ديمقراطي. يوجد أمير شاب يستعد لان يكون الملك التالي، ولديه مخططات اقتصادية وطموحات لـ 70 في المئة من الـ 33 مليون من سكان المملكة ـ الشباب في سنوات الثلاثين. وهو ملزم بان يجد لهم حلولا، وفي طريقه إلى الهدف يقرر تنظيف الميدان من معارضيه. ما هو غير الواضح هنا؟».

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى