مقالات مختارة

المصالحة بين فتح وحماس: ماذا بعد العناقات الزائفة؟ : الون بن دافيد

 

عناوين كثيرة ارتبطت هذا الأسبوع بالنصوص والصور عن المصالحة التي تمت في قطاع غزة. كان هناك حتى من استخدم كلمة «تاريخي» (الكلمة المحفوظة بشكل عام لأحداث على مستوى مصيري). وحتى رئيس الوزراء هرع إلى تحذيرنا من تهديد محتمل «بالسلام». ولكن إذا كان أحد ما يعتقد بأن حركة حماس رفعت علما أبيض وهي توشك على تسليم أبي مازن المفاتيح لذخره التاريخي الحقيقي ـ يجدر به أن يعد حتى المئة .

كان غريبا حقا أن نشهد إسماعيل هنية يصافح رامي الحمدالله كريه نفسه، أو أن يقسم يحيى السنوار بأن «يقطع رقبة من يعارض المصالحة» فيما تروي عيناه بأنه سيسعده أن يقطع بالذات رقبة شريكه الجديد ماجد فرج، رئيس المخابرات في السلطة الفلسطينية الذي وقف إلى جانبه. ما رأيناه حقا هو عرض تجميلي لوحدة اضطرارية احتمالها في أن تصبح مصالحة حقيقية طفيفة.

بعد عشر سنوات من ركل حماس رجال فتح وإقامتها دولة غزة، علقت في ازمة. فسيدتاها – قطر وتركيا ـ ابتعدتا ولم تعودا تضخا المال إليها مثلما في الماضي. في مصر، التي هي المخرج الوحيد لغزة إلى العالم، استقر نظام معاد لحماس، والقطاع بمليوني سكانه، يغرق في أزمة اقتصادية شديدة لم يشهد لها مثيل، تهدد بإخراج الفلسطينيين إلى الشوارع.

لقد كانت مصر هي أول من لاحظ الضعف فقررت ان تملي على حماس قواعد اللعب الجديدة في أن في الخلفية إيمان مصري هاذٍ بأنه يمكن استبدال حكم حماس بحكم محمد دحلان. ورد أبو مازن بعدهم فقطع بوحشية ثلث الواحد، 4 مليار دولار التي تنقلها السلطة إلى غزة كل سنة، الأمر الذي يزيد فقط الضغط على حماس. وبيأسها، اضطرت حماس إلى طأطأة الرأس والمشاركة في المسرحية التي كتب سطورها المصريون.

ولكن مشكوك أن حتى أبا مازن، الرجل الحكيم في آخر أيامه، الذي على مدى الـ 12 سنوات حكمه وجد صعوبة في أن يفرض إمرته على جنين وعلى طولكرم، يؤمن بأنه سيتمكن من دخول غزة كزعيم للقطاع. وخطابه المتملص هذا الأسبوع كشف عن مشاعره. سيسر أبا مازن إن تخلص من حماس بالحساب الذي فتح قبل عقد بالانقلاب في غزة وليس أقل من هذا التعاون مع حماس لصد عدوهما المشترك دحلان.

من الجانب الآخر، من خلف ابتسامات حماس تنطلق نار الكراهية الدائمة لفتح والرغبة في تخريب ما تبقى من الحركة الوطنية الفلسطينية، التي بنهجها العلماني الذي يميل إلى التسويات مع إسرائيل تعكس النقيض لكل ما تؤمن به حماس.

في اللحظة التي تنتهي فيها العناقات الزائفة ويجلس فيها الطرفان للبحث في المسائل الجوهرية، ستظهر الثغرات التي لا يوجد أي سبيل لجسرها. لقد كانت حماس مستعدة لوجود السلطة الفلسطينية في المعابر مقابل إلغاء عقوبات السلطة، ولكن أبا مازن لم يكن مستعدا للاكتفاء بذلك. فهو يريد كل شيء، وسيحصل على ما يبدو على القليل.

لا يوجد أي احتمال لأن ينزع السنوار سلاح ذراعه العسكرية أو يعطي لفتح سيطرة أمنية في غزة. وحماس ترى بنفسها المنطقة الإقليمية العربية الوحيدة التي تديرها حركة الإخوان المسلمين. «المشروع» كما يسمي هذا رجال حماس بينهم وبين أنفسهم ولا نية لهم بالتخلي عنه. وبسرور سيمنحون أبا مازن إمكانية الاهتمام بالمجاري والطرق المتفككة لغزة، ولكنهم لن ينقلوا إليه «المشروع».

يُحتمل أن نحصل على مظهر سطحي لوجود رجال السلطة في المعابر، فيما يسيطر عليها عمليًا رجال حماس، ويحتمل أن نرى السلطة تتسلم معالجة الشؤون المدنية لغزة، بل لعل المصريين سيتمكنون من التجوال كعرابين فخورين على مدى بضعة أشهر، ولكن المصالحة الحقيقية لن تكون هنا.

الصفقة المصرية

خطط المصريون هذا الأسبوع للاحتفال بنجاح خطوتهم في غزة، ولكن عندها جاءت الصفعة الرنانة من واشنطن التي كشفت عن بعض العلاقات السرية التي تقيمها مصر مع كوريا الشمالية. فما نشرته «واشنطن بوست» عن سفينة لإرسالية 30 ألف صاروخ آر.بي.جي من كوريا الشمالية إلى مصر جاء ليوضح للقاهرة بأن صبر الأمريكيين نفد.

للمصريين تقاليد طويلة من العلاقات مع كوريا الشمالية، مستمرة منذ أكثر من 50 سنة. فقد رابط طيارون من كوريا الشمالية في مصر عشية حرب يوم الغفران، وواحد منهم علق حتى في معركة جوية مع سلاح الجو الإسرائيلي (وفي النهاية أسقط بنار مضادة للطائرات مصرية). وحتى بعد اتفاق السلام مع إسرائيل، الذي منح مصر المساعدة الأمريكية العسكرية الثانية في حجمها بعد إسرائيل، واصل المصريون شراء صواريخ أرض ـ أرض كورية شمالية.

العلاقات الحميمة لم تنقطع حتى بعد أن فرضت الأمم المتحدة والولايات المتحدة عقوبات خطيرة على دكتاتورية عائلة كيم، وعبدالفتاح السيسي، الزعيم الحكيم بشكل عام، أصر على الإبقاء عليه. وحذرت الولايات المتحدة، إسرائيل وغيرها من الدول مصر المرة تلو الاخرى من مغبة مواصلة شراء السلاح من كوريا الشمالية. وعلم في الماضي أنه أحبطت أيضا تهريبات لوسائل استراتيجية زودها الكوريون للمصريين. مصر على أية حال لا تتمتع بصورة إيجابية خاصة في واشنطن، ولكن السيسي لم يقرأ الخريطة مع انتخاب دونالد ترامب. وحتى بعد ان حُذر في مكالمة هاتفية معه في شهر تموز بوقف شراء السلاح من كوريا الشمالية، وصلت الباخرة مع إرسالية الصواريخ في آب، فاقتطع ترامب 300 مليون دولار من المساعدات لمصر. سكتت القاهرة، ولكنها على ما يبدو واصلت أعمالها مع بيونغ يانغ، ما دفع الأمريكيين الآن إلى الكشف عن ذلك على الملأ.

ترى مصر في كوريا الشمالية شريكا مهما. ومنذ عشرات السنين تتسلى مصر بفكرة تطوير قدرة نووية، وإذا اختار المصريون السير في هذا المسار، فثمة فقط دولة واحدة ستبيعهم الأدوات. لم يشتر المصريون إرسالية الـ آر.بي.جي من كوريا الشمالية بحجة توفير بضعة دولارات، بل ليساعدوا صديقا في ضائقة. ولكن مع رئيس مثل ترامب، الذي لا يتحمس على أية حال للمساعدة العسكرية والاقتصادية السخية التي تمنحها بلاده لمصر (أكثر من 1.5 مليار دولار)، فإن مصر ملزمة بأن تكون أكثر حذرا. والأيام ستقول إذا كانت تعلمت الدرس.

وتحمل هذه الأيام معها درسا لنا أيضا: الاستفتاء الشعبي على استقلال كتالونيا وكردستان هو دليل آخر على أن التطلع للاستقلال الوطني وتقرير المصير لا يخبو في اي مكان. الاسكتلنديون، البالميون وكنديو كويباك ـ الشعوب التي تعيش في رفاه اقتصادي وتتمتع بحقوق المواطن الواسعة ـ لم تتخل عن تطلعاتها للاستقلال. فهل يصدق أحد ما حقا بأن شعبا يعيش تحت نظام عسكري منذ 50 سنة سيتخلى في أي مرة عن هذا التطلع؟ نقطة للتفكير.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى