مقالات مختارة

يوم الغفران مناسبة لخنق الفلسطينيين: عاموس هرئيل

 

لقد سبق قرار الحكومة الاستثنائي بفرض إغلاق لمدة 11 يوما على المناطق ـ من عشية عيد العُرش حتى نهاية يوم السبت المقبل ـ عدة جولات من المشاورات التي أجراها وزير الدفاع ليبرمان مع رؤساء الأجهزة الأمنية. جيش الدفاع كما كتب هنا في السابق يعارض العقاب الجماعي الموسع في المناطق، في أعقاب عمليات، ويرى أهمية كبيرة لاستمرار تشغيل العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وسيلة لضبط اندلاع أعمال العنف. لكن الظروف في هذه الحادثة كانت مختلفة قليلا .

في الجولة الأولى من المشاورات قبل رأس السنة، أيد الشباك والشرطة المقاربة المشددة، أوصت الشرطة بإغلاق في رأس السنة ويوم الغفران، وبعد ذلك إغلاق لمدة 11 يوما. من بداية عيد العُرش وحتى يوم السبت المقبل. في الشرطة برروا التوصية أيضا بحقيقة أنه في فترة العيد تجرى احتفالات عامة كثيرة تقتضي جهودا كبيرة لتأمينها وتلقي بعبء استثنائي على رجال الشرطة. جيش الدفاع اقترح الاكتفاء بفرض الإغلاق في أيام العيد نفسها (رأس السنة ويوم الغفران واليوم الأول والأخير من عيد العرش) وتأجيل اتخاذ قرار عن الفترة التالية طبقا للتطورات الأمنية. في المرحلة الأولى وافق ليبرمان على توصية الجيش.

العملية في 26 أيلول التي قتل فيها فلسطيني ثلاثة رجال أمن إسرائيليين في مدخل هار أدار، أنهت جزءا من الافتراضات المسبقة لأن المنفذ كان لديه، بصورة شاذة عن منفذي العمليات في السنوات الأخيرة ـ تصريح للعمل في المستوطنات ـ بعد عمليات شديدة التي تكشف قصورات في الاستعداد الدفاعي لأجهزة الأمن، يكون هناك ميل للانكماش ـ وتجميد الوضع من أجل فحص نقاط الضعف ومنع عمليات أخرى.

بعد العملية على الفور حدّث رئيس الأركان موقفه. أوصى جيش الدفاع ليبرمان بفرض إغلاق مستمر لمدة 11 يوما، من بداية عيد العرش وحتى يوم السبت، 14 تشرين الأول، كما تقرر أخيرا. كانت عدة تبريرات لتوصية الجيش، منها الجو الملبد في فترة الأعياد، التي فيها يزداد الاحتكاك نظرا لزيارة يهود إلى جبل الهيكل، والخوف من أن يحاول مخربون القيام بمحاولة تقليد العملية الناجحة في هار أدار. بعد فرض الإغلاق تم العثور أمس الأول على جثة مواطن إسرائيلي، روبين شمرلينغ. الشرطة تشك أنه قتل من قبل عمال فلسطينيين بسبب ما يمكن أن يكون مزيجا من الدوافع الوطنية والجنائية. يمكن أن يكون لفرض الإغلاق في فترة الأعياد تداعيات متناقضة. لفترة قصيرة يقوم الإغلاق بتقليص الاحتكاك المحتمل بين الإسرائيليين والفلسطينيين في حدود الخط الأخضر. على المدى البعيد يكون من شأنه تسريع ميل معاكس وتشجيع فلسطينيين آخرين على عمليات إرهابية، في غياب مصدر لكسب الرزق.

لقد كان لوزير الدفاع بالتأكيد اعتبارات أخرى لفرض الإغلاق الطويل. منذ تسلمه منصبه في أيار السنة الماضية، يميل ليبرمان إلى تأييد خطوات عقابية شديدة جدا كرد على العمليات. في الغالب يتم نوع من عملية شد الحبل المتبادل بينه وبين الجيش ـ إلى حين اتخاذ قرار تسوية. يوجد للوزير أيضا مصلحة سياسية للوضع نفسه، في نظر ناخبيه يظهر بأنه يتخذ إجراءات قاسية ضد الإرهاب. في خلفية ذلك حدث في الأسبوعين الأخيرين تقدم ملاحظ في عملية المصالحة الفلسطينية الداخلية، التي في أعقابها هاجم ليبرمان ورئيس الحكومة نتنياهو تصرف قيادة السلطة. العملية في هار أدار وبعدها زيارة وزراء السلطة إلى غزة بالتأكيد لم تشجع وزير الدفاع على تأييد إعطاء تسهيلات للفلسطينيين.

قانون لنا وقانون لهم

فور تنفيذ العملية في هار أدار سمعت في الائتلاف والحكومة مطالبات بوقف سياسة تصاريح العمل في إسرائيل، أو على الأقل إعادة فحصها. في الوقت عينه تم الحديث عن ضرورة فرض إغلاق طويل في فترة الأعياد. رئيس الائتلاف، عضو الكنيست دافيد بيتان (الليكود) دعا إلى «الوقف الفوري لدخول الفلسطينيين إلى إسرائيل والفحص المجدد لسياسة التصاريح». وزير الأمن الداخلي جلعاد اردان قال إنه يجب أن يتم فحص مجدد للتصاريح، «في الوقت الذي يوجد فيه إرهاب على خلفية أيديولوجية وتحريض في الشبكات الاجتماعية، ليس دائما يمكن معرفة من أين تأتي الضربة المقبلة». وزير الاتصالات والمعلومات إسرائيل كاتس أضاف بأنه «سيكون للعملية تداعيات قاسية على قدرة تشغيل فلسطينيين والتخفيف من شروط العبور».

هذا الخط يكون مناسبا فقط كما يبدو عندما يكون الحديث عن إسرائيل الواقعة في حدود الخط الأخضر. عندما نصل إلى المستوطنين الذين تصنف قيادتهم على الجناح الأكثر يمينية في الائتلاف فإن قواعد اللعب تكون مختلفة. في الإعلان عن فرض الإغلاق الطويل لم يتم ذكر السياسة المتعلقة بدخول عمال فلسطينيين للعمل في المستوطنات وفي المناطق الصناعية الإسرائيلية في الضفة الغربية. من المعقول أن هذا لم يكن مصادفة. معظم المستوطنات مرتبطة تماما بالعمال الفلسطينيين من أجل أعمال البناء والصرف الصحي. ورؤساء المستوطنات قريبين بدرجة كافية لآذان الحكومة من أجل أن تهتم بمصالحهم. العمل الفلسطيني في المستوطنات (الذي يتم بإشراف أكثر صرامة للمسؤولين عن الأمن) ستستمر كالعادة في الفترة بين أيام عيد المظلة، في حين تكون ممنوعة داخل إسرائيل. هذا ليس كل شيء، أمس (الخميس) أجريت مشاورات هاتفية في أعقاب الطلب الذي تقدم به وزير الزراعة أوري اريئيلي، بدعم الشرطة ووزارة الأمن الداخلي وموافقة الجيش. اريئيلي الذي هو من الجناح الديني المتطرف في البيت اليهودي، حصل من ليبرمان على مصادقة لدخول استثنائي إلى إسرائيل لنحو عشرة آلاف عامل فلسطيني في فترة الأعياد. معظم العمال سيعملون في فرع الزراعة، وعدد قليل منهم في مجال الصرف الصحي لدى السلطات المحلية والمستشفيات. لا يمكننا عدم الانفعال من قدرة المستوطنين وممثليهم في الحكومة على الامساك بالحبل من طرفيه. من جهة الأولى، لتجميع مكاسب سياسية سهلة لطرح موقف متصلب تجاه الفلسطينيين وقت تنفيذ العملية المقبلة والتأكد بسرعة أن لا تمس الخطوات العقابية بصورة غير مباشرة بمصالحهم الانتخابية المهمة. بهذه المناورة المحكمة فإن العمال الفلسطينيين هم مجرد أداة لعب، والمستوى المهني في جهاز الأمن ينجر خلف اللاءات السياسية.

خصومة

هار أدار والنقاشات حول فرض الإغلاق أوجدت جولة أخرى من الخصومة المتواصلة، التي تجرى في معظمها من خلف الكواليس بين القيادة العليا للجيش الإسرائيلي والشرطة. في المقابلة في موقع العملية قال المفتش العام للشرطة روني الشيخ إنه «ليست هناك صورة محددة للمخرب. يمكن أن يكون كل واحد قرر… ونفذ ونفس عن غضبه بالقيام بعملية». قائد لواء القدس، المفتش يورام هليفي، سئل في ذلك المساء في مقابلة متلفزة هل كان للمنفذ تصريح عمل في إسرائيل، وأجاب بنعم: «هار أدار هي إسرائيل». فعليا، برغم أن معظم سكان المستوطنة لا ينظرون إليها كمستوطنة، هار أدار توجد خلف الخط الأخضر ـ وكان للمنفذ تصريح عمل فقط في المستوطنات وليس داخل إسرائيل.

هذا التمييز ليس بالضرورة دراماتيكيا. حسب الاعتقاد أن المنفذ لديه عائلة وليس لديه ماض أمني، كان سيحصل على تصريح أيضا داخل إسرائيل. ولكن في الجيش تولد الانطباع أن ليفي يخفي الحدود بصورة متعمدة بين الأمرين وأن الشيخ، الذي كان في السابق أحد رجال الشباك، يختلف مع منطق وجهة النظر التي يحملها آيزنكوت بشأن الحاجة إلى دخول العمال إلى إسرائيل. التوتر تزايد بعد أيام معدودات، عندما قال مصدر مجهول في إحدى قنوات التلفاز بأن ليبرمان تبنى توصية الشرطة حول الإغلاق المتواصل، خلافا لتوصية الجيش. فعليا، كما قلنا، الجيش حدّث توصيته فور حدوث العملية، وقرار ليبرمان بشأن الإغلاق اتخذ بعد بضعة أيام فقط من ذلك. مكتب ليبرمان والمتحدث بلسان جيش الدفاع سارعا إلى نشر تكذيبات، والإعلان مر بتخفيف واضح بين عناوين الصحيفة والتقرير نفسه، بعد بضع دقائق.

الخصومة بين الجيش والشرطة بدأت بقضية البوابات الإلكترونية في المسجد الأقصى في تموز الماضي. وبازدياد حدة الأزمة في الحرم ـ بوضع البوابات، كرد على عملية إطلاق النار التي قتل فيها شرطيان إسرائيليان ـ زاد الانقسام (الشرطة أيدت بقاءها والجيش والشباك عارضا ذلك)، زادت التسريبات المتناقضة إلى وسائل الإعلام.

بصورة شاذة، عزز النقاش أيضا التحالف في القيادة بين الشباك والجيش. رئيس الشباك الحالي نداف ارغمان منفتح أكثر من سابقيه على التعاون الاستخباري الكبير مع الجيش، ومواقفه في النقاشات المختلفة قريبة جدا من مواقف ايزنكوت، وحقيقة أن الشيخ هو من خريجي الشباك (واعتبر من أقوى المرشحين لرئاسة الشباك حتى تعيينه المفاجئ مفتشا عاما للشرطة بعد انهيار الترشيحات في موجة الوراثة) هذه الحقيقة هي أيضا تسهم كما يبدو في خلق موازين القوى الشاذة في قمة القيادة الأمنية. في احتفال الذكرى السنوية لشهداء حرس الحدود الذي وافق اليوم التالي لموت جندي حرس الحدود سولومون غباريا في عملية هار أدار، تبين خلاف أخر بين الطرفين. اردان اختار هذه المنصة لتوجيه الانتقاد لخطة رئيس الأركان لتحسين ظروف الجنود في الجيش الإسرائيلي بزعم أن الخطة تميز ضد جنود حرس الحدود. حسب الخطة التي طرحها ايزنكوت في الشهر الماضي فإن من يعتبر رأس حربة ـ في الأساس رجال جهاز الهجوم (المشاة والمدرعات) والوحدات الخاصة ـ سيحصلون على امتيازات بموازاة الجنود الآخرين، وحتى لو كانوا يخدمون في وحدات مقاتلة.

«للأسف» قال اردان «جنود حرس الحدود النظاميين لا يوجدون داخل تعريف محاربي رأس الحربة». وقد ذكر القائمة الطويلة لقتلى حرس الحدود في العمليات في السنتين الأخيرتين وقال «ليس هناك حربة أكثر من هذه، سأعمل بكل قوتي من أجل تضمين مقاتلي حرس الحدود في الخطة الجديدة. إن جندي حرس الحدود يستحق راتبا مثل نظيره في غولاني. هذا يستحقونه، بحق وليس إحسانا».

لكن في الجيش يعارضون مطالبة المساواة ويرفضون سكوت قادة الشرطة بأن عدم تضمين حرس الحدود في الوحدات الهجومية ينبع من قلق القيادة العامة إزاء الارتفاع في معنويات المتجندين للخدمة في هذا السلاح على حساب ألوية المشاة.

جنود حرس الحدود النظاميين، يقولون هناك، يخدمون أيضا في حيفا وتل أبيب، ليس هناك تشابه بين الصعوبات التي يواجهونها وظروف خدمتهم (نوعية المواقع، الإجازات) والتي يواجهها مقاتل غولاني أو مقاتل المدرعات. الخطة أعدت لإيجاد تمييز بين مقاتل مهاجم يقف أمام العدو في الحرب وباقي الجنود، وإضافة حرس الحدود لوحدات الهجوم تقتضي أيضا ضم وحدات أخرى تخدم في المناطق أو على الحدود مثل كتائب المشاة المختلطة (كركال ودوميو) أو كتائب الإنقاذ والنجدة لقيادة الجبهة الداخلية.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى