مقالات مختارة

تركيا تمر بانقلاب حقيقي : تسفي برئيل

 

في صباح يوم الاحد، الساعة 2:32 فجرا، بالضبط في الوقت الذي تم فيه تفجير مبنى البرلمان التركي قبل سنة على أيدي قوات الجيش خلال محاولة الانقلاب، خرج الرئيس التركي اردوغان بتصريح على شرف الديمقراطية التركية واعتبر أن هذه المحاولة التي قتل فيها 249 شخصا وأصيب أكثر من ألفين “نقطة تحول تاريخية في حياة الأمة”. والرئيس الآن لا ينوي الاكتفاء بمراسيم احياء ذكرى القتلى، بل هو يطمح الى تحويل محاولة الانقلاب الى أساس لخلق رواية جديدة .

من الآن ستشمل الكتب التعليمية في المدارس فصولا جديدة تصف التهديد الخطير الذي شكله المتآمرون ضد الأمة، وستتم كتابة الابحاث العلمية حول هذه الحادثة بتشجيع من الحكومة، اضافة الى خطط التخليد القومية التي ستكون جزء لا يتجزأ من تراث الدولة التاريخي. اردوغان مثل الملك طالب   بـ “كل مواطن في مقاطعات الدولة الـ 81 يجب عليه الانضمام الى نظام الديمقراطية”. لا يجب الاكتفاء فقط بيوم ذكرى للقتلى، لأنه مثلما قال “لن يكون هناك شيء مشابه لما حدث”.

أكثر من 50 ألف جندي وشرطي وصحافي واكاديمي ورجل اعمال ومواطنين تم اعتقالهم، 150 شخص تمت اقالتهم، ومن بينهم ربع القضاة والمدعين العامين في الدولة. والشرخ بين تركيا وبين عدد من الدول الغربية يؤكد على أن الدولة قد مرت منذ 15 تموز 2016 بانقلاب حقيقي: ليس عسكريا ولا شرطيا.

مئات آلاف المواطنين الذين ساروا في الحر الشديد من أنقرة الى اسطنبول تأييدا لخصم اردوغان في المنفى، فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني، اعتبرهم اردوغان “محبين للارهاب”. وفي الاسبوع الماضي أعلن أن حالة الطواريء التي أعلن عنها في اعقاب محاولة الانقلاب ستستمر. وفي نفس الوقت تمت اقالة واعتقال العشرات من رجال الجيش والمواطنين بتهمة العلاقة مع حركة غولن الذي اعتبر المبادر والمخطط للانقلاب. وكل من يستخدم تطبيق “بايلوك”، المخصص للتشات وتبادل الرسائل مشبوه بالانتماء لحركة غولن وقد يتم اعتقاله، بعد أن تبين أن نشطاء في هذا التنظيم استخدموا التطبيق لايصال رسائل اثناء محاولة الانقلاب.

مهاجمة حرية التعبير في تركيا وصلت الى ذروتها في العام الماضي: تم اغلاق صحف، واقالة محررين أو اعتقلوا، محاضرون وباحثون تم طردهم من الجامعات بتهمة بث مواد دعائية ضد النظام، والحرب ضد “العدو الداخلي” تحولت الى مبرر لوجود الاجهزة الحكومية والاستخبارات والشرطة.

هجمة اردوغان الهستيرية ضد خصومه السياسيين وضد الاعداء الحقيقيين والوهميين تضر بعلاقة تركيا مع بعض حلفائها التقليديين. مثلا موقف المانيا المتشدد ضد التطهير الذي يقوم به الرئيس في الاجهزة البيروقراطية وفي جهاز القضاء ينعكس في منع اعضاء البوندستاج من زيارة المواقع العسكرية للناتو في انجيرليك وقرب قونيا. ويتهم اردوغان البوندستاج الذي يراقب الجيش في المانيا، ليس فقط بالانتقادات التي تحدثت عن الاعتداء على حقوق المواطن في تركيا، بل ايضا من خلال اتخاذ قرار يعتبر أن قتل الارمن هو تطهير عرقي. وردا على ذلك بدأت المانيا بنقل جنودها من تركيا الى الاردن.

سلوك تركيا يعمل على اشعال الضوء الاحمر في قيادة الناتو ايضا. ورغم الاعتراف بأهمية تركيا الاستراتيجية بدأ الناتو في سؤال نفسه اذا كانت الشراكة مع تركيا تساعد اردوغان، الذي يقوم باستغلال هذه الشراكة كرافعة سياسية، أكثر من كونها مفيدة للناتو نفسه. وهناك من يعتقدون أن التعاون بين ترامب، الذي يحتقر اردوغان، وبين اردوغان قد يؤدي الى انهيار التحالف الاستراتيجي الغربي الهام.

لا حاجة رغم ذلك الى الاسراع والربط بين ترامب واردوغان. فهما مختلفان، ليس فقط بخصوص مساعدة المتمردين الاكراد في سوريا، بل ايضا بخصوص تسليم غولن الذي يعيش في الولايات المتحدة الى تركيا. متحدثون اتراك رفيعو المستوى لا يعرفون لماذا تتردد الولايات المتحدة، بعد أن “تم تسليم كل الوثائق المطلوبة”، حسب ادعاء وزير العدل التركي. وفي المقابل قالت جهات امريكية إن وثائق كثيرة وصلت بالفعل، لكن لم يتم بعد ايجاد المسدس المدخن.

تركيا منقسمة منذ 15 تموز الماضي الى معسكرين متخاصمين. النصف يؤيدون اردوغان وسياسيته، والنصف الآخر يشعر بأنه متروك ومقموع ومحبط. ومثلما هي الحال في اسرائيل، تجد المعارضة صعوبة منذ 14 سنة في ايجاد منافس ملائم لاردوغان، أو التأثير على الانقلاب الدستوري الذي يقوم به. “النتيجة هي أننا نعتاد على هذا الوضع ونتعلم كيفية العيش بهذا الشكل”، قال محاضر رفيع المستوى في جامعة أنقرة طلب عدم ذكر اسمه، “أنا لم اؤيد الانقلاب، ولا اؤيد غولن، لكنني شعرت دائما أن الجامعة هي دفيئة محمية تمكنت فيها من التعبير عن مواقفي السياسية المختلفة. والآن أنا اشعر بالخوف من قول أي شيء يفسر بشكل غير صحيح لدى أحد الطلاب. نحن نعيش الآن في ديمقراطية من نوع جديد، ديمقراطية الرعب”. ويبدو أن اردوغان كان يقصد ذلك عندما قال إن الامور لن تعود الى سابق عهدها.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى