مقالات مختارة

ما تداعيات فشل الإرهاب في الجولة الأخيرة من دمشق إلى حماه؟ العميد د. أمين محمد حطيط

 

لم يكن مفاجئا للعارفين بنوايا العدوان على سورية وأهدافه، ان تقدم العصابات الإرهابية على تفجير الوضع الميداني قبل أيام من انعقاد جنيف 5 الذي دعت اليه الأمم المتحدة لمناقشة جدول الأعمال الذي تم الاتفاق عليه في جنيف 4. نقول لم يكن مفاجئا أقدام العدوان الذي يتخذ من العمل الإرهابي سلاحا وأداة أساسية ضد سورية، أقدامه على شيء يحقق عبره مكسبا في الميدان يعزز به موقعه في غرف الاجتماعات في جنيف أو سواها، خاصة وانه بات يدرك بان تفاوض المتصارعين هو في الأصل من اجل صرف ما في اليد ميدانيا لتحويله إلى مكاسب سياسية، وينجح المفاوض إذا فرض على خصمه الإقرار له أو التسليم له بهذه المكاسب.

و لان قيادة العدوان على سورية وصلت و بعد ست سنوات من العدوان إلى وضع واهن ليس في يدها ورقة قوة تفرض بها مواقفها على سورية ، لا بل يمكن القول ان يد العدوان شبه خاوية من الأوراق فان مكونات العدوان الإقليميون و الدوليون وجدوا الحاجة ماسة إلى العودة إلى الميدان من اجل امتلاك ورقة تعينهم في سعيهم ، و كما فعلوا في نيسان 2016 وانسحبوا من جنيف 3 فقد كان منتظرا ان يفعلوا الشيء نفسه قبل جنيف 5 حتى لا يكرروا مسرحية جنيف 3 لهذا فجر الإرهابيون الجبهات في دمشق و ريف حماه يحدوهم في ذلك رغبة في تحقيق اكثر من هدف خدمة لمكونات العدوان الإقليمية و تكاملا مع عمل قيادته الدولية .

فبالإضافة إلى العامل الإسرائيلي و الحاجة الإسرائيلية لحجب الخيبة بعد العدوان الجوي على سورية ، كانت هناك حاجة تركية ملحة من اجل امتلاك أوراق ميدانية في سورية تحفظ للتركي و تاليا للإخوان المسلمين موقعا مريحا في الحل السياسي ، خاصة بعد ان دفنت الأحلام التركية في حلب ، و قطعت الطريق على تركيا و منعت من التمدد جنوبا إلى الرقة ، وبعد ان سدت الأبواب بوجهها شرقا إلى منبج ، و بعد القلق الإضافي أثر ما تناقلته الأخبار التي تم تداولها و تحدثت عن انفتاح روسي ميداني على الأكراد و ضغط لإشراكهم في أستانا و جنيف . ثم أضيفت إلى الحاجة التركية والإسرائيلية حاجة سعودية وقطرية للعمل المشترك بعد ان تراجع التأثير القطري والسعودي في الميدان السوري إلى حد العجز عن تنفيذ مشروع مستقل عن الأخرين.

أما التحالف العدواني الدولي بقيادة أميركية فقد ادرك أيضا حاجة للتدخل المباشر بعد ان استشعر الخطر على مصالحه بعد الانتصار السوري الاستراتيجي في حلب و ما تبعه من استثمار سياسي مباشر له تمثل في اجتماعات استأنا ، تواكبها عملية استثمار ميداني سوري للنجاح تمثلت في العمل على 5 جبهات تزامنا حصدت خلالها الإنجازات الهامة من الجنوب إلى دمشق فحمص وريفها وصولا إلى تدمر و انتهاءا بريف حلب الشرقي ، مسيرة تتالت مراحلها على مدار 3 اشهر و تميزت بالنجاح العملاني ذو الأبعاد الاستراتيجية .ما جعل التحالف الأميركي يشعر بالحاجة الملحة لوقف الاندفاعة و القبض على ورقة ذات بعد استراتيجي مؤثر قبل ان تفلت الأمور كليا من يده ، و لهذا اختار الرقة هدفا و اعتمد قوات “قسد” أداة تنفيذية بعد ان تم تعزيزها بقوات من مشاة البحرية الأميركية المارينز و مدفعية الميدان فضلا عن الطيران الأميركي.

إذن وعلى اعتتاب جنيف 5 وجدت مكونات العدوان نفسها بحاجة إلى الميدان قبل التفاوض، ولهذا كانت الجولة التصعيدية الأخيرة التي تميزت بأمرين الأول تناسي العصابات الإرهابية للخلافات القائمة بينها والقفز فوق الماضي التناحري لها، لتكوين القوة المشتركة للعمل على جبهتي دمشق وحماه، والثاني الاشتراك الأميركي المباشر فيما أسموه عملية تحرير الرقة. وقد ظن الجمع ان امتلاكهم لا وراق في المدن الثلاث هذه سيعوض عليهم كل الخسائر السابقة ويمكنهم من خوض تفاوض ندي متوازن في جنيف فما كانت النتيجة؟

نبدأ في جبهة دمشق، حيث يسجل للجيش العربي السوري قدرته الفائقة على التعامل مع الموجات الإرهابية التي شاء الإرهابيون فيها تحقيق خرق إلى داخل العاصمة عبر ساحة العباسيين وفك الطوق عن إرهابيهم في القابون، ووصل مواقعهم في شمال جوبر وجنوبها ورسم خط تماس يمكنهم القول بأنهم يسيطرون على الجزء الشرقي من العاصمة ما يعوض عليهم خسارة الجزء الشرقي من حلب ويحجب إنجاز تحرير حلب. لكن الجيش تصدى لهم بمناورة عسكرية تدرجت من دفاع ثابت أدى إلى احتواء الهجوم وتثبيته إلى دفاع متحرك أدى إلى اقتياد الإرهابين ومحاصرتهم في مناطق تقتيل اجهز فيها على ثلث القوة الإرهابية المهاجمة، وانتهت العملية بتقدم ومطاردة حررت فيها أجزاء واسعة كان الإرهابيون قبل هجومهم الأخير يسيطرون عليها. ونجحت المطاردة إلى الحد الذي صرخ فيه الإرهابيون الما وطلبوا العودة إلى خطوط التماس قبل الجولة طلبا جعلوه شرطا للتفاوض ما يثير السخرية طبعا ويؤكد مقدار الهزيمة التي حلت بالمعتدين على دمشق.

أما في حماه وريفها، فقد خطط الإرهابيون لاحتلال المدينة وحشدوا عصابات التقت فيها داعش مع النصرة مع فصائل ادعت أنها تريد الحل السياسي وتتخلى عن الإرهاب ولكن الميدان كذب ادعاءها وأكد ان جميع من يحمل السلاح بوجه الجيش العربي السوري أنما هو إرهابي يؤمن بالإرهاب طريقا لتحقيق أغراضه. لقد انطلق الحشد الإرهابي الذي تشكل من 7000 مسلحا من 8 فصائل لاجتياح حماه وريفها لكن الجيش العربي السوري كان بالمرصاد وعمل بخطة دفاعية محكمة شارك فيها الطيران الروسي فضلا عن السوري وساند القوى البرية التي تشكلت من الجيش والقوات الرديفة ما جعل الهجوم الإرهابي يفشل في تحقيق أهدافه رغم المكاسب الأولية التي حقها والتي سرعان ما فقد معظمها وانتهى الوضع إلى خيبة تضاف إلى خيبة جوبر.

وتبقى الجبهة الثالثة في الرقة والتي القت أميركا فيها بثقل ملحوظ، وبدات فعاليات الهجوم فيها بإنزال جوي أجرته قرب مدينة الطبقة انزالا لقطع الطريق على الجيش العربي السوري لمنعه من تحرير الرقة، وهنا نرى ان للجيش العربي السوري ما يحتفظ به في يده لمنع أميركا من النجاح في خطتها العدوانية وقد كان الموقف الروسي موضوعيا عندما أشار إلى ان تحرير الرقة لن يكون رحلة سهلة لأميركا وحلفائها ولن يحصل ألا وفقا لمنطق القانون الدولي وقواعده، ما يعني انه لن يعترف بتحرير ان لم تكن الحكومة السورية هي الأساس فيه. وعلى كل حال لا نعتبر ما جرى أو يحضر للرقة أميركيا كافيا حتى الآن للقول بإنجاز أميركي هناك.

هذا المشهد البانورامي للميدان السوري يؤكد أمرا واحدا هو ان قيادة العدوان شاءت شيئا قبل التفاوض في جنيف 5 فحصلت على عكسه وتعقد موقفها وصعبت عليها المهمة ما يعيدنا إلى طرح السؤال مجددا حول مسار الأحداث بعد هذه الجولة الإرهابية المثلثة والتي انتهت إلى ما انتهت اليه من فشل وخسائر وهل أننا أمام تحضير لجولة عنف إرهابي جديدة أم ان العدوان سيقتنع بالحل السياسي ويسهل البحث فيه وفقا لقواعد السيادة الوطنية السورية وما افرزه الميدان من نتائج؟

من المسلم به ان الصراعات المسلحة تنتهي في النهاية على طاولة التفاوض وفقا للصورة التي رسمت في الميدان و التي تكون واحدة من اثنتين ،أما هزيمة لاحد طرفي النزاع تصاحبها قناعته بعجزه عن تعديل المشهد الميداني و اضطراره للاعتراف بالهزيمة ووقف القتال و التسليم ان كان في موقع المدافع أو التراجع و وقف العدوان ان كان في موقع المعتدي .، أو تكون تعادلا ينشئ قناعة لدى الطرفين بان أحدا منهما لن يلوي ذراع الأخر مهما طال الزمن و ان عليهما وقف الصراع و الخروج من الميدان بحل سياسي يترجم لكل فريق حجمه و يحفظ القدر الممكن من مصالحه مراعيا مصالح الأخر تكاملا أو تناقضا . وعلى ضوء هذه القواعد المسلمات وبعد الفشل المدوي لجولة العنف الأخيرة التي دارت في سورية إثر العدوان الإرهابي المتعدد الجبهات والأطراف نسأل أي مسار ستسير فيه الأمور في سورية؟

قبل الإجابة يستوقفنا بدء الحديث الغربي عن كلفة إعادة أعمار سورية، كما يلفتنا تصاعد الانفتاح الأوربي على سورية، ثم التدخل المباشر لقوى العدوان وبدأ التحول من حرب الوكيل إلى عدوان الأصيل وكلها أمور تعني ان هناك قناعة لدة المعتدي ان أوراق اللعبة استنفدت وان عليه ان يتحضر للفصل الختامي وهذا ما يلقي أعباء هامة على عاتق معسكر الدفاع حتى لا يفرط باي مكتسب بيده في الأيام الأخيرة للصراع قبل التوصل إلى الحل السياسي. فسورية تعيش الآن الفصل الأخير من العدوان الذي يتحضر للفظ أنفاسه وهنا أهمية الحذر واليقظة الشديدة. خشية الجنون الهستيري الانتحاري للآخر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى