مقالات مختارة

«سيلفي» إسرائيل: جدعون ليفي

 

التنديد والزعرنة على فيلم الشرطي الذي يضرب، هي أمور مستفزة. هل أثار الشرطي اشمئزازكم؟ هكذا بالضبط يبدو الاحتلال: عنيف، قبيح وفظ، بالضبط مثل الشرطي. وهكذا بالضبط تقوم إسرائيل بتعذيب ملايين الناس في كل ساعة وفي كل يوم منذ خمسين سنة.

ليس الفيلم وحده هو الذي يعكس الروتين في المناطق المحتلة. ففي كل لحظة هناك في إسرائيل من يقومون بضرب الفلسطينيين والصراخ عليهم وتوجيه الشتائم لهم، كما هو في الفيديو أو حتى اسوأ من ذلك. هذا الفيلم يعكس واقعا أوسع من واقع الاحتلال. فهو صورة الوضع. «سيلفي» إسرائيلي. واذا كان فيلم «اكسودوس» هدف إلى تصوير إسرائيل 1948، فإن فيلم الشرطي الذي يقوم بالضرب يصور إسرائيل 2017. لقد كان فيلم «اكسودوس» هو الحلم، أما «الشرطي» فهو نفي الحلم. قوموا بمشاهدة الفيلم وستروننا.

لقد شاهد كل إسرائيلي عددا لا يحصى من الصور في بلاد الصدامات، في الشوارع وفي المستشفيات وفي ملاعب كرة القدم. في كل مكان تقريبا هذه هي اللغة ـ الزعرنة. فلماذا التهجم على الشرطي، إنه صورة عن وطنه، لقد فعل ما يقوم الجميع بفعله تقريبا. وهو ايضا ابننا جميعا. إنه أزعر بالزي الرسمي. وماذا في ذلك؟ لقد سبق وتم الاشتباه به بضرب مواطن. ولم تجد الشرطة أي حاجة لمحاكمته. وقد تصرف كما هو متوقع منه. يجب الانتباه إلى العنف: هذا عنف له أقدمية، عنف مع الولادة تقريبا. الضرب بالرأس هو سلاح الأزعر المجرب. فالأزعر الذي لا تجربة له لا يضرب برأسه.

يجب الانتباه أيضا إلى لغته: «أنا سأدفع عن ذلك؟ يا إبن الزانية، انصرفوا من هنا، أنا سأفعل كهذا وكذا بأمكم». هكذا يتحدثون في إسرائيل، وليس فقط في الاحتلال أو في الشارع. كل شيء يوجد هنا: القيمة الأهم بالنسبة للإسرائيلي هي أن لا يكون إمعة (أنا سأدفع الثمن؟»). الانتقال الفوري من التهديد إلى الفعل: التسيد والقوة والعجرفة والفظاظة واللغة البذيئة. وحقيقة أنه فعل كل ذلك وهو يلبس الزي الرسمي لا تغير شيئا في الأمر. فالشرطة ايضا يتحدثون الإسرائيلية. وإسرائيل عنيفة لأنها تستطيع ذلك. فهي تقوم بالقصف في سوريا وتقتل في غزة لأنها تستطيع. إنها أزعر الحي لأنه لا يوجد من يقف في وجهها ويمنعها. وهي ايضا عنيفة في داخلها لأنها تستطيع.

إن الشرطي الذي يحمل اسم موشيه كوهين هو شرطي عنيف ايضا لأنه يستطيع. وحقيقة أنه وقف أمام كثيرين، لم تردعه. فهو عرف وهم عرفوا أنه هو القوي وهم الضعفاء، هو الذي يقمع وهم المقموعون. لذلك فهو مسموح له. هو سيد البلاد وهم الغبار تحت قدميه. كل شيء كان له دور هنا: قلة الحيلة وخوف السائقين الفلسطينيين الذين خافوا من الدفاع عن صديقهم في وجه اعتداء الشرطي. زي الاحتلال أمام قلة حيلة الواقع تحت الاحتلال. يجب أن تنتبهوا لرجل الوحدات الخاصة وحركته. هكذا يتصرف صاحب البيت، وهكذا تتصرف دولته.

إن هذا الامر يبدو قبيحا، قبيحا جدا. لذلك وُجدت صرخة اللحظة. وسيتم نسيان ذلك بسرعة. ومشكوك فيه أن تتم محاكمة الشرطي. فهذه صورة إسرائيل 2017. لذلك نحن نريد نسيان هذا الشرطي، الذي سيُقال وسيحكم عليه بالاقامة الجبرية البيتية لبضعة ايام. المهم هو أن يُحاكم. وقد كان لدينا ما يكفي في محاكمة ازاريا، وكنا نعرف من أعماق قلوبنا أن المحاكمة كانت لنا جميعا.

بعد عرض الفيلم ببضع ساعات جرى لقاء في منزل نشيطة السلام اليس كرينغر في تل ابيب، وكان ضيف الشرف هو الدكتور عز الدين أبو العيش، الطبيب من غزة وأبو البنات. «الكراهية هي ضعف»، قال الأب الثاكل باللغة العبرية. بلغة القليل فقط في إسرائيل يستطيعون فهمها، وأضاف «الرحمة والتحمل هما قوة». في ظلمة المساء وفي الفيلم، تم تحطيم اقوال الطبيب وكأنها منفصلة وغريبة عن هذا الواقع.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى