مقالات مختارة

المرأة مسؤولة عن التحرش!: تسفي برئيل

 

«إن هدف هذه الشهادة هو محاولة للرد على سؤال لماذا نستمر في افعالنا على الرغم من ثقل الهزيمة؟ لماذا لم نستسلم؟ من أين نستمد الالهام والقوة للاستمرار؟».

إن الشهادة التي تتحدث عنها داليا عبد الحميد، المسؤولة عن قسم حقوق الانسان في المنظمة المصرية «المبادرة المصرية من اجل الحقوق الشخصية»، هي اختبار انجازات النساء في مصر منذ ثورة الربيع العربي في العام 2011. الحكمة المقبولة تقول إنه رغم المشاركة الناجعة والاستثنائية للنساء في المظاهرات التي أدت إلى اسقاط نظام مبارك، وتغيير الحقوق الدستورية ايجابا، إلا أن تعامل المجتمع الذكوري معهن لم يتغير. ويوجد لداليا موقف مختلف. ففي مقال نشرته في موقع «المدى» المصري، تحدثت عن حرية التعبير النسبية حيث قالت إنه إذا كان اسقاط النظام الذي حققه الثائرون خلال 17 يوما من المظاهرات المستمرة، وهم يعرضون حياتهم للخطر، فإن تحول التعامل مع النساء، وخاصة بالنسبة لمفاهيم مثل «التحرش والاعتداء» هو تحول بطيء والطريق إلى التغيير ما زالت طويلة.

«أنا أتذكر الذكرى الثانية للثورة في 25 كانون الثاني/يناير 2013. فقد حاول عشرة رجال اقتحام مبنى تواجدنا للعمل فيه من اجل القاء القبض على امرأة هربت منهم. وأنا أتذكر تلك المرأة التي تسلقت إلى الشقة التي كانت فيها غرفة عملياتنا، حيث كانت ملطخة بالدماء ولم نعرف ما الذي حدث لها. وأنا أتذكر أندرو، وهو أحد المتطوعين والذي رفض الاستمرار في الجلوس في الغرفة وصمم على العودة إلى ميدان التحرير رغم اصابته الشديدة في قدمه على أيدي أحد الزعران».

إن هذه التجربة الصعبة، التي حدثت بعد الثورة بعامين، أثمرت عددا من الشهادات الخطية، بعضها استخدم في المحاكم التي ناقشت الاعتداء ضد النساء، وبعضها تم نشره في موقع «أرشيف التاريخ الشفوي للنساء»، الذي انشيء في العام 1995. «لم نعرف في حينه أنه في مركز هذا الجنون سنحقق التقدم، وأن هذه الشهادات ستغير ميزان القوى… لم نعرف أن القوة الكامنة في صوت النساء ستحطم جدران الاجحاف الاجتماعي ضد النساء».

في حزيران 2014 نشر رئيس الحكومة المصرية المؤقت عدلي منصور قانون التحرش الجنسي الاول في تاريخ مصر. وحتى ذلك الحين تم الاكتفاء بقانون الاعتداء الغامض على الشرف، الذي لم ينجح في ردع المتحرشين. القانون الجديد هذا لم يمر بدون انتقادات: بعض اعضاء مجلس الشورى ألقوا على النساء المسؤولية على التعرض لهن بسبب ملابسهن غير المحتشمة أو مظاهراتهن الاستفزازية.

القانون الجديد كان أكثر وضوحا من سابقه، وفصل جوهر التحرش الجنسي والعقوبات كانت أكبر وتراوحت بين نصف سنة إلى خمس سنوات سجن وغرامة عالية. «إلا أن انتصارنا الكبير لا يجب تقزيمه واقتصاره فقط على تغيير القانون أو انتهاج استراتيجية قومية للنضال ضد العنف ضد النساء، وليس في اقامة وحدة خاصة بذلك في وزارة الداخلية، بل الانجاز الكبير هو عدم ادانة النساء اللواتي يشتكين من الاعتداء عليهن، الامر الذي يمكنهن من التحدث في الامر بشكل علني. والادانة الآن اصبحت توجه للمتحرشين والمعتدين».

صحيح أن التحرش الجنسي في مصر تحول إلى جزء لا يتجزأ من النقاش العام. ففي الاسبوع الماضي عقدت الجامعة الأمريكية في القاهرة لقاء خاصا حول هذا الموضوع. ولكن قبل ذلك ببضعة ايام قال الداعية سعد عرفات إن موقفه الحاسم هو «المرأة هي شريك مركزي في التحرش الجنسي، حتى لو لم تكن هي المسؤولة الوحيدة. يجب عليها الاحتشام في ملابسها والسير في الشوارع بشكل محترم. إن طبيعة المرأة المحتشمة تمنع لفت الانتباه. وهي يجب أن تحافظ على صوتها. والملابس غير المحتشمة هي أحد اسباب انتشار هذه الظاهرة في الشارع المصري».

هذا الموقف لا يقتصر على الدين فقط. فبحث الدكتور هاني هنري من الجامعة الأمريكية في القاهرة بعنوان «التحرش الجنسي في شوارع مصر ـ طريقة نظرية جديدة»، الذي نشر في تشرين الثاني 2016، يقوم بتقسيم اسباب التحرش الجنسي مثلما تظهر في المقابلات التي أجراها مع تسعة من الرجال الذين قاموا بالتحرش إلى خمسة: التحرش يزيد من قوة الرجل، وهو ينبع من أخطاء النساء، هن يردن ذلك، وهذا هو عقاب الله للمرأة، التحرش هو نتيجة قمع المجتمع. إن هذا البحث الجريء يغوص عميقا في المجتمع المصري ويقول ما هو تأثير التعليم الرسمي على الرجل المصري، اضافة إلى المزايا المقبولة التي تميزه. بهذا الشكل فهو يشكك في فرصة القانون الجديد في القضاء على هذه الظاهرة، أو تحويلها إلى شيء غير لائق.

الدليل على ذلك يقدمه رجل القانون، الدكتور عادل عامر، رئيس المركز المصري للابحاث السياسية والاقتصادية والقضائية، الذي عرض في مقال له في الاسبوع الماضي حالات الاعتداء على النساء في الاسابيع الاخيرة. عامر قال إن حالات الاغتصاب لا تقتصر على الطبقة الغنية، واحيانا يقوم بالاغتصاب رجال من قوات الامن والاطباء ورجال الدين وموظفون رفيعو المستوى. يبدو أن الحرب على الوعي ما زالت في بدايتها. واحيانا يكون هناك غياب لنشر هذه الحالات، اضافة إلى استمرار ظاهرة الخجل والاخفاء.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى