مقالات مختارة

في المواجهة القادمة بين اسرائيل وحزب الله : عاموس هرئيل

 

قبل حوالي شهر، في 12 شباط، خرج الرئيس اللبناني ميشيل عون في زيارة رسمية الى القاهرة. وقبل الزيارة اجرى عدة مقابلات مع وسائل الاعلام المصرية. عون الذي انتخب للرئاسة بعد صراع قوى متواصل، كان لايران وحزب الله فيه تأثير، تحدث عن حقيقة أن المنظمة الشيعية تستمر في كونها المليشيا اللبنانية الوحيدة التي ترفض بشكل علني التنازل عن سلاحها. حزب الله هو جزء كبير من الشعب في لبنان، قال عون. “طالما أن اسرائيل تحتل ارض وتسيطر على الموارد الطبيعية للبنان، وطالما أن للجيش اللبناني لا توجد القوة الكافية للوقوف في وجه اسرائيل، فان السلاح في أيدي حزب الله حيوي ويكمل عمل الجيش ولا يناقضه. إنه جزء اساسي في الدفاع عن لبنان”.

اقوال عون، كما كتب مؤخرا العقيد احتياط آساف اوريون، من معهد بحوث الامن القومي في جامعة تل ابيب، هي “تمزيق قناع الرسمية عن الواقع اللبناني المعروف، رئيس لبنان يلغي التمييز بين الدولة السيادية وبين حزب الله. ويتحمل الرئيس اللبناني رسميا المسؤولية عن نشاطات حزب الله، بما في ذلك ضد اسرائيل”. تصريحات عون تناسب ما يحدث في الساحة. وزير الدفاع ليبرمان زعم في هذا الاسبوع في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست أن الجيش اللبناني الآن هو “وحدة اخرى في جيش حزب الله”.

ماذا يعني هذا بالنسبة للرد الاسرائيلي على حزب الله في حال اندلاع حرب اخرى في الشمال؟ قبل ثلاثة اسابيع تم الحديث هنا عن الصعوبة الاساسية التي يواجهها الجيش الاسرائيلي في لبنان: القدرة المحدودة على مواجهة تهديد الصواريخ غير الموجهة، والتي قد تطلق على السكان المدنيين في اسرائيل والبنى الاستراتيجية في الجبهة الداخلية. في الجبهة الجنوبية ايضا، حيث لا يوجد لسلاح الجو جواب هجومي مناسب للصواريخ، لكن القبة الحديدة تستطيع اعتراض جميع هذه الصواريخ. في الشمال حزب الله يستطيع اطلاق اكثر من ألف صاروخ خلال يوم من الحرب، والحل الهجومي يبدو جزئيا، أما الدفاعي فهو محدود.

تقرير مراقب الدولة عن الجرف الصامد نزل عن عناوين الصحف خلال ايام معدودة، لكن الصعوبات التي تقف امام اسرائيل في المواجهة المستقبلية في غزة، وبالتحديد في لبنان، بقيت على حالها. في هذه النقطة من اللافت سماع موقف عضو الكابنت الوزير نفتالي بينيت الذي تبنى مراقب الدولة ادعاءاته في الخلاف مع رئيس الحكومة نتنياهو في قضية الانفاق الهجومية في القطاع. في الوقت الذي يبدو فيه بينيت في السياسة متحمسا لفرض حقائق احادية الجانب في الميدان، حتى لو كان الثمن الدخول في صراح مع الدول الاوروبية واحراج ادارة ترامب، يبدو أن موقفه في المواضيع العسكرية اكثر تعقيدا. أكثر من مرة عبر عن تشكك صحيح حول المواقف التي تطرحها القيادة العسكرية، ورفض قبول استنتاجاتها.

إن صيد قذائف الصواريخ اثناء الحرب، كما قال بينيت للصحيفة هذا الاسبوع، “مهمة مستحيلة تقريبا – وأنا اقول ذلك كمختص في صيد الصواريخ”. في حرب لبنان الثانية كان بينيت ضابط احتياط مسؤول عن قوة من وحدة خاصة تم ارسالها الى عمق جنوب لبنان، وبحث عن خلايا الاطلاق التابعة لحزب الله. “عندما عملنا في مكان ما، قللنا اطلاق الصواريخ منه، لكن الخلايا تحركت نحو الشمال”. وقال إنه مرت 11 سنة منذئذ وتعلم حزب الله الانتشار بشكل اكثر حكمة. “لقد قاموا بنقل منصات الصواريخ من المحميات الطبيعية ومن الاماكن المفتوحة الى داخل المناطق المأهولة. لا يمكن محاربة الصواريخ بدبوس. طالما أنك لم تصل الى البيت الذي توجد فيه المنصة فأنت غير ناجع. وعدد البيوت التي يجب الوصول اليها كبير.

“بعد تسرحي من الاحتياط، قرأت جميع الكتب التي كتبتوها عن الحرب. وفهمت بأثر رجعي أن الحدث المفصلي للحرب حدث في اليوم الاول، في المحادثة الهاتفية بين اهود اولمرت وكونداليزا رايس″. مستشارة الامن القومي للرئيس بوش طلبت من رئيس الحكومة عدم استهداف البنى التحتية في لبنان. وتمت الاستجابة لطلبها. وهكذا تقرر أن لا تنتصر اسرائيل في الحرب.

“لبنان قدم نفسه كدولة تريد الهدوء، وأنه لا يؤثر على حزب الله”، قال بينيت، “الآن حزب الله هو جزء من النظام. وحسب قول الرئيس هو جزء من الامن القومي. المنظمة فقدت حقها في التخفي كمنظمة خارجة عن السيادة اللبنانية”.

يعتقد بينيت أن هذه النظرة يجب أن تكون موقف اسرائيل الرسمي. “المؤسسات في لبنان والبنى التحتية والمطار ومحطات الطاقة ومفترقات الطرق والمواقع العسكرية، كل هذه يجب أن تكون اهداف شرعية اذا نشبت الحرب. ويجب علينا قول ذلك لهم وللعالم من الآن. اذا اطلق حزب الله الصواريخ على الجبهة الداخلية الاسرائيلية فيجب أن يعني ذلك اعادة لبنان الى العصور الوسطى. الحياة في لبنان الآن ليست سيئة، لا سيما قياسا مع ما يحدث في سوريا. يجب على المواطنين في لبنان أن يعرفوا، ومن ضمنهم الشيعة، أن هذا ما ينتظرهم وأن حزب الله يورطهم لاعتباراته الخاصة أو لاعتبارات ايران”.

اضافة الى ذلك، يوضح أن هذه ليست بالضرورة خطة الحرب التي تقترب، بل محاولة لمنع المعركة القادمة. “اذا قمنا بالتصريح بهذه الرسالة بشكل قوي بما فيه الكفاية الآن، فيبدو أننا نستطيع منع الحرب القادمة. ليست لنا أي نوايا هجومية في لبنان”. حسب رأيه، اذا نشبت الحرب رغم ذلك، فان الاستهداف الشامل للبنى المدنية، بالتوازي مع اجراءات اخرى للجيش في الجو والبر، فان هذا سيسرع التدخل الدولي، الامر الذي سيقلل زمن الحرب. “هذا سيجعلهم يتوقفون بسرعة. ومصلحتنا هي أن تكون الحرب قصيرة بقدر الامكان. حتى الآن لم أقل هذه الامور علنا، لكن من المهم البدء في نقل الرسالة والاستعداد من الآن لمواجهة الابعاد القانونية والدبلوماسية. هذه هي الطريقة الافضل لمنع الحرب”.

النظرة التي يعبر عنها بينيت ليست جديدة كليا. في العام 2008، بعد عامين من الحرب الاخيرة في لبنان، قدم قائد المنطقة الشمالية، الذي هو رئيس الاركان الآن، غادي آيزنكوت، “نظرية الضاحية”. وقد تحدث عن التدمير الشامل للمباني في المناطق المحسوبة على حزب الله (كما تم على مستوى مصغر في حي الضاحية الشيعي في بيروت اثناء الحرب)، كوسيلة لردع المنظمة وتقصير زمن الحرب. في تلك السنة اقترح الجنرال احتياط غيورا آيلاند الاضرار بالبنى التحتية السياسية في لبنان خلال الحرب. ولكن حتى الآن لم يتم تبني هذه النظرة كسياسة اسرائيلية علنية أو سرية. تصريحات بينيت تعكس محاولة عضو مركزي في الكابنت تحويلها الى سياسة. التعادل الذي حصلت عليه اسرائيل في غزة في الجرف الصامد، أقنع بينيت بصحة موقفه. هناك ايضا وافقت حماس على وقف اطلاق النار بعد خمسين يوما على الحرب، وفقط بعد أن بدأ سلاح الجو في التدمير المنهجي للابراج السكنية التي كانت فيها منازل قادة المنظمة.

الانتقادات الضعيفة التي اسمعها مراقب الدولة بسبب غياب البدائل السياسية عشية الحرب في غزة، منحت تطورا معينا، رغم انه محدود، للنقاش حول ظروف الحياة الفظيعة في القطاع. عضو الكابنت الوزير اسرائيل كاتس اعلن انه سيقدم مجددا اقتراح لاقامة ميناء على جزيرة صناعية امام شواطيء غزة. والمفاجيء هو ان بينيت ايضا يؤيد فحص هذا الخيار بجدية. اذا كان يمكن تنفيذه بقدر محدود من المخاطرة الامنية. في البيت اليهودي سيفحصون ايضا تأييد خطوات اخرى لتخفيف الوضع في القطاع مثل اعطاء تصاريخ دخول للعمال الزراعيين من القطاع الى المناطق المحيطة بغزة، هذه الخطوة التي يوصي بها ايضا رؤساء السلطات المحلية في النقب. ويبدو ايضا انه في الجناح الاكثر يمينية في حكومة نتنياهو يدركون خطر نشوب الحرب من جديد مع حماس، التي تزيد من قوتها.

ادعاءات اخرى قالها المراقب حول نوعية المعلومات الاستخبارية التي كانت لدى الجيش الاسرائيلي في علاج تهديد الانفاق، واجهت معارضة شديدة ليس فقط من قبل المنتقد الاساسي، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال افيف كوخافي، بل ايضا من قبل رئيس الاركان السابق بني غانتس وقادة آخرين. ولكن التقرير يشمل ايضا ملاحظات اخرى بنيوية حول الاستخبارات، التي تستحق الملاحظة. ووجد المراقب انه بعد الانفصال عن القطاع في 2005 لم توزع اسرائيل بشكل منظم المسؤوليات لمتابعة ما يحدث في القطاع، بين الاجهزة الاستخبارية. وفي هذا السياق لم تتم متابعة تهديد الانفاق، واصبح الاهتمام بالساحة الغزية ضعيف نسبيا من قبل الاجهزة الاستخبارية.

بكلمات اخرى، لم يكن هناك تأثير اسرائيلي على ما يحدث في القطاع. وهذه المسألة يتحمل مسؤوليتها رئيسي الحكومة اولمرت وبعده نتنياهو، المسؤولان عن الاجهزة الاستخبارية بشكل مباشر. عضو الكنيست عوفر شيلح الذي هو عضو في لجنة الخارجية والامن وأحد المنتقدين للجرف الصامد من اللحظة الاولى، سيستغل الانتقادات في التقرير لتقديم اقتراح قانون تنظيم عمل الخدمات السرية.

يقول شيلح إنه في ظل الوضع القانوني الحالي لا توجد لدى وزير الاستخبارات صلاحية حقيقية، ولا توجد جهة حكومية مسؤولة عن عمل الاجهزة الاستخبارية، في الوقت الذي تصل فيه ميزانية الشباك والموساد السنوية معا الى 8 مليارات شيكل. وهذا يساوي ميزانية وزارة حكومية متوسطة. رئيس الحكومة، كما يتبين من تقرير المراقب، يهتم فقط بالمصادقة على العمليات الخاصة ونقاش القرارات الاستراتيجية.

بسبب ذلك يعتقد شيلح أنه نشأ وضع لا توجد فيه صلاحية الرقابة الملاصقة لوضع الحدود الفاصلة بين الاجهزة الاستخبارية والاولويات التي حسبها يجب وضع مصادر جمع المعلومات. هذا اصبح ملحا اكثر لأن طبيعة التهديدات على اسرائيل تغيرت نتيجة الهزة الاقليمية.

إن اقتراح قانون شيلح يقوم بترتيب مكانة وزير شؤون الاستخبارات ايضا كعضو كابنت دائم وكذلك صلاحياته. سيكون الوزير مسؤولا من قبل رئيس الحكومة عن الاجهزة الاستخبارية التي ستبقى خاضعة لرئيس الحكومة. الوزير سيراقب نشاط المنظمتين الاستخباريتين والميزانيات والتعيينات وسيكون مسؤولا عن الصلة اليومية بينها وبين رئيس الحكومة. وسيكون ايضا مسؤول عن النشاط السري والتقديرات الاستخبارية السنوية. وقد سئل شيلح هذا الاسبوع عن فرص نجاح اقتراح قانونه في الكنيست والحكومة الحالية. واجاب أنه لا توجد فرصة في الوقت الحالي.

لا يعترف ولا يعتذر

الحادثة التي وقعت لوزير الدفاع في يوم الاحد في مراسيم احياء الذكرى للمقاتلين غير المعروف مكان دفنهم، كان يمكن تقبلها بتسامح. صحيح ان ليبرمان الذي يفضل عدم الظهور كثيرا في مراسيم احياء الذكرى ومشاركة رئيس الاركان بالعبء، عاد في خطابه واكد مقاطع كاملة من الخطاب الذي القاه سلفه موشيه يعلون قبل سنتين في نفس المراسيم. لكن لا احد يتوقع من وزير الدفاع المنشغل بأن يكتب بنفسه الخطابات في المراسيم ومعرفة ما قاله سلفه في ظروف مشابهة. ومن اجل هذا بالضبط يوجد للوزير مساعدين.

من حق المساعدين أن يخطئوا ايضا. إلا أن رد مكتب ليبرمان، الذي كشف عنه في القناة 10، لم يشمل أي اعتراف بالخطأ أو الاعتذار. الدفعة المعنوية التي ما زال ترامب يقدمها للانظمة في ارجاء العالم يمكن الشعور بها في اسرائيل ايضا. كما يظهر ذلك في ردود رئيس الحكومة، يبدو أن ليبرمان ايضا تبنى طريقة الرئيس الامريكي الجديد: عدم الاعتراف بالخطأ أو الاعتذار. قال المكتب في رده ان طبيعة مراسيم احياء الذكرى هي الحديث عن القصص التي لا تتغير مع مرور السنين.

لولا نشر هذا الرد بعد تقرير مراقب الدولة ببضعة ايام، ولولا تكرار اخطاء اسرائيل التي ادت الى التدهور الى الحرب في صيف 2014، لكان يمكن اعتبار ذلك أمر يمكن تحمله.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى