مقالات مختارة

حفر مضاد: اليكس فيشمان

 

حينما كان الجنرال احتياط دان هرئيل قائدا للمنطقة الجنوبية ومديرا عاما لوزارة الدفاع في فترة عملية الجرف الصامد، أراد أن يشعر على جلده ماذا يعني نفق، وصمم على الزحف إلى داخل أحد الانفاق التي حفرتها حماس في منطقة غوش قطيف. وقد تم ربط الجنرال بحبل، لكن بعد بضعة عشرات من أمتار الزحف، وعندما لاحظ المرافقون الذين انتظروا في الخارج أن الحبل لم يعد يتحرك، خافوا وقاموا بسحبه من جديد. قد يكون هذا ذا صلة أو لا، لكن حتى الجرف الصامد شعرت القيادة العسكرية بعدم الراحة من ارسال المقاتلين إلى داخل الانفاق. والريبوتات هي قصة اخرى.

في العقد الماضي شغلت الانفاق ضباط الهندسة والضباط رفيعي المستوى في قيادة الجنوب بالتحديد، وبشكل أقل شغلت هيئة الاركان ووزارة الدفاع. وفقط بعد الجرف الصامد انتقل القتال إلى داخل الانفاق وفوقها وفي فتحاتها، حدث تغير حقيقي، جزء من هذا التغير هو بناء العائق الجديد على حدود غزة الذي يشمل مواد تحت ارضية على عمق عشرات الامتار. وفي نهاية العملية، عندما يصل حافر النفق الفلسطيني إلى العائق سيضطر إلى اقتحامه. هذه بداية اصلاح الاخفاق في هذا المجال، الذي خصص له مراقب الدولة جزءا مركزيا في التقرير الذي قام بنشره في هذا الاسبوع. وحسب الخطة سيتم استكمال بناء العائق بعد سنة ونصف.

تقنية العائق الذي يبنى الآن على حدود القطاع طرحت على جدول العمل لقيادة الجنوب منذ عشرين سنة في سياق مواجهة الانفاق في محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر. إلا أن التكلفة التي طرحت كانت خيالية وهي 21 مليار شيكل، وبسبب ذلك تم الغاء المشروع. وتبين فيما بعد أن تقديرات هذه التكلفة كان مبالغا فيها ولم يتم التدقيق فيها. وتبين أنه كان يمكن التوصل إلى نفس النتيجة بتكلفة أقل كثيرا.

مثل كل انقلاب في الجيش الإسرائيلي، ايضا انقلاب القتال في الانفاق يبدأ بالتكتيك والتكنولوجيا، وبعد ذلك فقط يجلسون في الجيش ويبدأون في التفكير في نظرية العمل. منذ عملية الجرف الصامد بلور الجيش خطط تنفيذية وقام ببناء الوحدات وشراء الوسائل وتدريب المقاتلين. ولكن يمكن القول إن ما جاء في تقرير المراقب حول نظرية العمل يصلح في هذا الوقت ايضا، وما زال هناك مكان لاسئلة مثل هل يجب الدخول إلى النفق من اجل تدميره، وفي أي مرحلة من القتال يجب علاج الانفاق. إن قطار بناء القوة القتالية في الانفاق يتقدم ويسير بسرعة. والاخطاء في المسار سيتم اصلاحها بعد ذلك حسب الاطار الذي سينشأ. هذه عقلية تنظيمية، كان من المفروض أن يتخلص منها الجيش منذ زمن.

الفرقة المتقدمة

إن التطورات في الشرق الاوسط لا تنتظر. وقد جاء في تقدرات الاستخبارات العسكرية السنوية أن إسرائيل لا تلاحظ أي نية لدى حماس لكسر الوضع القائم والبدء في جولة اخرى. امور مشابهة قالها رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هليفي عندما ظهر أول أمس في لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست. ولكن من لسعته الشوربة في آب 2014 فهو ينفخ في الزبادي في العام 2017. يمكن القول إن الاستعداد العالي جدا في الجيش الآن يتركز في اقتحام القوات الخاصة لحماس (النخبة) للانفاق. في الجزء الاخير من 2016 قدم رئيس الاركان غادي آيزنكوت للجيش عدد من «العوامل الحاسمة الاستراتيجية» التي تفترض اتجاهات بناء القوة. وعلى رأس القائمة يجب أن يكون تهديد الانفاق.

في اجتماع مغلق عقده رئيس الاركان في يوم الاربعاء الماضي مع الجنرالات المتقاعدين، أوضح أن الجيش الإسرائيلي لن يحظى بوقت كبير للتحذير، يمكنه من تقليص الفجوات واستكمال التدريب وما شابه. التغيير في طابع التهديد ألغى عمليا مفهوم «التحذير طويل المدى». ولذلك أمر رئيس الاركان الضباط بأن يكونوا مستعدين الآن لحدث متدحرج في كل جبهة من الجبهات، مع التشديد على قطاع غزة الاكثر قابلية للاشتعال.

المقصود هنا هو استعداد القوات والقدرة على تحريك القوات خلال وقت قصير وبمستوى لم يسبق للجيش أن عرفه من قبل. ويطلب آيزنكوت ايضا مرة كل اسبوعين التقارير حول تقدم مشروع التحصين وجاهزية القوات تجاه قطاع غزة. قيادة المنطقة الجنوبية هي أول من نفذ تدريب في كانون الثاني الماضي، الذي فحص الجاهزية أمام هجوم مفاجيء لحماس مع التركيز على اقتحام مقاتلي النخبة من خلال الانفاق الهجومية.

من اجل تعزيز الرد الهجومي أمام قطاع غزة نفذ الجيش عدد من التغييرات البنيوية. ففي كانون الثاني 2016 تم نقل الفرقة النظامية 162 من القيادة الوسطى إلى القيادة الجنوبية، وهذه الفرقة تحولت إلى مركز المعرفة بخصوص خطة الهجوم من اجل السيطرة على أجزاء واسعة في القطاع. وفرقة غزة هي المسؤولة عن وضع خطة للدفاع. وخلافا للسابق يمكن أن تشمل خطة الدفاع فصل يتحدث عن تدمير الانفاق، ومن وراء هذا البند توجد قدرة حقيقية في البر والجو، بُنيت منذ الجرف الصامد.

في 15 تشرين الاول 2016 قتل الرائد اوهاد كوهين، نائب قائد طائرة الـ اف 16، عندما ترك طائرته في مطار رمون. وقد كانت الحادثة بعد عودته من عملية عسكرية فوق قطاع غزة. وسقوط كوهين ظلل على الحادثة التنفيذية التي لم يعد منها.

في تقرير مراقب الدولة عن الجرف الصامد تم توجيه الانتقاد بأن سلاح الجو لم يكن مستعدا لتنفيذ هجوم ضد الانفاق في غزة. اضافة إلى ذلك يتبين أن سلاح الجو قد تدرب وبنى قدرات وقام بشراء وسائل قتالية لمواجهة اهداف تحت ارضية تختلف عن الموجودة في القطاع، حيث دخل في عملية الجرف الصامد كلاعب رئيسي دون التمكن من اعطاء النتائج التي تؤدي إلى انجاز حقيقي. اثناء العملية طلب من سلاح الجو بناء قدرة استخبارية مستقبلية لاحتياجاته، لكنه فعل ذلك بشكل جزئي. وحتى نهاية العملية لم يعرف سلاح الجو كيفية مواجهة هذا التهديد، بالضبط مثل سلاح المشاة. يمكن القول إن اقوال مشابهة حول غياب جاهزية سلاح الجو لن تظهر في التقرير القادم. وبالنسبة لحماس ستكون هذه نقطة تحول من شأنها أن تحول الانفاق إلى مقابر. وهذا التعبير محبب على رئيس لجنة الخارجية والامن ورئيس الشباك الاسبق عضو الكنيست آفي ديختر.

في 27 شباط/فبراير 2017 ارتكبت حماس خطأ آخر عندما لم تنجح في منع اطلاق الصواريخ على إسرائيل. وقد كان هذا مبررا ممتازا. فسلاح الجو عاد إلى قطاع غزة وأصاب مرة اخرى هدفين حيويين لحماس. الامر الذي يجب أن يفاجيء حماس ليس فقط حقيقة أن الاهداف التي يخصص لها ملايين الشواقل وسنوات من العمل، معروفة لإسرائيل، بل أن عشرات القذائف الثقيلة جدا التي تم القاءها من الجو لم تسبب حتى الآن الاصابات.

تهديد آخر يحاول سلاح الجو الاجابة عليه هو الطائرات بدون طيار. بالنسبة لحماس عدد من هذه الطائرات يفترض أن يكون مثابة قنابل دقيقة تسقط على مواقع استراتيجية واماكن سكنية في إسرائيل. الطائرة بدون طيار هي أداة لا يمكن للطائرات الكبيرة والسريعة مواجهتها. ويقوم سلاح الجو بتطوير تقنية لمحاربة الطائرات بدون طيار. في 23 شباط تم اسقاط طائرة بدون طيار لحماس فوق البحر المتوسط. والهدف هو تطوير قدرة يمكنها اصابة الطائرة بدون طيار، سواء بواسطة صاروخ ارض ـ جو أو بواسطة الطائرات القتالية. ويمكن القول إن الجيش الإسرائيلي سيجد الرد المناسب ايضا على الطائرات بدون طيار التي تستخدمها حماس.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2004 قتل قائد الانفاق في فرقة غزة، المقدم موشيه ترانتو، عندما انهار عليه نفق. وقبل ذلك ببضعة اشهر قتل سلفه في المنصب المقدم أفيف حكاني بسبب انفجار مدرعة اثناء عملية عسكرية في محور فيلادلفيا. هذه الصدمة بقيت منقوشة حتى الآن، لكن على مدى الـ 12 سنة التي مرت ازداد جهاز محاربة الانفاق بشكل كبير واستثمرت فيه مصادر كثيرة.

في سلاح المشاة تم القاء المسؤولية على سلاح الهندسة كي يكون مركز المعلومات في مجال تطوير نظريات علاج الانفاق وتطوير الوسائل وتشغيلها وتدريب القوة البشرية. الامر الذي يعني أن القوة التي ستقوم باقتحام القطاع ستكون ضعف القوة التي تختص بالحرب تحت الارضي، والتي تقوم بتشغيل الوسائل في هذه الحرب قياسا مع الجرف الصامد. مقاتلو سلاح الهندسة المدربون لن يحتاجوا إلى الانتقال من فتحة نفق إلى آخر، مثلما حدث في الجرف الصامد. والقوات الاخرى لن تضطر إلى التوقف وانتظارهم. أحد المواضيع التي تم التخصص فيها هي الريبوتات. والوحدة تهتم بتطوير وشراء الوسائل لتدمير الانفاق خلال فترة زمنية قصيرة. الحديث يدور عن مجال استثنائي في الجيوش في العالم، جزء منه يختص بالكشف عن الانفاق والجزء الآخر يهتم بالعمل على تدميرها بواسطة وسائل هندسية ثقيلة. وقد قام الجيش بشراء وسائل ثقيلة وحفارات لهذه المهمة. وحدات الهندسة مسؤولة ايضا عن مواقع التدريب التي أنشئت في اعقاب الجرف الصامد، والتي يتم تدريب الجنود فيها في موضوع الانفاق. إن المعرفة بالانفاق ستسهل على المقاتلين اللقاء الاول معها في قطاع غزة. ضابط الهندسة الرئيسي، العقيد اوشري لوغاسي، هو عضو في طاقم المتابعة في مكتب رئيس الاركان، ويفترض أن يقدم له مرة كل بضعة اسابيع تقريرا حول تطوير الوسائل والتدريبات والمعلومات الموجودة لدى سلاح الهندسة حول موضوع الانفاق.

التحليلات التي تمت في هيئة الاركان وقيادة المنطقة الجنوبية بعد الجرف الصامد أدت إلى الاستنتاج بأن المواجهات مع حماس أوجدت الردع، لكن لزمن محدود. والمعركة تميزة بفترة زمنية أطول من المخطط له، واستخدام القوة الزائدة. وما بدا للجمهور كمناورة برية هجومية في القطاع كان عمليا خطوة دفاعية. اضافة إلى ذلك فإن طريقة العمل التي اختارها الجيش الإسرائيلي تسببت بضحايا في الذراع العسكري لحماس، لكن الاطار العسكري للمنظمة لم يتفكك واستمر بالقتال، والوقت الذي مر من اجل اعادة النهوض كان سريعا. قسم كبير من قيادة الوسط وما دونها لحماس اختفى اثناء القتال تحت الارض. الحديث يدور عن شبكة الانفاق التي يبلغ طولها نحو 100 كم، والتي حسب اقوال مراقب الدولة لم يتم التحقيق فيها في الاجهزة الاستخبارية. وفي المواجهة القادمة لن يتم تجاهل هذه الانفاق، حيث أن وحدات حماس التي تختفي تحت الارض وتظهر بشكل فجائي أمام قوات الجيش الإسرائيلي توجد فيها. الخطة العسكرية التي وضعت في قيادة الجنوب يفترض أن تصل إلى هؤلاء الاشخاص في اماكن اختبائهم.

تعدد الأنفاق

يمكن القول إن جزء من الانفاق الدفاعية لها اتصال فيزيائي مباشر مع الانفاق الهجومية. وهذا يحتاج بذل الجهود الاستخبارية الكبيرة للتعرف على هذه الشبكة كنوع من التحذير لاقتحام مقاتلي النخبة لبؤرة أو قوة عسكرية إسرائيلية. إذا ليس فقط على الخطة التنفيذية أن تكون مختلفة، بل ايضا حجم الاستثمار في الاستخبارات يجب أن يكون مختلفا عما كان عليه عشية عملية الجرف الصامد. وفي حينه ايضا تم استثمار مصادر كبيرة جدا. ومنذ عملية الجرف الصامد حدثت تغييرات تنظيمية وتمت اقامة طواقم تسعى إلى البحث عن المسارات التحت ارضية. مئات المحققين في الاستخبارات العسكرية وقيادة الجنوب يهتمون الآن بالبحث في موضوع الانفاق.

فوهات الانفاق التي تم اكتشافها في إسرائيل قبل عملية الجرف الصامد، اكتشفت بالصدفة تقريبا. وقد كان دور التكنولوجيا في كشف هذه الفوهات دور هامشي. في شهر أيار/مايو 2014، قبل العملية بشهرين، أجرى قائد المنطقة الجنوبية في حينه، الجنرال سامي ترجمان، مناورة لفحص قدرة المنطقة الجنوبية في مواجهة الانفاق. وكان استنتاجه أنه لا يعرف أين توجد الانفاق ولا يعرف كيفية الدخول اليها. وقبل بضعة اسابيع من عملية الجرف الصامد حدث تطور يُمكن من معرفة مكان الانفاق. وهذا هو التطور الذي شجع العملية البرية التي أدت إلى العثور على 32 نفق في القطاع. المعرفة والتكنولوجيا التي تم التوصل اليها قبل انتهاء الحرب هي الاساس الذي تم الاعتماد عليه لبناء المعرفة فيما بعد. الآن بعد مرور سنتين ونصف على عملية الجرف الصامد، المعادلة التي توجد بين آلهة الحظ والقدرة على تحديد مكان الانفاق ومواجهتها بدأت في التحول.

دولة إسرائيل تستثمر الآن نحو 3 مليارات شيكل في مشروع محاربة الانفاق، الذي يشمل بناء عائق حول قطاع غزة. الخطط موجودة والجهود ظاهرة للعيان، لكن السؤال هو ما الذي سيحدث في الامتحان الحقيقي القادم للجيش.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى