مقالات مختارة

ادعاءات نتنياهو تحولت إلى شظايا: عاموس هرئيل

 

في اللقاءات الكثيرة التي اجراها نتنياهو في الصيف الاخير مع وسائل الإعلام طرح ادعاءين اساسيين ردا على مسودة تقرير مراقب الدولة بخصوص عملية الجرف الصامد. أولا، قال ان مجلس الوزراء كان شريكا كاملا حول تهديد الانفاق، خلافا للاستنتاج الذي توصل اليه المراقب يوسف شبيرا. وكدليل على ذلك قدم رئيس الحكومة للمراسلين قائمة طويلة من النقاشات التي ذكر فيها موضوع الانفاق. ثانيا، زعم نتنياهو ان الخطط التنفيذية التي وضعها الجيش بمصادقته لمواجهة المشكلة، كانت كافية، كما تؤكد النتيجة ـ وهي تدمير الانفاق الهجومية.

مراقب الدولة يرفض هذان الادعاءات كليا في تقريره النهائي، الذي نشر امس بعد تأخير كبير ـ بالضبط بعد مرور سنتين ونصف على الحرب. يتبين من التقرير المفصل أن وزراء مجلس الوزراء لم يكونوا مطلعين على خطر التهديد، وأن ذكر الموضوع لم يكن أكثر من عابر، قياسا مع نقاشات امنية اخرى واجهتها إسرائيل. بكلمات اخرى، مراقب الدولة يتبنى موقف الوزير نفتالي بينيت بخصوص الخلاف السياسي المركزي حول الانفاق.

كان نتنياهو يدرك التهديد، واهتم بالاعداد له، مع رؤساء الاجهزة الامنية، لكن معظم اعضاء مجلس الوزراء تلمسوا في الظلام. وفقط تصميم بينيت هو الذي دفع إلى النقاش حول الانفاق، بدء من 30 تموز/يوليو 2014 ـ اليوم الذي وجدت فيه جثث الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا في غوش عصيون وقبل اسبوع من الخروج إلى العملية.

ادعاء نتنياهو الثاني ايضا حوله شبيرا إلى شظايا. لم يكن الجيش الإسرائيلي مستعدا بالشكل المناسب لتهديد الانفاق ولم يصمد في امتحان النتيجة، هذا خلافا للصورة الخاطئة التي قدمت للجمهور في نهاية الحرب. فقط نصف الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس إلى داخل إسرائيل والتي تم الكشف عنها، دمرت. الخطة التنفيذية التي بدأ الجيش الحرب بها «دفاع متقدم»، اهتمت بتدمير انفاق معينة فقط، لذلك اضطر الجيش إلى عدد من المتغيرات في محاولة للقيام بمهمته.

يقول المراقب ايضا ان التهديد من غزة وضع في مكان منخفض في اولويات الاستخبارات، لأن رؤساء الحكومات امتنعوا عن القول من هو المسؤول الحقيقي عن جمع وتحليل المعلومات حول غزة بعد الانفصال في العام 2005، وأن الجيش تنقصه الادوات والتدريب والنظرية الحربية الملائمة والمعلومات الدقيقة لعلاج خطر الانفاق.

جميع هذه الاخطاء، التي يلقي المراقب المسؤولية عنها على نتنياهو فما دونه، حتى رؤساء اقسام الاستخبارات والعمليات في هيئة الاركان، اسهمت في اطالة المعركة. عملية تدمير الانفاق استمرت ثلاثة اسابيع بدل ثلاثة ايام، كما توقع وزير الدفاع يعلون في حينه. ورغم ان هذا لا يقال بشكل فظ، فلا شك ان الفجوات والاخفاقات المذكورة في التقرير كلفت حياة جنود. ويقتبس المراقب نائب رئيس الاركان الجنرال يئير غولان: يحظر على الجيش تكرار سلوكه الخاطيء في الاستعداد لخطر الانفاق في غزة. الاغلبية الحاسمة من استخلاصات مراقب الدولة تبدو صحيحة وذات صلة، سواء في استيضاح ملابسات الفشل في الحرب أو في الاستعداد للحروب القادمة التي قد تنشب وفي ظروف مشابهة، في غزة أو لبنان. يوجد لنتنياهو ويعلون، الاكثر تضررا من التقرير، ادعاءان يجب سماعهما: الاول يتعلق بنتائج المعركة. الهدوء النسبي في غزة في العامين والنصف الاخيرين هو استثنائيا مقارنة بالعقدين الاخيرين. الثاني يتعلق بمجلس الوزراء. يبدو مجلس الوزراء الحالي كجسم ضعيف، وفقط عدد قليل من وزرائه يعرفون ما الذي يحدث أو يريدون معرفة الامور الأمنية بشكل عميق (وهذا ايضا يتحمل مسؤوليته نتنياهو). في هذه الملابسات مشكوك فيه أن اشراكهم في المعلومات واتخاذ القرارات كان سيؤدي إلى نتائج افضل في ادارة المعركة. جزء آخر من الاستنتاجات، الذي يثير الخلاف حول اداء قسم الاستخبارات في هيئة الاركان في قضية الانفاق، وبشكل أقل اداء الشباك. يتحدث المراقب بتوسع عن الفجوات في الاستعداد الاستخباري للتهديد. يبدو أن مستوى المطالب التي وضعت أمام الاستخبارات كان عاليا نسبيا، ايضا مع مراعاة التهديدات الاخرى. في لقاء مع اعضاء اللجنة قال رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال افيف كوخافي ان الادعاء بعدم وجود المعلومات بشكل كاف ـ مثلا حول وجود الانفاق الدفاعية لحماس في عمق الميدان ـ يشبه انتقاد الاطباء الذين نجحوا في ايجاد طريقة لمواجهة «80 نوع من السرطان، لكن ليس 80 نوع مختلف».

حول مسألة مهمة اخرى تتعلق بالحرب والتدهور نحوها، قلل مراقب الدولة من حديثه، وهذا الامر لم يطرح في استعراض التقرير امام وسائل الإعلام. تزعم الاستخبارات العسكرية الآن وبنظرة إلى الوراء ان الحرب نشبت نتيجة التواصل الخاطيء وسوء الفهم بين إسرائيل وحماس. يجب على المستوى الاستراتيجي، رغم أن الطرفين لم يسعيا للمواجهة في غزة، ساهم عدد من القرارات في القدس وغزة في حدوث التصعيد الذي كانت نهايته التصادم. أما على المستوى التكتيكي فقد ساهم عدد من الاحداث في المنطقة بين كيبوتس كرم أبو سالم ومدينة رفح في اندلاع الحرب.

أحضر الشباك معلومات حول سعي حماس إلى عملية كبيرة من خلال اقتحام الحدود. هذه العملية التي قد تشمل قتل وخطف من قبل المخربين الذين سيخرجون من النفق. سلاح الجو قصف النفق. وردا على ذلك قام الذراع العسكري لحماس بالتحضير لعملية خوفا من ان تؤدي الخطوات الإسرائيلية إلى فقدان الانفاق. وقد قتل في القصف الإسرائيلي سبعة من مقاتلي حماس، اضافة إلى نشيط آخر مسؤول عن منع اطلاق الصواريخ من قبل المنظمات السلفية الصغيرة. في هذه المرحلة انجر الطرفان إلى الدائرة السحرية للصواريخ والقصف المضاد، وخلال يومين اندلعت الحرب فعليا.

هل كانت هناك طريقة لمنع هذه الحرب؟ يشير المراقب باختصار إلى أن إسرائيل لم تفحص بدائل سياسية اخرى. والنقاش في مجلس الوزراء حول عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة كان منفصلا عن النقاش الاستراتيجي. ويقتبس المراقب تحذير منسق شؤون المناطق الجنرال يوآف مردخاي قبل عملية الجرف الصامد باسبوعين، بأن الضائقة في غزة غير مسبوقة، وان هذا سيؤثر على الوضع الامني في الجنوب.

يجب علينا أن نضيف إلى هذه الاقوال عدد من القرارات الإسرائيلية التي ادت إلى تدهور الوضع: اللامبالاة تجاه تأثير استمرار الحصار على غزة، حيث زاد في اعقاب اغلاق معبر رفح من قبل مصر. وافشال مبادرة تحويل الرواتب لآلاف موظفي الحكومة في غزة من خلال قطر وبمساعدة الأمم المتحدة.

يقول أوريون، الباحث في مركز بحوث الامن القومي في جامعة تل ابيب، انه رغم زيادة حركة البضائع من إسرائيل إلى القطاع بعد الحرب، فإن ازمة البنى التحتية العميقة والبطالة في القطاع بقيت على حالها حتى الآن. بكلمات اخرى، جزء كبير من العوامل التي ساهمت في اندلاع الحرب في صيف 2014 قد تؤدي إلى تدهور آخر في الصيف القريب أو بعده ـ والان ايضا يمكن أن يتم الامر دون وجود نية معلنة لدى اي طرف من الطرفين.

في هذا الشأن تجدر الاشارة إلى حقيقة اخرى، يتطرق اليها المراقب تلميحا فقط، الحل التكنولوجي الهندسي للانفاق الهجومية في حدود القطاع، الذي أعلنت إسرائيل انها ستستثمر فيه 2.5 مليار شيكل. وهذا الحل ما زال يوجد في المراحل الاولى. لقد بدأ العمل عليه في مقطع معين في حدود القطاع، ولا أحد من الجهات الأمنية المسؤولة عن ذلك يستطيع القول في هذه المرحلة إن هذا الحل سيضع حدا لتهديد الانفاق. هذا التهديد المعروف للجيش الإسرائيلي منذ أكثر من 15 سنة.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى