مقالات مختارة

الجيش السوري يقطع الطريق على الغزو التركي: الشرق بوصلة «سباق الأمم» صهيب عنجريني

 

خطا الجيش السوري أمس خطوة مهمّة على طريق «وقف التمدد التركي» في ريف حلب الشرقي، مع ما يعنيه ذلك من وضع عقبات جديدة أمام طموحات أنقرة للمشاركة في معارك الرقّة. الجيش حرّر عشرات القرى والبلدات ليصل مناطق سيطرته بمناطق سيطرة «قسد» في ريف منبج. في لغة الميدان، باتت أي خطوة تركيّة جديدة في حاجة إلى «تفاهم» مع دمشق، أو «قسد»، أو إلى صدام مع أحدهما. لكن التطورات الميدانية ليست سوى حلقة في سلسلة مجريات آخذة في التسارع في ملف الشمال والشرق، بعضها علني ومعظمها خفي، وميادينها ممتدة من أربيل إلى أنقرة إلى دمشق… وأبعد

أدخل الجيش السوري أمس تغييراً نوعيّاً مهمّاً على خريطة السيطرة في المنطقة الممتدة بين الباب ومنبج. نجاح الجيش في بسط سيطرته على عشرات القرى والبلدات في ريف الباب الشرقي وصولاً إلى خطوط تماس مع مناطق سيطرة «مجلس منبج العسكري» (أحد مكوّنات «قسد») يعني بطبيعة الحال وضع لبنة أساسيّة لفرملة الغزو التركي تحت عنوان «درع الفرات»، ويجعل المواجهة مع الجيش محطّة إلزاميّة في طريق أيّ محاولة تقدّم تركية على هذا المحور.

الخيارات المتاحة أمام أنقرة في سبيل مزيد من التوغّل ستكون مواجهة الجيش، أو مواجهة «قوّات سوريا الديمقراطيّة»، وهما خياران دونَهما عقبات وتعقيدات كثيرة، من بينها خطوط حمراء روسيّة من جهة، وأميركيّة من جهة أخرى. ولوضع الأمور في إطارها الصحيح، ينبغي التذكير بأنّ هذا لا يعني انتصاراً على قوّات «درع الفرات» ولا يلغي حقيقة أن الاحتلال التركي حاضر على حوالى 5000 كيلومتر مربع. ومن المعروف أن سيطرة «درع الفرات» على مدينة الباب قبل فترة وجيزة جاءت لتضع حدّاً لكل ما قيل عن «خطوط حمراء روسيّة» على هذا الصعيد، ما يعني أنّ كل الاحتمالات تبقى مطروحة في الميدان، وأنّ ما يُتفق عليه اليوم ليس بالضرورة أن يكون مفعوله سارياً في الغد. وثمّة تفاصيل كثيرة تستدعي التوقّف عندها في ملف الشمال والشرق السوريين، مع ما يتضمنّه ذلك من تعقيدات الملف الكردي. ويبدو مسلّماً به أنّ ملف «أكراد سوريا» كان حاضراً على رأس المواضيع التي بحثها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني في تركيا مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدريم. وتبرز في هذا السياق معلومات حصلت عليها «الأخبار» تفيد بأن «مبعوثاً من قبل البرزاني زار دمشق أخيراً والتقى عدداً من المسؤولين السوريين». وتنضم إلى هذه المعلومات أخرى تفيد عن «نشاط مكوكي متزايد لرئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق محمد دحلان في ما يتعلّق بالملف الكردي على وجه الخصوص».

ويُنظر إلى دحلان بوصفه أحد «عرّابي التقارب بين دولة الإمارات و(الإدارة الذاتية) التي يشكل الأكراد عمودها الأساسي»، وهو تقارب آخذ في الصعود بشكل لافت (راجع «الأخبار»، العدد 3107). وليس من الواضح بعد مدى التأثير الذي قد يتركه التقارب مع الإمارات في الأداء السياسي الكردي، غير أنّ تفصيلاً لافتاً يحضر في هذا السياق ويرتبط بـ«المؤتمر العام لمجلس سوريا الديمقراطيّة» الذي عُقد أخيراً. ورغم أنّ «المؤتمر» لم يخرج بـ«قرارات كبيرة» مثل الإعلان «عن تطبيق الفدراليّة» كما كان متوقّعاً، غير أنّه تضمّن «انتخاب رئيس مُشترك» جديد إلى جانب إلهام أحمد. وكان منصب «الرئيس المشترك» قد بقي شاغراً منذ تخلّى عنه المعارض السوري هيثم منّاع. ويكتسب هذا التفصيل أهميّته من طبيعة الشخص الذي «تم انتخابه»، وهو الشيخ رياض درّار، أحد أبناء دير الزور. يقيم درار في الوقت الراهن في النمسا، ويُنظر إليه بوصفه «ذهنية منفتحة». ومن المعلوم أن «مجلس سوريا الديمقراطيّة» بات حريصاً في الفترة الأخيرة على إيلاء دير الزور أهميّة خاصّة في الحسابات العسكريّة والعشائريّة والمجتمعيّة. وتعليقاً على معلومات الانخراط الإماراتي المتزايد في ملف الشمال السوري، يؤكد مصدر سوري بارز أنّ «دمشق تراقب كل التحركات، وتعرف متى تقوم بالخطوة المناسبة على كل الصّعد». يمتنع المصدر عن التعليق على المعلومات التي تشير إلى «استقبال دمشق مبعوثاً من أربيل»، ويحرص على حصر الحديث في التطورات الميدانيّة. يقول لـ«الأخبار» إنّ «الحقائق التي تدوم هي تلك التي يخطّها الجيش العربي السوري في الميدان، وليست انتصارات ريف حلب الشرقي وريف حمص الشرقي ومحيط تدمر سوى حلقات في سلسلة ستكون حافلة بالمفاجآت». ثوابت دمشق واضحة وفقاً للمصدر، «لا تنازل عن وحدة الأراضي السوريّة، والقوّات التركيّة هي قوّات احتلال شأنها في ذلك شأن أي قوّات أجنبيّة موجودة على التراب السوري من دون التنسيق مع السلطات السوريّة الشرعيّة». العبارة المفضّلة عند كثير من المسؤولين السوريين تحضر في نهاية كلام المصدر، «العبرة في الخواتيم». ولا يبدو أنّ السلطات السورية هي الوحيدة التي تشعر بالارتياح على وقع تطوّرات الميدان. يحضر ارتياحٌ مشابهٌ في أوساط «قوات سوريا الديمقراطيّة» و«مجلسها»، لكن بواعث الارتياح تبدو مختلفة لدى الأخيرة، ويرتبط معظمها بـ«الحليف الأميركي». وسجّلت «قسد» أمس تحركاً لافتاً ومفاجئاً في اتجاه الخفسة (ريف حلب الشرقي)، من دون أن يعني هذا بالضرورة صداماً محتملاً مع الجيش السوري. ويمكن لهذا التفصيل أن يكون إحدى النقاط المُنسّق في شأنها، كما يمكن أن يكون «خطوة احترازيّة» تحاول عبرها «قسد» إبقاء مناطق سيطرتها ممرّاً وحيداً نحو الرقّة. المتحدّث الرسمي باسم «قسد»، طلال سلو، يُذكّر بأنّ وجود خطوط تماس بين الجيش السوري و«قسد» ليس أمراً جديداً. يقول لـ«الأخبار» إنّ «هذا الأمر حاصل في كثير من النقاط، أبرزها ريف حلب الشمالي (عفرين ومحيطها) والحسكة بطبيعة الحال، حتى إن المطار المدني في القامشلي هو في الواقع تحت سيطرتنا». ويضيف «نحن على يقين من أن الجيش السوري لن يهاجم مناطقنا». يؤكد المتحدث أنّ الأمر لا يتعلّق بوجود «طرف ضامن ولا اتفاقات بين الطرفين، بل بحالة ضبط نفس والتزام»، ويضيف «طبعاً لا تمكن مقارنة عناصر الجيش السوري بمرتزقة درع الفرات، عناصر الجيش منضبطون وملتزمون بسياسة وأوامر». يؤكد في الوقت نفسه أنّ «مستقبل علاقتنا مع النظام هو التفاهم السياسي، وليس الصدام العسكري حتماً». ويضيف «نحن نعي تماماً أنّ الحل لا بد أن يكون في النهاية سياسياً، ونرى ضغط المجتمع الدولي ومجلس الأمن على الجميع في هذا السبيل، فلماذا ندخل في صدامات ومعارك ونجلب الويل للشعب ثم نذهب إلى الطاولة؟». كذلك، لا تستشعر «قسد» مخاوف من مهاجمة «درع الفرات» لمناطق سيطرتها، لكنّ الأسباب مختلفة هنا. يقول سلو «لن تتجرّأ تركيا على مهاجمتنا، هناك طرف ضامن بعدم اعتداء أيّ من الطرفين على الآخر (قسد، وأنقرة) وهو الطرف الأميركي، وكل ما نسمعه من تركيا في هذا الإطار يمكن إدراجه ضمن خانة الحرب الإعلاميّة لا أكثر». يحرص المتحدث باسم «قسد» على الإشارة إلى أنّ «التطورات ستكون مفيدة من النواحي المدنية والتجاريّة حتماً»، وهو أمر سبق أن أشار إليه «مسؤولون في مجلس سوريا الديمقرطيّة» إبّان توتر العلاقة بين «الإدارة الذاتية» ودمشق على صفحات «الأخبار» بوصفه «أحد المكتسبات التي يمكن جنيها إذا ما تم التنسيق بين الطرفين» («الأخبار»، العدد 3015). المنافع التجارية والانسانيّة المتوخّاة يكررها السياسي الكردي ريزان حدّو، أحد الحاضرين الفاعلين في منطقة عفرين. لكنّ الأخير يحرص على الإشارة إلى «مكاسب سياسيّة وعسكريّة، على رأسها توجيه ضربة قوية للمشاريع المعروفة بأسماء شرق الفرات وغرب الفرات وسوريا المفيدة، ما يعني بالتالي انعكاساً إيجابيّاً على وحدة الأراضي السورية». وبوصفه «رئيس المكتب السياسي للمقاومة السورية»، يشير إلى أهميّة هذه التطورات في «إغلاق الحدود السورية التركية وحصر المناطق التي تحتلها تركيّا وعزلها عن محيطها السوري كحالة مؤقتّة، ليُصار لاحقاً إلى إخراج الجيش التركي من الأراضي السورية».

«قسد»: أميركا معنا على الأرض

تبدو «قسد» مطمئنّة بشكل كبير إلى علاقتها مع الأميركيين. ويؤكد الناطق الرسمي باسمها، طلال سلو، أن «أميركا ليست طرفاً ضامناً وحليفاً سياسياً فحسب، بل هي معنا على الأرض». يقول لـ«الأخبار» إنّه «وخلافاً لما يظنه الكثيرون، فإن الدعم الأميركي قد ازداد بعد وصول (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب (إلى البيت الأبيض)، سواء الدعم بالسلاح والعتاد أو حتى بالقوات». ويلفت إلى أن «زيادة القوات الأميركية الخاصّة يأتي وفق مقترح أميركي»، وهو أمر جاء على ما يبدو كوسيلة طمأنة إضافيّة. يتحفّظ سلو على الخوض في عديد القوات الأميركيّة في مناطق سيطرة «قسد»، لكن حديثه يوحي بأنّ العديد أكبر ممّا يتم الحديث عنه في الإعلام. وينفي كل ما يُشاع عن ضغوطات أميركيّة على «قسد» لفتح ممر أمام القوات التركيّة للمشاركة في معارك الرقّة، ليقول «أنا كنت ممن اجتمعوا مع (السيناتور الجمهوري جون) ماكين، ولم يتم الحديث عن فتح (كوريدور) ولا سوى ذلك». ووفقاً لسلو، فقد «طرح الطرف الأميركي فكرة مشاركة أنقرة في معركة الرقة ونحن رفضنا، وقد تفهّم الأميركيون موقفنا».

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى