مقالات مختارة

ترامب وحرائق الشرق الأوسط: ناحوم برنياع

 

عندما يقوم رئيس دولة اجنبية بزيارة البيت الابيض، يوجد الرئيسان تحت الغرفة الشرقية. كل واحد منهما يقرأ تصريحه ويجيب على اسئلة المراسلين. اثنان منهم أمريكيان واثنان من الأجانب. وفي العادة يتم إعطاء الأولوية لمحطات التلفاز التي تبث الحدث. وكل شيء يتم بالاتفاق والتنسيق المسبق.

ترامب قام بالشذوذ عن هذا التقليد. المراسل والمراسلة اللذان منحهما حق توجيه السؤال هما صحافيان مقربان. فالمراسل يعمل في شبكة التلفاز المسيحية، التي يملكها بات روبرتسون، وهو داعية مسيحاني. والمراسلة تعمل في «تاون هول. كوم»، وهو موقع للدعاية المحافظة. أحد العناوين الرئيسة في الموقع الذي ظهر أول أمس تحدث عن إقالة مايكل فلين، رئيس مجلس الأمن القومي في ادارة ترامب. وقد زعم الموقع أنه حصل على سابقة صحافية مزلزلة: تمت إقالة فلين، ليس لأنه كذب بخصوص علاقته مع السفير الروسي، بل لأن رجال ادارة اوباما عملوا بشكل سري على إسقاطه. وقرروا إقالته لمنع ترامب من إلغاء الاتفاق النووي مع إيران.

هذه القصة لا أدلة لها. وهي ليست واقعية أيضا. عهد ترامب حرر العالم من هذين الأمرين. وهناك حقيقة قائمة تقول إن ترامب نفسه، الشخص الذي قام بالإقالة، قال في المؤتمر الصحافي إن فلين هو رجل رائع، وتمت اقالته من قبل أشخاص خائبي الأمل وهم من مؤيدي كلينتون. في رواية 2017 لأسطورة ملابس الملك الجديدة، فإن ترامب ليس الملك، بل الخياط.

المراسلون الذين يقومون بتغطية ترامب استشاطوا غضبا بسبب الاعتداء على قوانين اللعب، واحترام المهنة والأنا، لكنهم غضبوا بالذات لأن السؤال الذي كان على الجدول اليومي لم يسأل. جهات في الاستخبارات الأمريكية تزعم أن المكالمات الهاتفية بين لجنة انتخابات ترامب وبين السفارة الروسية لم تنته بمحادثات بين فلين وبين السفير. مسؤولون آخرون تحدثوا، وحسب القانون الأمريكي، فإن مجرد وجود هذه المكالمات هو مخالفة جنائية.

الحديث هنا لا يدور عن مخالفة تقنية أو قانون قديم (قانون لوغان)، الذي لم يطبق أبدا. الادعاء هو أن اجهزة الاستخبارات الروسية تسللت إلى حواسيب كلينتون وحزبها، وسرقوا ونشروا مواد وأثروا على نتائج الانتخابات. واذا كانوا فعلوا ذلك بالتشاور مع ترامب فإن الحديث يدور عن سرقة الانتخابات، بل وأخطر من ذلك، عن الخيانة.

هذه النظرية بالطبع هي أم المؤامرات. اليسار يشتبه في أن الرئيس هو جاسوس روسي، والرئيس يشتبه أن اليسار هو جاسوس إيراني. رؤساء الاجهزة الامنية، بما في ذلك الـ اف.بي.آي يتهمون النخبة في الحكم، ونخبة الحكم تتهم رؤساء الاجهزة الامنية. وهؤلاء يخططون للقضاء على اولئك. واشنطن لم تشهد حربا كهذه منذ ايام السيناتور مكارثي في بداية الخمسينيات.

نتنياهو وصل إلى واشنطن، في ولايته الاولى في عام 1998 كرئيس للحكومة، من اجل الالتقاء مع كلينتون. وكان اللقاء مطولا وأعلن كلينتون عن استراحة من اجل تناول الطعام. ولم يقم بدعوة نتنياهو لتناول الطعام معه. والسبب الحقيقي للاستراحة كان الورقة التي تم ادخالها لكلينتون في منتصف اللقاء، والتي جاء فيها أن الـ سي.آي.ايه ستكشف عن قصة الغرام بين كلينتون ومونيكا لوينسكي. كانت هذه هي اللحظة الأكثر صعوبة على مدى السنوات الثماني من ولايته.

بعد الاستراحة عاد ليناقش نتنياهو في الشؤون الاسرائيلية، وكأنه لم يحدث أي شيء. هذا الأمر حدث لترامب أول أمس. فتحت الأقوال الرسمية والمديح المتبادل، تحت العناق، وقف رئيس في ضائقة، رئيس خائف.

أسلاف ترامب كانوا يفصلون بين الجزء الخاص بالمراسيم عند زيارة الرؤساء، الذي يتم بوجود النساء، وبين لقاء العمل.

في الصالون يتم استقبال الضيوف وفي غرفة العمل، الغرفة البيضوية، يعملون. والى أن جاء ترامب، زوجة رئيس الحكومة الاسرائيلية التقطت صورة في المكان الذي لم تحظ نساء أخريات بالتقاط صورة فيه.

فيما يتعلق بموضوعنا: السهولة التي القى فيها ترامب إلى سلة القمامة عشرات السنين من التأييد الأمريكي لحل الدولتين، لا يجب أن تزعزعنا، بطريقته السطحية والفظة، وضع اصبعه على لب المشكلة: إذا أراد الطرفان دولتان فليتفقا على دولتين. واذا أرادا دولة واحدة فليتفقوا على دولة واحدة، لا يجب أن تعلمهم أمريكا ما الجيد لهم.

لو أن ترامب عرف المزيد لكان ادرك أن الطرفين اختارا بالفعل الخيار الثالث وهو عدم الاتفاق. وقد حدثه نتنياهو أول امس عن التنازلات التي هو مستعد للقيام بها من أجل السلام. هو جيد في هذه القصص. حدثه ايضا عن قصة الغرام السرية بينه وبين الأنظمة في السعودية ومصر والأردن ودول النفط. ولكن السلام الإقليمي لن يكون بدون ترتيب موضوع فلسطين. والترتيب لن يتم بدون تنازلات.

يجب أن يكون اليمين الاستيطاني راضيا: حل الدولتين الذي مات قبل سنوات دفن رسميا أول أمس في البيت الأبيض، الذي هو المكان الصحيح: حيث هناك تم الاعلان رسميا عن ولادته ـ في مراسيم احتفالية في ايلول 1993 ـ وهناك من المناسب أن يتم دفنه.

السؤال هو ما البديل. هناك عدد من الافكار في اليمين، من الكونفيدرالية (الوزير اوفير ايكونيس) وحتى التقاسم الوظيفي (الوزير السابق كوهين اورغاد). لن يتمكن أي واحد منهما وقف اسرائيل عن السير في طريق الابرتهايد.

تحدث ترامب أول أمس مثل المتحمس لادخال رأسه في المفاوضات، هذه الحماسة يجب أن تقلق المستوطنين. فهي تجلب معها توقعات في تليين مواقف اسرائيل وكبح البناء في المستوطنات. ضم معاليه ادوميم أو غوش عصيون لا يناسب هذه التصريحات. وكذلك البناء الكثيف على الجبل. أكبر المؤيدين للشعب اليهودي يريد مرونة. كيف يمكننا رفض ذلك.

السؤال الأهم هو إيران. ترامب ونتنياهو لم يتحدثا كثيرا عنها في المؤتمر الصحافي، باستثناء التنديد بالاتفاق النووي لاوباما. يجب على نتنياهو العودة إلى البلاد مع انجاز ما في هذه الجبهة. بدون إيران يبقى مع الاهتمام الذي منحه ترامب لسارة ـ هدية جميلة، ولحسن الحظ هي قانونية. ومن المؤسف أنه لا يمكن شربها.

بين الشخصين اللذين وقفا على المنصة كان رئيس حكومتنا أكثر وضوحا وأكثر رسمية. سارة نتنياهو قالت ذات مرة إن زوجها يمكنه أن يكون رئيسا للولايات المتحدة. وقد أثبت ترامب أنها محقة.

الشمال الجديد

الطريق الوعرة التي تلامس الجدار الحدودي مع لبنان كانت تلمع أول أمس بسبب خيوط الشمس بين مطر ومطر. في هذه الفترة من السنة يكون الجليل أجمل من أي وقت آخر: الأخضر أكثر اخضرارا، البني أكثر بنية، وسائل ثقيلة للجيش الاسرائيلي غيرت في الأشهر الأخيرة المنظر الطبيعي، هناك تراب على ارتفاع 8 و9 و12 مترا مثلما هي الحال في الكسارات، وتم اقتلاع الأشجار وابعادها، ومن يتجول على طول الجدار يمكنه أن يرى حجم التغيير. وفي الأماكن المأهولة القريبة من الجدار أقيمت جدران اسمنتية مرتفعة تفصل بين المنازل وبين الحدود.

هذا الاستعداد يعكس تغييران هامان. الأول، الدفاع. والثاني هو وجود المال. رغم أن تهديد الحرب ليس مؤكدا وليس فوريا، إلا أن الجيش الإسرائيلي يستثمر ملايين الشواقل في اعادة ترتيب الحدود مع لبنان وسوريا (كنت افضل الاستثمار في الوضع الاجتماعي للبلدات الفقيرة وجذب العائلات الشابة ودعم المزارعين وتحسين الصحة والتعليم، لكن الأمر لا يعمل هكذا).

الفرضية هي انه عندما تندلع الحرب فإن عشرات آلاف المواطنين الاسرائيلي أو أكثر، سيتوجهون نحو الجنوب في الوقت الذي سيصعد فيه الجيش الاسرائيلي إلى الشمال. ومن اجل التغلب على الاختناق في حركة السير فإن الجيش الاسرائيلي يقوم بشق مئات الطرق الترابية في الجليل. وهذه ستكون الطرق البديلة في حالة الطوارىء.

كل شيء بدأ بحزب الله. «قوة الرضوان» لحزب الله المنظمة في وحدات وفرق تم تشكيلها من اجل استهداف المواقع القريبة من الحدود ـ أماكن سكنية ومواقع عسكرية. تشكيل هذه القوة يعكس المرحلة الرابعة في تطور حزب الله: حتى الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في عام 2000 كان حزب الله منظمة مغوارية، وبعد ذلك تحول إلى تنظيم نصف جيش حتى حرب لبنان الثانية في 2006، وبعد ذلك إلى تنظيم عسكري. وفي عام 2012 شكل «قوة الرضوان» لنقل الحرب القادمة إلى داخل اسرائيل. حرب الصواريخ ايضا تغيرت: اطلاق الصواريخ في الحرب القادمة سيكون أكثر تركيزا وأكثر دقة، وهو لديه طائرات بدون طيار مع دعم إيراني.

يوجد لحزب الله الآن 8 آلاف مقاتل في سوريا. وقد قتل 1.700 من مقاتليه في الحرب الأهلية هناك وأصيب الآلاف. وخلافا لما نشر مؤخرا، لم يسيطر حزب الله أو الجيش السوري على المنطقة الحدودية مع اسرائيل. التنظيم الأبرز الذي يسيطر على طول حدود هضبة الجولان هو أحرار الشام، الذي هو منظمة إسلامية. في جنوب الهضبة وقرب التقاء الحدود يعمل تنظيم آخر، هو جيش خالد بن الوليد، الذي ينتمي لداعش. والعمليات على طول الحدود في حالة انخفاض.

سوريا هي شوربة تغلي فيها كل شيء. حرب بين السنة والشيعة، بين الجهاد العالمي وخصومه، بين قوى عظمى اجنبية، بين قبائل وطوائف، بين محليين واجانب. في قرية واحدة تستطيع اربع منظمات مسلحة التحارب فيما بينها، اثنتان منها تعمل على اساس ايديولوجي واثنتان على اساس طائفي. الحرب الاهلية لم تبدأ كحرب دينية، لكنها أصبحت هكذا. في اسرائيل يعتقدون أنه لو لم تتحول الحرب إلى حرب بين السنة والشيعة، لكانت انتهت منذ زمن.

الجهة الوحيدة التي تشخص عيونها نحو اسرائيل هم اولئك السكان الذين لا توجد لديهم مشاعر سياسية ضد الأسد أو معه. تصل اليهم اسرائيل من خلال المساعدات الإنسانية.

في البداية كانت العلاقة سرية. كل من وصل إلى المستشفى في البلاد اعتبروه خائنا عند عودته. وبالتدريج أصبح هذا الأمر مكشوفا. المعالجون في المستشفيات يقولون إنه لا حاجة إلى محو الكلمات العبرية عن الدواء الذي يعود معهم إلى البيت.

هناك ضباط في الجيش الاسرائيلي تذكرهم هذه الصلة بالتحالف بين السكان اليهود والقبائل الشيعية في اصبع الجليل قبل مئة سنة. وهذا التحالف انتهى في قضية تل حي، وهي احدى الكوارث الشديدة التي سقطت على الحاضرة اليهودية. ولنر إلى أي مدى سيتدحرج التحالف الحالي.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى