مقالات مختارة

اجتماع ترامب ونتنياهو والسياسة الأمريكية الناشئة تجاه الشرق الأوسط روبرت ساتلوف

 

9 شباط /فبراير 2017

يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن في وقتٍ لا تزال فيه الإدارة الأمريكية الجديدة في الأيام الأولى من مرحلة اختيار موظفيها. كما أنها تواجه مجموعة من التناقضات الناشئة عن التصريحات والالتزامات التي تعهد بها ترامب في العام المنصرم خلال فترة ترشحه للرئاسة، وبعد أن أصبح رئيساً منتخباً، وفي أعقاب توليه الرئاسة .

الأهداف الرئيسية لسياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط

اعتماداً على سجل دونالد ترامب، يمكن تحديد أربعة أهداف استراتيجية رئيسية من سياسته تجاه الشرق الأوسط، وهي:

أولاً، سوف تقوم الولايات المتحدة بشكل سريع وكلي بـ “القضاء على” تنظيم «الدولة الإسلامية» – وليس “إضعافه” أو “تقليصه” أو “احتوائه”، لا بل القضاء عليه – في إطار حملة أوسع تستهدف الدعاة والمنفذين لإيديولوجية “الإسلام الراديكالي المتطرف”. وإحدى نتائج هذه الخطوة هي أن تصنيف الأصدقاء والحلفاء سيصبح منوطاً أكثر فأكثر بمدى مشاركتهم هذه الأهداف ومساهمتهم في هذه المساعي. ومن المرجح أن تكون مصر هي المستفيد الرئيسي بين الدول العربية وتركيا بين الدول غير العربية.

ثانياً، سوف تتبنى الولايات المتحدة “موقفاً صارماً” تجاه إيران – وقد أشير إلى هذا الأمر بطرق مختلفة كـ “إبطال” الاتفاق النووي أو “تطبيقه بحذافيره”، ولكن تم ذلك دائماً مع التأكيد على التصدي لسلوك إيران السلبي في جميع أنحاء المنطقة.

ثالثاً، سوف تحرص الولايات المتحدة على أن يدفع الحلفاء أمثال المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج حصتهم من ثمن الدفاع الجماعي.

رابعاً، سوف تعيد الولايات المتحدة إرساء علاقة الصداقة مع إسرائيل على الصعيدين الاستراتيجي والسياسي. وفي حين أظهر الرئيس أوباما أن أمريكا قادرة على الانخراط في علاقة عسكرية/أمنية/استخباراتية مع إسرائيل والحفاظ في الوقت نفسه على علاقاتها الاستراتيجية/السياسية حافلة بالتوتر والخلاف والعداء الشخصي، إلا أن الإدارة الأمريكية الجديدة سوف تعمل على إصلاح هذا الوضع بهدف جمع كافة جوانب العلاقة تحت مظلة الشراكة.

المفارقات الجوهرية في سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط

تسلط الأهداف الأربعة التالية الضوء مباشرةً على خمسة تناقضات، وهي:

أولاً، قد يكون التزام القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» أحد التعهدات القليلة الواضحة والملحة للرئيس الأمريكي في سياسته الخارجية. بيد، إن صد إيران ومقاومتها يبقى هو أيضاً مهماً وربما بدرجة أكبر. وبالفعل فإن التصدي لتفشي النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط – الذي يتجلى من خلال نفوذها في العراق وسيطرتها على الوكلاء والميليشيات القوية في مناطق أخرى – قد يشكل شرطاً أساسياً للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية». فكيف يجب على الولايات المتحدة أن توفّق بين هذين الهدفين المتلازمين؟

ثانياً، إذا أثبتت روسيا فائدتها كشريك في القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، فكيف يمكن استغلال هذه الشراكة دون تقوية إيران – أبرز حليف لموسكو في الشرق الأوسط؟ لعل التسبب بخلاف بينهما يعدّ فكرة سليمة من حيث المبدأ، ولكن هذه السياسة صعبة التنفيذ.

ثالثاً، من الممكن أن يحقق القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» انتصاراً باهظ الثمن وقصير الأجل إذا لم تَتخذ الولايات المتحدة وشركاؤها الخطوات الكفيلة بضمان عدم قيام جيل آخر من الجهاديين الراديكاليين السُّنة. وفي حين يستطيع السُّنة من غير العرب – الأتراك والأكراد، على سبيل المثال – لعب دور رئيسي في الحملة العسكرية للقضاء على معاقل تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، إلا أن العرب السنة وحدهم قادرون على توفير القيادة والحوكمة والخدمات التي تعتبر الدفاع الأمثل بوجه جيل رابع من تنظيم «القاعدة». ألا يتطلب ذلك شراكة فعالة بين كافة الأطراف السنية المعنية، بما في ذلك الدول العربية السنية التي تتزعمها المملكة العربية السعودية؟

رابعاً، قد تكون مصر المستفيد السياسي الأكبر من هذا التركيز الجديد على التطرف الإسلامي، ولكن باستثناء الدعم المقدّم من البيت الأبيض، كيف ستتعامل إدارة ترامب مع حاجة القاهرة إلى تحويل هذه الصداقة المتجددة إلى مورد مالي لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي تزعزع استقرار مصر؟

خامساً، بالنسبة لإسرائيل، من شبه المؤكد أن العلاقة الثنائية الجديدة مع واشنطن ستكون ودية وقوية. وبالفعل فإن العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو مؤهلة للارتقاء إلى مستوى الصداقة والشراكة التي جمعت بيل كلينتون وإسحق رابين. لكن التناقض هنا هو أن حاجة إسرائيل الاستراتيجية الحقيقية من واشنطن تتخطى نطاق العلاقة الثنائية. فما تحتاجه فعلاً إسرائيل – شأنها شأن حلفاء الولايات المتحدة القدامى الآخرين في المنطقة – هو إعادة التأكيد على موقع أمريكا القيادي بعد فترة من اللامبالاة كما يعُتقد من جانب إدارة أوباما. فهل الرئيس ترامب جاهز وعلى استعداد ليكون قائد ملتزم وفعال لفريق الدول الإقليمية الموالية للغرب، مع كل ما يترتب عن ذلك من تنامي الانخراط الأمريكي في التحديات المعقدة داخل المنطقة؟

جدول أعمال نتنياهو

بالنسبة لنتنياهو، يعتبر الاجتماع مع ترامب أحد أكثر اللقاءات أهمية خلال فترة توليه رئاسة الحكومة. فسوف سيحدد طابع العلاقة بينه وبين الرئيس الجديد ويضع القواعد الأساسية التي سترعى التنسيق الاستراتيجي/السياسي (والنزاعات التي لا مفر منها) في المراحل المقبلة من العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي هذا الإطار، ستكون الأولوية القصوى لنتنياهو هي توعية الرئيس الجديد حول أقدمية التصدي لمختلف جوانب التهديد الإيراني وصبّ تركيز التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل على هذا الجهد. ويتمثل التحدي هنا بالقيام بذلك دون مواجهة الالتزام العلني للرئيس الأمريكي بصورة مباشرة بشأن إعطاء الأولوية للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية».

وتكمن الأولوية المهمة الأخرى لدى نتنياهو في التوصل إلى تفاهم مع ترامب بشأن عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل عام، وحول النشاط الاستيطاني الإسرائيلي بشكل أكثر تحديداً. فخلال إدارة أوباما، حدث خلاف عميق حول الدور المحوري للنشاط الاستيطاني في النزاع الأكبر والحاجة إلى إيقافه كلياً، وكانت النتيجة الفورية حدوث صدام بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتسبُب مأزق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولذلك، فمن مصلحة كل من نتنياهو وترامب التوصل إلى اتفاق حول النشاط الاستيطاني لإزالة هذه المسألة الشائكة في العلاقة. ولكي يحقق مثل هذا الاتفاق أهدافه السياسية، يجدر به أن يحافظ على حرية ترامب في السعي إلى بلوغ الهدف الذي أعلن عنه، وهو التفاوض في النهاية للتوصل إلى اتفاقية سلام دائم، بينما يسمح أيضاً لنتنياهو بالعودة إلى إسرائيل وفي جعبته انتصارٌ على قدر كافٍ من الأهمية لكي يتمكن من الصمود في وجه الضغوط المتزايدة الذي يفرضها عليه يمينه السياسي لحثه على الموافقة على خطط الاستيطان التي تهدف نيتها الحقيقية إلى منع أي اتفاق سلام ممكن. وفي حين يعتبر هذا الهدف قابلاً للتحقيق – حيث سبق للرئيس جورج دبليو بوش وأرييل شارون أن توصّلا إلى مثل هذا الاتفاق، على سبيل المثال – فهو يتطلب من فريق ترامب الاستعانة بمخزون من الذكريات التاريخية والخبرات الدبلوماسية التي قد لا تكون متوفرة بعد لدى طاقم الموظفين الراهن.

وفي هذا السياق، إن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس – الذي من شأنه أن يلقى ترحاب الإسرائيليين من كافة الأطياف السياسية – يمكن أن يلعب دوراً في الجهود الرامية إلى تقوية موقف نتنياهو بوجه الأعضاء الأكثر تشدداً من ائتلافه. ففي النهاية، سيترافق نقل السفارة على الأرجح مع إعراب الولايات المتحدة عن تقديرها لموافقة إسرائيل على تحديد الوضع النهائي للقدس عن طريق المفاوضات، مع الإشارة إلى أن واشنطن سوف تدعم حصيلة هذه المفاوضات. ومع ذلك، سوف ينظر إليه اليمين المتطرف على أنه تكتيكاً دفاعياً، لأنه يعتبر أن أي اقتراح للتفاوض بشأن القدس من المحرمات.

كما أن توقيت عملية النقل المحتملة للسفارة أمراً بالغ الأهمية. فإذا كان الرئيس الأمريكي ملتزماً بتنفيذ هذه العملية، عليه على الأرجح أن ينفذها بسرعة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ويجدر به تجنب تزامن/خلط قضية السفارة – التي تُصلح أساساً خطأً دبلوماسياً ارتكبته إدارة ترومان منذ سبعة عقود – مع إحياء الذكرى الخمسين لحرب حزيران 1967 (أو حرب الأيام الستة) و”إعادة توحيد شطري القدس”. فهذه الذكرى تصادف وفقاً للتقويم العبري في أواخر أيار/مايو من هذا العام، وهي تصادف في الموعد نفسه تقريباً لانتهاء مهلة التأجيل لـ ” قانون سفارة القدس والاعتراف” البالغة ستة أشهر. وإذا أراد الرئيس الأمريكي المضي قدماً في هذه المسألة، عليه أن ينفذ خطوته قبل فترة من ذلك التاريخ، لئلا يؤجج عن غير قصد أي شعور بالاستفزاز والغضب لدى الفلسطينيين.

روبرت ساتلوف من رموز المحافظين الجدد وهو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى