مقالات مختارة

المشاركة الأميركية في أستانة حميدي العبدالله

 

أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تشارك في لقاء أستانة على مستوى سفير. واضح أنّ مستوى هذه المشاركة لا يحمل أي جديد، لأنّ رعاية الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا لأستانة ستكون على مستوى أقلّ من وزير خارجية. بهذا المعنى من ناحية الشكل فإنّ مشاركة الولايات المتحدة لا تطرح أي مشكلة، وبديهي أن تكون المشاركة الأميركية بصفة مراقب، تماماً مثل مشاركة موفد الأمم المتحدة، لأنّ هذا اللقاء لا يعقد برعاية الولايات المتحدة وروسيا، ولا برعاية الأمم المتحدة كما هو حال لقاءات جنيف.

الداعون إلى اللقاء هم روسيا وتركيا وإيران، وبديهي أنّ الأطراف الثلاثة هي المعنية بهذا اللقاء، إن لجهة نجاحه أو فشله، أو لجهة المواضيع التي ستطرح والمستمدة من ثوابت «إعلان موسكو» التي اتفقت عليها الدول الثلاث.

مستوى المشاركة الأميركية حدّدته المرحلة الانتقالية التي تمر بها الولايات المتحدة، أي انتقال السلطة من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، ولأنّ وضعاً مثل الوضع القائم في سورية لا يمكن تجميده إلى أن تستكمل هذه العملية، كان اللقاء الثلاثي الذي جمع روسيا وإيران وتركيا وانبثق عنه «إعلان موسكو» واتفاق وقف العمليات.

لا شك أنّ موقف إدارة أوباما من الاتفاقات التي أبرمت بينها وبين روسيا، وعدم احترام التزاماتها في هذه الاتفاقات هي التي دفعت روسيا إلى البحث عن شريك آخر يمثل بعض الجهات المتمردة في سورية التي لديها الاستعداد لقبول الحلّ السياسي، وتركيا هي الدولة المعنية على هذا الصعيد كون معظم وسائل الدعم التي تأتي للمتمردين تأتي عن طريق حدودها.

لم يكن لقاء أستانة إذن ثمرة غياب الإدارة الأميركية، سواء بسبب انتقال السلطة، أو بسبب المراوغة ومواصلة سياسة حرب الاستنزاف، بل هو ثمرة رهان روسي ـ إيراني على سلسلة من التطورات والتحولات التي شهدها الميدان السوري، لا سيما في الأسابيع والأشهر الأخيرة، وأبرزها استعادة الدولة السورية لمدينة حلب وتطهيرها من المسلحين الذين سيطروا عليها وقوة الالتزام الروسي ـ الإيراني بالدفاع عن سورية، وتعاظم الفوضى وخطر الإرهاب على الحدود التركية ـ السورية, لا سيما خطر الأكراد وتنظيم داعش، إضافة إلى قوة وتأثير المصالح المشتركة المتكونة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بين روسيا وتركيا، وتشكل مصالح مماثلة بين تركيا وإيران بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا.

هذا الواقع يؤكد أنّ معيار النجاح أو الفشل في لقاء أستانة لم يعد مرهوناً بالموقف الأميركي، بل مرتبط بالدرجة الأولى بمدى تفاهم الدول الثلاث الراعية لهذا المؤتمر، أي روسيا وإيران وتركيا. وفي مطلق الأحوال فإنّ هدف اللقاء هو تعزيز وقف إطلاق النار ومنح زخم لعملية المصالحة في سياق السعي إلى التمهيد لإنجاح جنيف عند بدء انعقاد جولات جديدة منه في 8 شباط المقبل.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى