مقالات مختارة

دليل الفساد: الوف بن

 

صاحب الامتياز الفكري بنيامين نتنياهو، هو مبتكر المصطلحات («اذا أعطوا فسيأخذون»، «صخرة وجودنا»، «الحياة نفسها»، «العرب يتدفقون»)، وقد جدد كنز تعابيره بعبارة التنكر «لن يكون شيء، لأنه لا يوجد شيء»، التي تظهر كرده الدائم على كل ما نشر عن تحقيقات الفساده ضده وضد مقربيه. جميل أن يبقي رئيس الوزراء على هدوئه وبرودة أعصابه حتى تحت التحذير. ولكن نتنياهو لا يتنافس على جائزة كاكتوس الذهبي لمكاتب الدعاية، او يكتب نصوصا لليئور شلاين و «بلاد رائعة». هو يقف على رأس حكومة إسرائيل، ويفترض أن يكون مرشدا ويقدم قدوة شخصية لمئات الاف خادمي الجمهور.

وما هي رسالة نتنياهو؟ حتى الان، لم ينفِ حتى كلمة واحدة من كل المكتشفات الإعلامية في قضية «نوني غيت» و «الهدايا». ويمكن ان نفهم من هذا بأنه لا خلاف على الحقائق التي كشفها زميلي جيدي فايتس. فقد أدار نتنياهو مفاوضات على صفقة خاوة مع ناشر «يديعوت احرونوت» ارنون موزيس، «دلال في صحيفة مقابل إلغاء صحيفة مجانية»، على حد قول النائب العام للدولة السابق عيران شندر. وهو وعائلته ابتزا منتجات ترف بمبالغ طائلة من أغنياء بحثوا عن قربه واحتاجوا مساعدته.

معنى رد الفعل «لن يكون شيئاً، لأنه لا يوجد شيء» هو أنه في نظر نتنياهو، تصرف كما ينبغي لرئيس وزراء في دولة قانون ديمقراطية. وأنه مناسب – في نظره-تبادل الاغراءات والتهديدات مع ناشر صحيفة خاصة لغرض التقدم الذاتي والبقاء في الحكم، ومناسب الحصول على أغراض غالية للحاكم، عقيلته وابنه، فيما يتجاوز مستوى المعيشة الذي يمليه الراتب الحكومي.

ماذا ينبغي أن يفهم الناس الذين في أسفل الهرم من كل هذا ؟ مسؤول المخابرات، قائد سرب الطيران، مديرة القسم في المستشفى، عضو لجنة المالية، رئيس لجنة التخطيط والبناء؟ «مني سترون وهكذا تفعلون»؟ هل عليهم أن يتصرفوا مثل نتنياهو، كل واحد وفقا لمنصبه وقدرته؟

هل يطلب رجل المخابرات «هدايا» من رئيس البلدية الفلسطيني، والشرطية تأكل في المطعم دون أن تدفع، ومراقب البلدية يحمل البوظة من الثلاجة في الكشك، والمحاضر يبحث مع الطلاب في تحسين علاماتهم مقابل ذكر إيجابي في الاستبيانات، والقاضي يطلب الهدايا من محامي الطرفين، والطبيب يختار المجوهرات التي سيأخذها من المريض قبل العملية. وكل رؤساء المدن الذين ادينوا بتلقي الرشوة من المستثمرين سيحصلون على العفو. فهم بالإجمال تلقوا هدايا من أصدقاء، «لم يكن شيء لأنه لا يوجد شيء».

معروف عن نتنياهو وزوجته منذ سنين طويلة أنهما بخيلان، يتمتعان بحياة فاخرة على حساب الآخرين، في ظل التنكيل بالعاملين في خدمة بيتهما. فالمكتشفات الدورية عن موظفة الرعاية، الكهربائي، جمع القناني، الفنادق الفاخرة والتنظيف الجاف لم تردع ناخبي الليكود من رفعه إلى الحكم المرة تلو الاخرى. ولكن في القضايا الحالية يبدو أن الدائرة الداخلية جدا تحطمت. مثل ريتشارد نكسون، سجل نتنياهو أحاديثه كي يحمي نفسه، وهكذا حفر لنفسه حفرة وقدم أدلة لمحققيه. الأشرطة عن محادثاته مع موزيس لا يمكن استبعادها بادعاء بأن هذه «هجمة من اليسار المتطرف» او هراء مشابه. وفي قضية الهدايا أيضا، الصديق الطيب ميلتشن، حرص على أن يوثق كل شراء وأن يوضب الفواتير في ملف ليوم بارد جاء حقا. ليس هكذا متبع بين الأصدقاء: كم منا يحتفظ بفواتير الهدايا التي اشتريناها لأصدقاء. الفواتير تحفظ للتمتع بالاسترجاع الضريبي، أو في حالة أن تدق وحدة التحقيق الباب.

يفهم نتنياهو ذلك، ولهذا فإنه يرد بالنكران الذي يستهدف الإبقاء إلى جانبه على مؤيديه السياسيين، وردع المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت من رفع لائحة اتهام ضده. ولكن نتنياهو بالشرعية التي يعطيها لسلوكه الفاسد كي يدافع عن نفسه في وجه التحقيق، يهدم الخدمة العامة ويحول إسرائيل من دولة قانون إلى دولة بقشيش.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى