مقالات مختارة

المملكة العربية السعودية: السياسة الخارجية مقابل الأولويات الاقتصادية سايمون هندرسون

 

سايفر بريف

30 أيلول/سبتمبر 2016

ما درجة ثبات الأيدي على عجلة القيادة في المملكة العربية السعودية؟ يحتاج هذا السؤال إلى متابعة فورية: عن أي أيدي نتحدث؟ يبدو أن هناك عدد كبير جداً منها. نظرياً، يحكم المملكة الملك سلمان، لكنه يبلغ من العمر 80 عاماً ويعاني من أوجه قصور جسدية وعقلية، وهو أمر طبيعي بعمره. كما يبرز شخصان آخران في الواجهة: ابن شقيق الملك، وزير الداخلية وولي العهد الأمير محمد بن نايف وابن عمه الأصغر سناً، وزير الدفاع وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وفي منهجية القيادة يفضل محمد بن نايف المنهج البطيء، بينما محمد بن سلمان هو في عجلة من أمره للوصول إلى وجهته.

من حيث السياسة، يترجم ذلك بكون محمد بن نايف صوت الاستمرارية، إذا اخترنا تعبيراً سخياً، والذي يعني عادة بالنسبة للسعوديين أنه لا يفعل شيئاً. أما محمد بن سلمان فهو رجل العمل، يتمتع بأفكار عظمى لتحويل المملكة، على الرغم من أن المتشائمين يعتبرون أنه يمكن تلخيص الأمر بكلمتين: السلطة والثروات. وهناك حكاية عنه تروى باستمرار ومفادها أنه ترك ذات مرة رصاصة على مكتب مسؤول كانت لديه الجرأة في تحدي طموحاته. ومنذ وفاة الملك عبد الله في كانون الثاني/ يناير 2015، ساد التوتر والتنافس بين هذين الأميرين في المملكة. ومع مراعاة تاريخ الأعمار في النظام السعودي، لا يجب أن تكون هناك منافسة. فالأمير محمد بن نايف يبلغ من العمر 57 عاماً ويتمتع بعقود من الخبرة الحكومية العليا بينما لا يبلغ محمد بن سلمان سوى 31 عاماً. ولكن هذا الأخير هو الابن المفضل للملك والابن البكر من الزوجة الحالية المفضلة للعاهل السعودي. ونظرياً، إذا توفي الملك غداً، يجب أن يكون محمد بن نايف هو من يرث العرش. يُذكر أنه كان بإمكان العاهل السعودي أن يعيّن محمد بن سلمان ولياً للعهد، ولكنه أمراً مستبعداً على الأرجح،. وتتجلى لعبة العرش في الرياض، على الأقل من وجهة نظر محمد بن سلمان، بتهميش الملك لمحمد بن نايف وجعله هو ولياً للعهد، وكلما حدث ذلك بصورة أسرع، كلما كان أفضل. وهذه الخدعة تم استخدامها من قبل. فالأمير مقرن، الأخ غير الشقيق والأصغر سناً للملك سلمان، كان ولي العهد الأول للعاهل السعودي. وعلى الرغم من تمتعه بجاذبية إلا أنه شخصية ضعيفة. ولم يبقى في منصبه سوى ثلاثة أشهر فقط قبل أن يتم إبعاده.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن مثل هذه السياسة في القصر ليست بالجديدة في المملكة العربية السعودية، ولكن نادراً ما هي مرئية إلى هذا الحد وتتم في الوقت الفعلي. وما هو غير اعتيادي هو تداخل المؤامرات بشكلٍ وثيق في السياسة.

ويرى الأميران (وكذلك الكثير من السعوديين الآخرين) أن إيران تطرح التحدي الأكبر. فالنظام الإسلامي في طهران يتحدى السلطة الدينية في المملكة المتجلية في خادم الحرمين الشريفين، ويسعى إلى إعادة ترتيب ميزان القوى الإقليمي ليجعل من إيران الجهة المهيمنة في المنطقة. وفي هذا الإطار، كان رد الأمير محمد بن نايف هو مواصلة عمله في مكافحة الإرهاب وتنظيم موسم الحج، والذي أبلى فيه هذا العام بلاءً أفضل من العام الماضي. وفي المقابل، أطلق الأمير محمد بن سلمان، بشكل ملفت للانتباه، تحالفاً عربياً لمواجهة عملاء إيران في اليمن المجاورة للسعودية، والذين تمتعوا بجرأة كبيرة للاستيلاء على العاصمة صنعاء وإجبار الرئيس المنتخب على الفرار إلى المنفى والإقامة في فندق في الرياض. وعلى صعيد الطاقة، فعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط بشكل مؤلم، تكمن الخلاصة بالنسبة للأميرين في عدم السماح لإيران بزيادة إيراداتها من خلال تجميد مستويات الإنتاج إلى حد ما من قبل “منظمة الدول المصدرة للبترول” (“أوبك“).

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد استخدم محمد بن سلمان الأسلوب الجريء الذي أظهره في الصراع اليمني (والذي يُعتبر الآن على نحو متزايد بأنه “مغامرة” بسبب عدم نجاحه)، لإطلاق برنامج تحوّل ومخطط كبير، يُعرف باسم “رؤية 2030″، لكي تتخطى المملكة اعتمادها على النفط. وربما تكون هذه الخطط أبعد من المتناول الفكري لمحمد بن نايف (الذي ليس من الأعضاء في “مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية” صانع القرارات) ولكنها تلقى دفاعاً حماسياً من محمد بن سلمان وفريق المستشارين الشباب الذي يحيط به (وكذلك الشركات الاستشارية الدولية وبنوك الاستثمار التي ستستفيد من خلال الرسوم والاكتتاب العام المقترح لجزء من شركة النفط الحكومية السعودية، “أرامكو“).

ومع ذلك، تكمن التحديات التي تواجهها السياسة في كيفية تحقيق كل ذلك، أي الحرب والتحول الاقتصادي، في الفترة التي يستمر فيها انخفاض أسعار النفط والتي، في عالم يرتفع فيه إنتاج الصخر الزيتي الأمريكي، قد لا تليها فترة من استعادة الانتعاش كما كان الوضع في الماضي. وبالعودة إلى تشبيه عجلة القيادة والمنهجيات المتبعة، أدى ذلك إلى قيادة غير منتظمة بعض الشئ. ففي اجتماع لـ “أوبك” عُقد في الدوحة في حزيران/يونيو، اقترح وزير النفط علي النعيمي، الذي يشغل منصبه منذ فترة طويلة، تجميد الإنتاج ولكنه في اللحظة الأخيرة واجه عدة عوائق من الأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه اعتبر أن في الأمر الكثير من التنازل لصالح إيران. بعد بضعة أيام تمت إقالة النعيمي، الأمر الذي وضع حداً بشكل غير ملائم لمسيرة مهنية امتدت عشرات السنين لشخص عُرف بكونه صوت الحكمة في سوق النفط.

وخلال الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر فقط، برز انحراف آخر في المنهجيات المتّبعة في المملكة. فقد تم خفض رواتب الوزراء السعوديين بنسبة 20 في المائة وتم اقتطاع البدلات المقدمة لأعضاء “مجلس الشورى” (وهو النسخة السعودية من البرلمان أو الجمعية الوطنية). وعلى الرغم من أن هذه الخطوات تحمل اسم العاهل السعودي، إلا أن بصمات الأمير محمد بن سلمان بادية عليها. فهذه الخطوات التي أتت بعد 20 شهراً فقط من المكافأة التي حصل عليها كافة موظفي الخدمة المدنية بقيمة راتب شهر للاحتفال بتولي الملك الجديد العرش، تعكس بالتأكيد نمطاً جديداً من الإدارة، على الرغم من أن البعض قد يعتبرها مجرد تقلبات في المواقف.

من هنا، كيف سيتم حل هذا التوتر السياسي؟ في ظل غياب أي انتعاش في أسعار النفط، تشمل الخيارات إعلان النصر في اليمن والانسحاب من هذه الفوضى، على أمل أن لا تتمكن إيران أيضاً من التعامل مع الانفلات الأمني التقليدي السائد في تلك البلاد. ومنذ بضعة أشهر توقف الأمير محمد بن سلمان عن تصوير نفسه على أنه “سيد حرب اليمن”. وبإمكانه السيطرة على أي نقاش في وسائل الإعلام الرسمية. ولكن السؤال الأهم هو ما إذا كان بإمكانه التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي السعودية مفرطة النشاط لكي تميل لصالحه أيضاً. فالسلوك الذي انتهجه بمرور السنين قد أظهر أن التأييد بتوافق الآراء الذي يحظى به في العائلة المالكة (آل سعود) ضئيل أو حتى معدوم. وتعني التخفيضات التي أجراها في رواتب البيروقراطيين أنه ربما فقد الدعم من الطبقة التكنوقراطية أيضاً. إذ يشعر السعوديون العاديون بألم تخفيض إعانات المرافق العامة وميزانيات الأسر الصغيرة الحجم.

إلى جانب ذلك، تتزايد الضغوط الداخلية. وقد لا تكون أسرة آل سعود متوجهة نحو وضع خطر، ولكن يبدو على الأرجح أنها ستواجه صعوبات متزايدة في المستقبل.

سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى