مقالات مختارة

خسارة واشنطن امام روسيا في سوريا، دفعتها نحو ليبيا … .فينان كانينغهام

 

الضربات الجوية الاميركية على ليبيا هذا الاسبوع علامة على تصعيد كبير للعمليات العسكرية الأميركية في الخارج، حيث قال متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، أن الحملة الجوية ستستمر إلى أجل غير مسمى لدعم حكومة الوحدة الوطنية المدعومة من الامم المتحدة في طرابلس في وجهمحاربي داعش .

كان هذا أول تدخل اميركي جوي في ليبيا منذ العام 2011 عندما شنت طائرات حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة وغيرها حملة قصف استمرت سبعة أشهر من أجل إسقاط حكومة معمر القذافي.

توقيت الضربات الجوية الاميركية على ميناء سرت الليبي يبدو مستغربا فمنذ ما يقرب من شهرين، قامت الحكومة في طرابلس بشق طريقها ضد الكتائب في سرت، فلماذا يجب أن يتم استدعاء الضربات الجوية الأمريكية في هذا المنعطف الدقيق؟.

جاء نشر القوة الجوية الاميركية في ليبيا في غضون أيام من الهجوم الحاسم الذي شنه الجيش العربي السوري وحلفاؤه الروس على مدينة حلب الاستراتيجية في شمال سوريا. ومع توجه حلفاء سوريا وروسيا نحو دحر المسلحين والميليشيات المناهضة للحكومة من أكبر مدينة في سوريا اعتبر هذا النصر على انه انذار لنهاية الحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات.

وكان الاحباط في واشنطن واضحا بشأن نجاح روسيا في حربها ضد الجماعات الارهابية المدعومة من الخارج في سوريا وذلك منذ اللحظة التي أمر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بالتوجه إلى احدى الدول العربية قبل نحو عشرة أشهر.

بلغ الإحباط الأميركي نقطة الغليان عندما أعلنت روسيا من جانب واحد الأسبوع الماضي أنه تم الشروع في عملية عسكرية، جنبا إلى جنب مع القوات السورية، لاستعادة السيطرة على مدينة حلب، وقد حوصرت ثاني أكبر المدن السورية بعد العاصمة دمشق من قبل الجماعات المسلحة بشكل غير قانوني منذ ما يقرب من أربع سنوات. ولقربها من الحدود مع تركيا، كانت حلب قناة حاسمة للمقاتلين والأسلحة الأجنبية لتأجيج الحرب – حرب واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي والشركاء الإقليميين التي كان هدفها السياسي تغيير النظام والسير نحو تنحية الرئيس السوري بشار الأسد.

عندما أعلن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أنه تم فتح ممرات إنسانية حول حلب للمدنيين الفارين وللمقاتلين لتسليم انفسهم، سخر وزير الخارجية الاميركية جون كيري من الخطة، بينما وصفت السفيرة الاميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور التعاون السوري- الروسي بشأن حلب على انه “تقشعر له الأبدان.

ومع ذلك، فإن الحكومة المنتخبة في سوريا لديها كل الحق في استعادة السيطرة على حلب – المركز التجاري السابق في البلاد – التي كانت قد سيطرعليها خليط متنوع من الجماعات المسلحة بشكل غير قانوني، وبعضهم يتم تصنيفهم بمنظمات ارهابية محظورة دوليا.

عبارات التحقير التي اطلقها جون كيري وباور تشير الى ان واشنطن في حيرة إزاء نجاح موسكو في سوريا. وقد أحبط التدخل العسكري الروسي المؤامرة الاجنبية التي تقودها الولايات المتحدة لتغيير النظام. واشنطن أفلتت جزئيا مع خطط تغيير النظام في أفغانستان والعراق وليبيا وأوكرانيا، ولكن تدخل روسيا سمح بنتائج مختلفة في سوريا.

ليس ذلك فحسب،فقد اثبتت روسيا بانها حليف سوريا الوثيق في هزيمة شبكات المرتزقة المناهضة للحكومة في حلب، فقد أصبح واضحا بشكل لا يطاق أن تمثيلية واشنطن حول “المتمردين المعتدلين” ليست الا الجمع بينهم وبين الإرهابيين منذ عدة أشهر وحتى الآن، ماطلت واشنطن بمطالب موسكو التي تتحدث عن وجوب ترسيم الحدود بين ما يسمى بالمعتدلين والمتطرفين، رافضة المثابرة على التمييز بينهما.

في حين تحاصر القوات الروسية والسورية المسلحين في حلب، اصبح واضحا أن واشنطن ووسائل الاعلام الغربية تكذبان بشكل فظيع، حيث اخذت على مدى السنوات الخمس الماضية بتبرير الحرب في سوريا، على عكس روسيا التي لم تخرج لتبرر انما أبرزت اهدافها بالطريقة التي ساهمت فيها بدعم الحكومة السورية.

وبعبارة أخرى، تقاتل روسيا حقا في حربها ضد الإرهاب، في حين تجلى ان واشنطن وحلفاؤها يمارسون حركة زئبقية، من خلال علاقتهم مع التنظيمات الارهابية التي يزعمون أنها تكافح من اجل الديمقراطية.

يوم الجمعة، قال وزير الخارجية الاميركية جون كيري انه ينتظر بفارغ الصبر توضيحات موسكو حول هجوم حلب. ولكن بحلول يوم الاثنين كان من الواضح أن موسكو لن تنقاد إلى مخاوف واشنطن بشأن الخطة الهجومية واعلنت افتتاحية صحيفة واشنطن بوست مرة أخرى: “يبدو أن إدارة أوباما مصدومة من بوتين، تماما كما كانت عليه عندما أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا في سبتمبر”.

جاءت ليلة الاثنين- الثلاثاء لتعلن واشنطن عن شن ضربات جوية في ليبيا.

استياء واشنطن من التطورات في سوريا تفاقم قبل أسابيع قليلة فقط، حين توجه كيري إلى موسكو لتقديم “صفقة” حول التعاون العسكري المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا، بدعوى محاربة الكتائب الإرهابية في سوريا. واتضح أن الصفقة الأميركية كانت عبارة عن السعي لتنازل روسيا عن الأسد. وهذا يعني، بالنسبة لروسيا الإذعان إلى الهدف الأميركي بتغيير النظام.

وكان الرد الروسي قد أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال إن مستقبل الرئاسة السورية هو من شأن الشعب السوري وهو يحدده، من دون أي تدخل خارجي.

وشروع القوات السورية والروسية بالهجوم العسكري على حلب – بغض النظر عن مخاوف واشنطن بسبب “المتمردين المعتدلين” –ذات الأصول الإرهابية – كان علامة اخرى على ان موسكو تتبع تقييما استراتيجيا خاصا وأهدافا خاصة، وبالنسبة لواشنطن فذلك توبيخ لاذع.

استشهدت افتتاحية الواشنطن بوست بعنوان مزعج: “يجب التوقف عن الثقة في بوتين بشأن سوريا”. وكان ذلك، ولكن سلسلة الافتتاحيات التي نشرت تحدثت عن رضوخ إدارة أوباما لموسكو في الموضوع السوري.

داخل إدارة أوباما يبدو أن هناك معارضة حادة بسبب السياسة تجاه سوريا. حيث عارض وزير الدفاع آشتون كارتر ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر مناورة أوباما وكيري الزائدة لحشد التعاون العسكري الروسي.

في وقت سابق، وقع 51 دبلوماسيا أميركيا على رسالة مشتركة تدعو إدارة أوباما لتصعيد عملياتها العسكرية في سوريا ضد حكومة الأسد. ومن الواضح أيضا أنه يحيط بخليفة أوباما الديمقراطية في البيت الأبيض هيلاري كلينتون، مساعدون من البنتاغون يضغطون من أجل المزيد من التدخل الأميركي في سوريا – على الرغم من أن ذلك يشكل خطرا جسيما في المواجهة مع القوات الروسية.

تزايد الانتقادات بسبب الفشل في سوريا، دفع واشنطن لشن ضربات جوية على ليبيا كنوع من التعويض. ورد الرئيس أوباما أمر الضربات لنصيحة وزير الدفاع آشتون كارتر. ويبدو أن إدارة أوباما تحاول درء الاتهامات بالتساهل.

ثانيا، الضربات الجوية ضد جهاديي الدولة الإسلامية في مدينة سرت الليبية، تسمح لواشنطن باستعادة الموقع الذي فقدته لصالح روسيا في سوريا فنجاح روسيا في سوريا قوض بشكل خطيرادعاءات واشنطن عن قيادتها الحرب على الإرهاب والموقف الأخير من الجماعات الارهابية في حلب – بما في ذلك الميليشيات التي تدعمها واشنطن وحلفاؤها – يمثل لحظة تجريم حقيقة وبالتالي، مع تشديد الطوق على إرهابيي حلب اضطرت واشنطن لوضع يدها على ليبيا، في محاولة تلميع مطالبها المشوهة في حربها ضد الإرهاب.

في الحقيقة، هناك شبكة أكبر تطوق واشنطن، فالرأي العام العالمي يدرك على نحو متزايد أن الإرهاب يرتبط بشكل وثيق بكل مكان تشارك فيه واشنطن. فالإرهاب ولد في أفغانستان والعراق تحت الاحتلال الأميركي، وفي ليبيا أثناء عملية تغيير النظام في العام 2011، وفي سوريا جاء نتيجة دور واشنطن في حملة تغيير النظام.

على أوباما إعادة النظر في الموضوع الليبي مع تزايد الضربات الجوية بسبب فشل السياسة الإجرامية في سوريا وكذلك إن الشلل الناجم عن التدخل الروسي المبدئي هو ببساطة يفضح أعماق الانحطاط الأميركي، وبقية العالم يمكن أن يرى ذلك.

انفورميشين كليرينغ هاوس

ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد- ناديا حمدان

http://www.informationclearinghouse.info/article45257.htm

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى