مقالات مختارة

لماذا قدم حزب الله هذه الرواية حول اغتيال ذو الفقار؟ دليل ضعف ام قوة؟ ابراهيم ناصرالدين

 

لو اراد حزب الله ان يخفي خبر استشهاد مصطفى بدرالدين الى «اجل غير مسمى» من كان ليعرف بذلك؟ لا احد. ولو اراد التكتم على الخبر الى اجل «مسمى» اي ترتيب «ديباجة» معينة ووضع استشهاده في اي اطار ترى قيادة الحزب انه يناسبها على امتداد الجبهات المفتوحة من اليمن والعراق مرورا بسوريا وصولا الى جبهة الصراع المفتوحة مع اسرائيل، من كان يملك الدليل للتشكيك بالرواية؟ طبعا لا احد. ولو اختار الحزب ايضا اتهام اسرائيل مباشرة بالمسؤولية عن العملية، ونفت القيادة الاسرائيلية الخبر كعادتها، رواية من سيصدق الجمهور ومعه المراقبون والمحللون والمتابعون من المؤيدين او من المعادين للحزب؟ طبعا رواية حزب الله لان الاسرائيليين لم يعترفوا يوما بشكل صريح بما اقترفت ايديهم.. اذا لماذا اختار حزب الله تقديم هذا «السيناريو» حول كيفية استشهاد «ذوالفقار»؟

الجواب ببساطة شديدة، «هذا ما حصل» ولم يكن الحزب، او انه لم يظن، انه بحاجة الى «ابتكار» سيناريو آخر لارضاء فضول الاعداء او المحبين، كما تقول مصادر «موثوقة»، الحزب ليس معنيا «بالفبركة» لمساعدة من هو معتاد على «التشكيك» «لهضم» الحدث، كل هذه التفاصيل لا تغير من الوقائع شيئا، الاستشهاد حصل، الخسارة وقعت، الدلائل الحسية على الارض من قبل «جماعة التخريب» خلصت الى تحديد نوع المقذوف الذي تم استخدامه في عملية الاستهداف، تبعه تحديد «النقطة» التي انطلقت منها القذيفة المدفعية، وكان واضحا مسؤولية المجموعات «التكفيرية عن تلك المنطقة، جاء بيان حزب الله ليفند هذه الوقائع كما هي دون اي «رتوش» او «بهارات» ترضي نهم من يبحث عن «اثارة» لم يعتد حزب الله عليها خصوصا في سياق تعامله مع اغتيال كوادره اوقادته…

حزب الله بهذا الاعلان حدد الاسباب المباشرة للاستشهاد، واعلن عن الجهة المتورطة نتيجة المعطيات الميدانية، لكنه لم يقل ان تحقيقاته قد انتهت… وهو طبعا لن يعلن ذلك، ومن الطبيعي ان عملية البحث عن «خيوط» متعددة يمكن ان تفيد في «رسم صورة» كاملة عما حدث مستمر ولم يتوقف، فثمة الكثير من الاسئلة تحتاج الى اجابات قبل اقفال الملف ومنها.. هل ما حصل كان نتيجة قذيفة «طائشة» سقطت بالصدفة في توقيت خاطىء وادت الى استشهاد السيد «ذورالفقار»؟ هل ما حصل نتيجة «هفوة» امنية معينة ادت الى كشف مكان تواجده؟ مع العلم انه يكن يتحرك في سوريا متخفيا.. هل الامر يتعلق بخرق تقني عبر ثغرة الاتصالات ؟ هل الامر اكثر تعقيدا ويرتبط بمتابعة امنية عبر الاقمار الصناعية وتنسيق عالي المستوى مع مجموعات مسلحة مرتبطة باجهزة استخبارات اميركية او اسرائيلية؟ كلها اسئلة مشروعة وتحتاج الى المزيد من الوقت لتبيان حقيقة ما جرى… طبعا حزب الله قد لا يكون معنيا بتقديم اجابات عن هذه الاسئلة لدواع امنية مرتبطة بتعقب المتورطين سواء ارتكبوا فعلتهم عن سابق تصور وتصميم او عن طريق الصدفة… وقد يكون معنيا بتقديم بعض المعلومات «المضللة»..لكن التشكيك بأصل الرواية ليس منطقيا لان «الراوي» يملك مروحة واسعة «للفبركة» لكنه لم يجد نفسه مضطرا الى ذلك… خصوصا ان القراءة الهادئة للاحداث تشير الى عناصر قوة لدى حزب الله على عكس ما اعتبره خصومه بانه نقاط ضعف… كيف ذلك؟

اولا، الاسراع في الاعلان عن عملية الاستشهاد اعطت دليلا ملموسا ان حزب الله لم يفقد اي من قوته التنظيمية، فلو كان ثمة ازمة داخلية لما تسرعت قيادة الحزب في تعميم الخبر، وكانت قادرة على حصر الموضوع ضمن دائرة مغلقة الى حين ترتيب عملية انتقال المسؤوليات المناطة بـ«ذوالفقار» الى قيادي آخر، لكن ما تبين لاحقا ان الحزب لم يكن يحتاج الى اي فاصل زمني في ظل آليات تنظيمية واضحة خولت «المجلس الجهادي» تعيين خليفته، وهو من الاسماء «الوازنة» التي لا تقل خبرة وباعا عن الشهيد…

ثانيا، «خصوم» و«اعداء» حزب الله تعمدوا تسليط الضوء على النزف الكبير الذي يتعرض له حزب الله في سوريا، وانبروا الى تعداد اسماء من فقد من قادته هناك، وعاد الحديث عن التململ في الحاضنة الشعبية للحزب ازاء «التورط» في الحرب السورية، الا ان هؤلاء لم ينتبهوا الى مسألة شديدة الاهمية، فلو كان حزب الله محرجا امام انصاره او «بيئته» وفقد دعمهم ازاء ما يقوم به في سوريا، لكان «ابتكر» رواية خاصة تضع المسؤولية في مكان آخر، فاتهام اسرائيل هو افضل السيناريوهات التي يسهل هضمها من قبل جمهور لا يشكك عادة في رواية قيادته… ولذلك فان مجرد مصارحة الرأي العام بحقيقة ما جرى يعطي دليلا اضافيا ان الحزب غيرمحرج في بيئته، ولا صحة ابدا لوجود «مشكلة جدية» كان بالامكان تجنبها بعملية «غش» بسيطة لا تحتاج الا الى بضع كلمات تضع سياق الاحداث في مكان آخر..

ثالثا، القول بان حزب الله يتجنب اتهام اسرائيل لانه لا يستطيع الرد خوفا من انفلات الامور وتوسعها الى حرب لا قدرة له على خوضها، فهو مجرد استنتاج لا يتمتع باي مصداقية رغم تبني الاعلام الاسرائيلي على نطاق واسع لهذه الرواية… فحزب الله لديه «حساب مفتوح» مع اسرائيل منذ اغتيال الشهيد عماد مغنية عام 2008، ولا يعيش «عقدة نقص» لانه لم يرد حتى الان، او لان محاولاته لم تنجح، الامر معقد ويحتاج الى اعداد صحيح وتوقيت مناسب، تتداخل فيه عوامل كثيرة بعضها خارج سياق «المنطق» العقلاني.. ولذلك لا يعيش حزب الله تحت «ضغط» يستدعي منه التهور والاقدام على اي خطوة غير محسوبة، وببساطة شديدة يستطيع اضافة اغتيال بدرالدين الى هذا «الحساب المفتوح» ولا شيء يلزمه بالرد فورا… ولو كان هذا الاستنتاج صحيح وحزب الله يمارس التضليل و«الكذب» لانه ضعيف ومستنزف فالسؤال البديهي لماذا لا تستفيد اسرائيل من هذه «الفرصة التاريخية» وتقدم على فتح مواجهة لا تحتاج الى الكثير من التبريرات للاقدام عليها؟… ببساطة شديدة لان الاسرائيليين يعرفون ان هذا الكلام مجرد «ترهات»و«كذب» موصوف، حزب الله لم يهمل ابدا «الجبهة الشمالية» بل زادت منعتها خلال سنوات الحرب السورية، يعرف الاسرائيليون ايضا ان القوة الاساسية المخولة ادارة تلك الجبهة والمعروفة «بعزيز» لم تترك مواقعها الا نادرا وباعداد محسوبة جيدا لتنفيذ مهمات خاصة ومحددة في سوريا… بعض هذا الاستعداد تمكن الجيش الاسرائيلي من معاينته عن قرب بعد ساعات معدودات على استشهاد السيد «ذوالفقار» على طول الجبهة الجنوبية، وذلك في اطار الاجراءات الاحترازية التي قامت بها المقاومة استعدادا لاي مفاجآت… ولذلك فان ما ينسج من تحليلات مجرد حرب نفسية يسعى من خلالها «اعداء» حزب الله الاستفادة من استشهاد بدرالدين وتوظيفه في سياق الحرب النفسية والدعائية المفتوحة ضد المقاومة..

اما «النكتة» الاكثر سذاجة فهي ربط كل «القصة» بالمحكمة الدولية، وذلك في اطار نظريتين، الاولى تتحدث ان بدرالدين بات حملا ثقيلا على الحزب وقيادته فجرت «تصفيته» لان ثمة من يريد اقفال ملف المحكمة الدولية، والنظرية الثانية اكثر «ذكاء» تتحدث عن «فبركة» القصة برمتها لاخراج «ذوالفقار» من المشهد وطي الملف، ووصلت الامور الى حد المطالبة بفحوصات «دي ان ايه» للتأكد من وفاته…. طبعا لا يحتاج الامر الى كثير من الجهد للتأكد من «سخافة» طروحات مماثلة، في العام 2010 خلال احياء يوم الشهيد قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ان الحزب سيقطع اليد التي ستمتد الى اي من قيادته في ملف المحكمة، طبعا قد يحتاج الخطاب الى تعديل بسيط يضاف اليه عبارة سواء «كانوا احياء او اموات»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى