مقالات مختارة

نجاح إجراء الانتخابات البلدية يفرض الانتخابات النيابية قبل الرئاسة… وإلا البطلان!؟ العميد د. أمين محمد حطيط

 

إنّ أهمّ ما يقتضي التوقف عنده إثر الانتخابات البلدية التي أنجز نصفها حتى الآن، هو ما يمكن ربطه بالانتخابات الأخرى النيابية والرئاسية، حيث إنّ السؤال المطروح هو أيهما ينبغي ان يسبق الآخر ليكون الوضع متطابقاً مع المشروعية الدستورية، انطلاقاً من المنطق القانوني السليم، وتطبيقاً لقواعد العدالة التي تحدّد العدل بأنه «وضع الأمور في مواضعها»، ولذلك حتى نتبيّن الجواب القانوني علينا أن نجري تحليلاً للواقع لفهمه بمقتضى روح القانون والدستور وعلى ضوء ما تقدّمه مباحث فلسفة القانون من ضوابط ومعايير ومنها ننطلق.

ونبدأ بقاعدة دورية الانتخابات في مهل محدّدة لا تتجاوز الـ4 سنوات للانتخابات النيابية، والست سنوات للرئاسية، والسؤال الذي يطرح هنا لماذا حدّد المشترع الانتخابات بمهل تعتبر قصيرة نسبياً إذا قيست بالعمر السياسي للمواطن العادي في النظام الديمقراطي، والذي تتراوح معدلاته بين 65 سنة في الدول التي تعتمد السنّ المبكر لتخويل المواطن حق المشاركة في الحياة السياسية اقتراعاً لتشكيل السلطة، و60 سنة في الدول التي تبدي تشدّداً في السنّ ولا تجيز الانتخاب إلا لمن بلغ الـ 21 من العمر، وهي أقلية بين الدول الديمقراطية اليوم ولبنان منها.

وإذا اعتمدنا الحدّ الأدنى نرى أنّ المشترع حدّد دورة الانتخاب بما يناسب 1 15 من العمر السياسي للمواطن، معتبراً وبخاصة في النظام الانتخابي الأكثري، أن تبدّل الكتلة الناخبة بمعدل 1 15 منها يفرض تبدّلاً محتملاً في الأكثرية الناتجة عن الانتخابات، خاصة اذا كانت الأكثرية السابقة التي تولت السلطة قد فشلت في الحكم او ترهّلت، وعليه تكون العودة إلى الشعب للوقوف على قراره الجديد، أمراً حيوياً بحيث يشكل تجاوزه انتهاكاً للقواعد الاساسية التي قام عليها الدستور وهي بالطبع تتقدّم نصوص المواد وحتى المقدمة. وبكلمة أخرى يكون احترام قاعدة دورية الانتخابات النيابية ولمُدد قصيرة كما ذكرنا يعني إبقاء السلطة في وضع يستجيب للإرادة الشعبية وللتفويض الشعبي الصحيح.

وتشتدّ أهمية احترام المهل المحدّدة لإعادة إجراء الانتخابات النيابية، إذا كان مجلس النواب هو المخوّل بانتخاب رئيس الدولة الذي يتولى من الصلاحيات ما تتفاوت مستوياته وفقاً للدول، ويكون في أكثرها خاصة البرلمانية منها بمنأى عن المساءلة باعتبار أنّ الحكومة هي المسؤولة وهو لا يمارس بمفرده شيئاً من غير توقيع وزير أو أكثر، فضلاً عن رئيس الحكومة.

هذه هي القاعدة، ولكن قد يُعمل باستثناء لها عندما تفرض القوة القاهرة خرقها وتمنع إجراء انتخابات نيابية، وهنا نجد أنّ القانون الدستوري المقارن يقدّم عبر فقهائه حلاً من اثنين، أولهما تمديد العمل بالمؤسسات الدستورية القائمة رغم انتهاء مدة التفويض الأصلي عملاً بقاعدة استمرارية المرفق العام، والثاني تفويض صلاحية مجلس النواب وقبل انتهاء ولايته بأيام إلى حكومة منبثقة عنه فتستمرّ في عملها. وبهذا التفويض حتى إجراء الانتخابات، خاصة أنّ الحكومات لا يربط وجودها بمهل ولا تذهب إلا بإقالة أو استقالة أو حجب ثقة. ما يعني أنّ الحكومة التي تكون قائمة بعد انتهاء ولاية مجلس النواب وتعذّر الانتخابات، تبقى قائمة حتى إجراء انتخابات تكون هي ملزمة بتنظيمها فور زوال العذر المانع أو القوة القاهرة. ولبنان كما يبدو اعتمد الحلّ الأول ومدّد لمجلس النواب تمديداً مقترناً بزوال القوة القاهرة رغم أنه أفرط في التوصيف . وهنا لبّ الموضوع حول تداعيات هذا الأمر.

فبالعودة إلى الوراء نجد انّ ولاية مجلس النواب اللبناني كان يجب ان تنتهي في حزيران 2013، وكان يجب ان ينتخب مجلس جديد يقوم بانتخاب رئيس للجمهورية في حدّ أقصاه 25/5/2014 وباحترام هذا التسلسل في المواعيد يكون احترام حقيقي لروح الدستور وفلسفته. وما يطرح خلافاً لذلك يشكل خرقاً لهذه الروح وانتهاكاً لجوهر الدستور.

وهنا نرى انّ تمسك بعض السياسيين بأولوية انتخاب الرئيس قبل الانتخابات النيابية مع تهويل وتباكٍ على مصير النظام، إنما هو مغالطات تعاكس الحق والحقيقة، لأنّ العكس هو الصحيح، وهنا نسأل هؤلاء أليس النظام الديمقراطي البرلماني قائماً على وجوب العودة للشعب واحترام إرادته، وفقاً للمواعيد المقرّرة؟ ثم أليس انتخاب رئيس جمهورية من قبل مجلس لم يكن له الحق أصلاً بانتخابه في ولايته الأصلية لو تمّ احترام المواعيد، أليس في انتخابه تزويراً للإرادة الشعبية؟ ثمّ من قال أنّ الشعب اللبناني اليوم وفي ظلّ انتخابات جديدة سيعيد هذا المجلس وبأكثريته ذاتها؟ وأخيراً أليس لكم في الانتخابات البلدية عبرة تعتبرون منها، حيث إنّ أحزاب ما يسمّى «أكثرية 2009» كانت هي الخاسر الأكبر في الانتخابات. خسارة ظهرت من بابين الأول نسبة الاقتراع المتدنية التي لم تصل إلى 18 في بيروت، ما يعني إعراضاً شعبياً عمّن يدّعي تمثيلها، ثم عجز فريق السلطة عن الحصول على أكثر من 55 من اصوات المقترعين، أيّ انه لم يحصل على ما يصل إلى 10 من الكتلة الناخبة.

وإذا عطفنا هذه النتائج التي جاءت بها صناديق الاقتراع على حال الفساد الذي تتخبّط به الدولة في ظلّ الطبقة السياسية القائمة والممسكة بأزمة الحكم، كما على حال التململ الشعبي الذي تعبّر عنه الحركات الاحتجاجية التي يقوم بها المجتمع المدني، نصل إلى خلاصة أكيدة مفادها انّ الشعب اللبناني فعلاً يرفض الوضع القائم ويريد إحداث تغيير ما مهما كان ضئيلاً.

نقول هذا رغم علمنا اليقيني أنّ الحال الطائفية التي يتسم بها النظام السياسي اللبناني، والتي تمّ التأكيد عليها ضمناً وبشكل فظ في ممارسة نظام الطائف أن كلّ ذلك يمنع التغيير الجذري ويحول دون الإصلاح المنشود، ولكن هذا الأمر لا يعني وجوب القبول بمزيد من الانحراف او العمل بمزيد من الاستثناءات. وإذا أردنا الإصلاح فلنبدأ بخطوة مهما كانت قصيرة تقرّبنا منه، فإذا كان ممكناً اعتماد نظام انتخابي عادل يؤكد التمثيل الشعبي الصحيح فليكن وليعتمد قانون نسبي ودائرة واحدة لكلّ لبنان، وإلا فلتكن دوائر خمس أو أكثر على أساس النسبية، وإلا فليكن مختلطاً وانْ لم يحصل شيء من ذلك، فلتجر الانتخابات على أساس القانون القائم، والمهمّ أن تجري قبل انتخاب رئيس الجمهورية، لأنّ في هذا الإجراء وضعاً للأمور في مواضعها، أيّ العدل واحترام إرادة الناس إلى حدّ ما.

إنّ نجاح الدولة في إجراء الانتخابات النيابية أسقط ذريعة القوة القاهرة، وبالتالي أسقطت شرعية مجلس النواب الممدّد لوجودها ارتكازاً عليها، وإذا كان من استثناء وحيد إضافي لإبقاء هذا المجلس فهو الاستثناء المتعلق بوضع قانون انتخاب ليس أكثر، لأنّ في ذلك فتح باب للعودة إلى الشعب الذي تعتبر استجابته ومشاركته في الانتخابات بمثابة المصادقة على عمل تشريعي غير مكتمل الشرعية، لأنه انبثق عن مجلس منتفي الصلاحية ويعتدّ بالموافقة الشعبية الضمنية لإسباغ المشروعية على القانون وما ينجم عنه شرط أن يتضمّن ذاك القانون شرط مشاركة الـ25 من الكتلة الناخبة للقبول بنتائج الانتخابات.

أما الدفع باتجاه إجراء انتخابات رئاسية من قبل هذا المجلس فيعني بكلّ بساطة إنتاج رئيس غير شرعي، لأنّ فاقد الشرعية لا يمنحها لأحد، والمجلس الذي سقطت شرعيته بسقوط ذريعة منع تجديده بانتخابات نصّ عليها القانون لا يمكن ان ينتج رئيساً شرعياً.

اما إذا أصرّ من يخشى الاحتكام إلى الشعب على إجراء انتخابات رئاسية قبل النيابية، فإنه في ذلك يضيف إلى ملفه في خرق الدستور والقانون فصولاً جديدة تراكم ما فعل خلال السنوات العشر الماضية من إنفاق بلا قانون ومن تسيير للدولة بلا موازنة ومن تنازل عن سيادة بلا سبب ومن ارتهان لإرادة خارجية من غير مبرّر، وهنا يكون التحدّي الكبير امام المكونات اللبنانية الأخرى، فهل تساير وتكون شريكة في الانتهاك ام ترفض وتكون مسؤولة عن التصحيح؟ هذا هو التحدّي الذي يواجه اللبنانيين.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى