مقالات مختارة

ليس دفاعاً عن حزب الله… ولكن منعاً للتضليل د. حسين طرَاف

 

الفترة التي تلت إصدار مكتب مُراقبة الأصول الخارجية في وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) للمراسيم التطبيقية الخاصة بالقانون الأميركي لحظر تمويل حزب الله دولياً، شهدت الكثير من الجدل وتبادل وجهات النظر لبنانياً، بين من يرى ضرورة إلتزام المصارف اللبنانية بالقانون الأميركي حمايةً للنظام المصرفي اللبناني، وبين من إعتبر أن هذه المصارف تبالغ في تطبيق هذا القانون.

بلغ القلق لدى حزب الله أوجّه مع إصدار كتلة الوفاء للمقاومة، الأسبوع الماضي بيانا شديد اللهجة، إعتبرت فيه أن «التعاميم التي أصدرها أخيرا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وفقا للقانون الأميركي، والتي تلزم المصارف اللبنانية العمل بموجب أحكامه، إنصياع غير مبرر لسلطات الإنتداب الأميركي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين والمصارف». وحذرت من حرب إلغاء يسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف.

رد المصارف على بيان الكتلة جاء سريعاً عبر بيان لجمعية المصارف أعلنت فيه أن المصارف اللبنانية مُلتزمة بتطبيق قانون العقوبات الأميركية لأن فيه حماية لمصالح لبنان والحفاظ على ثروة جميع أبنائه ومصلحة المتعاملين مع المصارف.

بدايةً، من المُجحف وغير المنطقي الطلب من المصارف اللبنانية عدم الإلتزام بالقانون الأميركي. إذ إن ذلك قد يُعرّضها لعقوبات مالية ويمنعها من التعامل مع المصارف الأميركية المراسلة، مما يعني ــــ عملياً ــــ محاصرتها ومنعها من القيام بنشاطها المصرفي. كما أن قراءة دقيقة للقانون الأميركي، في فقرته المتعلقة بالمصارف، تُبيّن أن القانون ينص على إمكانية معاقبة المصارف التي تقوم عن سابق معرفة بتسهيل عمليات مالية مهمة لحزب الله أو لأشخاص مُدرجة أسماؤهم على لائحة المقاطعة الأميركية المُعدة من قبل «أوفاك»، أو المصارف التي تُساهم عن سابق معرفة في عمليات تبييض أموال من شأنها تمكين الحزب من الدخول الى النظام المصرفي.

لكن ما تقوم به بعض المصارف اللبنانية تجاوز بأشواط ما هو مطلوب منها بحسب القانون الأميركي. إذ لم يطلب هذا القانون من المصارف عدم التعامل مع مُقربين من حزب الله أو أقرباء أو حتى أفراد ضمن عوائل أشخاص ينتمون اليه. كما لم يطلب منها إغلاق حسابات مؤسسات وجمعيات دينية تُصنّف بأنها مُقربة من الحزب.

فقد عمَد بعض المصارف إلى إغلاق عشرات الحسابات لأشخاص «شيعة» ومؤسسات تابعة لهم، كما رفضت مصارف إلى رفض فتح حسابات لأشخاص آخرين من دون الإفصاح عن أسباب الرفض. وأعطت بعض المصارف تعليمات مُشددة لفروعها في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان بضرورة التشدُد في فتح حسابات لأشخاص يمكن أن يكونوا مُقربين من حزب الله.

من الواضح أن بعض المصارف اللبنانية قدمت إلتزامات للإدارة الأميركية تتخطى ما هو مُعلن عنه في القانون الأميركي، وقد تكون ذهبت، من خلال عشرات اللقاءات التي عقدتها مع مسؤولين أميركيين في كل من واشنطن وبيروت، إلى تبني السياسة الأميركية الهادفة إلى محاصرة الحزب.

إزاء ما تقدم، من حق اللبنانيين بشكل عام، والمتضررين من إجراءات المصارف اللبنانية بشكل خاص، أن يسألوا:

ــــ لماذا عمَدت بعض المصارف اللبنانية إلى إغلاق حسابات أشخاص ومؤسسات تُدار من قِبل أشخاص «شيعة» قبلَ صدور القانون الأميركي المُتعلق بحزب الله في كانون الأول من العام الماضي؟

ــــ هل أطلَعَت المصارف اللبنانية كلاً من مصرف لبنان ووزارة المالية ولجنة المال النيابية على مضمون لقاءاتها مع المسؤولين الأميركيين في ما خص القانون؟

ــــ هل أطلَعَت هذه المصارف أي سلطة رسمية في لبنان على مضمون وطبيعة الإتفاقات التي وقعتها مع الإدارة الأميركية إبتداء بقانون الإلتزام الضريبي (فاتكا) وإنتهاء بقانون مُعاقبة حزب الله؟

ــــ هل تقوم المصارف بإبلاغ أصحاب العلاقة من أفراد ومؤسسات حين تطلب الإدارة الأميركية من المصارف تزويدها بمعلومات عن حساباتهم لديها؟

ــــ أخيراً، تقوم الخزانة الأميركية بتتبع حسابات الأفراد لفترات طويلة قبل إدراج أسمائهم على لائحة المقاطعة الأميركية، فهل أبلغت المصارف اللبنانية هؤلاء الأفراد إذا كانوا من عملائها بأن الخزانة الأميركية حصلت على بياناتهم المصرفية لديها؟

بما أن المصارف اللبنانية «فاتحة على حسابها»، وبما أن الحملة الأميركية على حزب الله ما زالت في بدايتها، سيشهد لبنان مزيدا من التأزّم في العلاقة مع المصارف اللبنانية. لذا لا بد مع العمل على إيجاد آلية تسمح لهذه المصارف بالإلتزام بالقانون الأميركي، وتضمن في الوقت نفسه عدم إستغلال هذا القانون من قِبل بعض المصارف لمُحاصرة فئة مُحددة من اللبنانيين.

وهذه الآلية قد تكون عبر إنشاء لجنة خاصة تعمل تحت إشراف وزارة المالية (لا يمكن لمصرف لبنان أن يقوم بهذه المهمة نسبة للتعهدات والإلتزامات التي قدمها للإدارة الأميركية) تكون مُهمتها تلقَي الشكاوى من الأفراد والمُؤسسات الذين قد تعمَد المصارف إلى إغلاق حساباتهم أو ترفض فتح حسابات لهم دون أسبابٌ واضحة، كما تُلزم هذه اللجنة المصارف بإطلاعها على ما يتم من مراسلات بينها وبين الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالقانون الخاص بحزب الله.

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى