مقالات مختارة

إحياء تفاهم سليماني وبوتين: خان طومان أولوية محمد بلوط

 

لا تمديد للهدنة في حلب، والأولوية لاستعادة خان طومان، بعد إحياء جزئي لتفاهم بين قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في نيسان الماضي.

التفاهم الإيراني – الروسي على استعادة خان طومان، قد يكون خلف عودة القاذفات الروسية مجدداً إلى سماء الأرياف الحلبية شمالاً وجنوباً، بشكل خاص. الغارات الروسية استهدفت بشكل غير مسبوق مواقع «جيش الفتح»، الذي دخل البلدة الإستراتيجية الجمعة الماضي.

ويدفع ارتفاع حجم الانخراط الروسي مجدداً في العمليات وتوسيع نطاق العمليات خلال الساعات الماضية، إلى تغيير واضح في التعامل الروسي مع معركة حلب، خصوصاً بعد فشل المحاولة الديبلوماسية في مجلس الأمن، لوضع «أحرار الشام» و «جيش الإسلام « على لائحة الإرهاب. لكنه يدفع، بشكل خاص، إلى الاعتقاد أن تفاهماً إيرانياً – روسياً على التعاون عسكرياً في الشمال السوري، قد وضع مجددا على الطاولة.

وتقول معلومات إن سليماني كان قد زار موسكو في 14 نيسان الماضي، على رأس وفد من ضباط الحرس الثوري والمقاومة، للقاء مسؤولين روس، من بينهم بوتين، بهدف تجديد التفاهمات التي نشأت خلال الزيارة التي قام بها قائد «فيلق القدس» إلى موسكو في تموز الماضي، والتي مهدت للانخراط الروسي في عملية دعم جوي واسع للجيش السوري وحلفائه.

وليس سراً أن طهران كانت قد عارضت وقف إطلاق النار الذي أعلنه الروس بالتفاهم مع الأميركيين، في 27 شباط الماضي. وكانت طهران ودمشق تفضلان مواصلة العملية السورية – الروسية المشتركة، في لحظة تراجع المجموعات المسلحة، وتدمير بنيتها التحتية، وتحطيم أكثر من ٨٠ في المئة من مستودعات أسلحتها، لا سيما في ريف حلب الشمالي.

وكانت فرصة محاصرة حلب الشرقية، تلوح للمرة الأولى منذ ثلاثة أعوام من الحرب، لوحدات الجيش السوري التي استطاعت تحطيم حصار نبل والزهراء شمالاً، وتهديد طرق إمداد المجموعات المسلحة مع قواعدها التركية، عبر معبر باب الهوى والتي كانت تقف على بعد اقل من ٣٠ كيلومتراً من الوصول إليه. وفي ريف حلب الجنوبي تقدمت قوات إيرانية – سورية – عراقية – لبنانية مشتركة نحو الحاضر وخان طومان وتل العيس، وتستعد للتوجه نحو كفريا والفوعة المحاصرتين على بعد ١٧ كيلومتراً من وحدات الطليعة. أما مجموعات العقيد سهيل النمر فكانت تخترق خطوط تنظيم «داعش» شرق حلب، وترفع حصار أكثر من عامين عن ألف جندي في مطار كويرس العسكري. والأرجح أن إدارة حصار كشرق حلب يترتب عليه المزيد من الانخراط العسكري، لم يحسم أمره داخل الإدارة الروسية حتى الآن.

وجلي أن سقوط خان طومان، وخصوصاً الخسائر الكبيرة التي أصابت الإيرانيين بمقتل ١٣ من ضباط الحرس الثوري، في هجوم انتحاري لـ «جبهة النصرة» على غرفة العمليات، قد أعادت إحياء ذلك التفاهم، وأجبرت الروس على التراجع عن تمديد الهدنة.

وجاء إعلان «جيش الفتح» عن قتل ثلاثة من أسراهم الإيرانيين، من بينهم نائب قائد العمليات الإيرانية في سوريا، ليزيد من تصميمهم على تأجيج معركة خان طومان، والإصرار على عدم تمديد الهدنة، وطلب دعم جوي روسي. وفي هذا السياق يندرج كلام أمين سر مجلس الأمن القومي محسن رضائي الذي توعد «بأن إيران الإسلامية وحلفاءها لن يتركوا أحداث حلب الأخيرة من دون رد».

ويشعر الإيرانيون أنهم تعرضوا إلى خديعة كبيرة في خان طومان، وان البلدة ما كانت لتسقط لو توفر لهم الدعم الجوي الروسي. كما أن الروس كانوا قد نقلوا إليهم تطمينات حصلوا عليها من الأميركيين، أن «جيش الفتح» لن يتقدم أبعد من تل العيس، ليتبين أن الأتراك والسعوديين قرروا قلب الطاولة على الجميع في الشمال السوري.

وخلال الساعات الماضية، أعاد الإيرانيون تنظيم صفوفهم، ووصل قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني إلى منطقة خان طومان على رأس وحدات خاصة من الحرس الثوري. ويعتزم سليماني قيادة المعركة التي يحتشد فيها أكثر من 20 ألف مقاتل إيراني من الحرس الثوري، وأفغان من «لواء فاطميون»، ووحدات من «النجباء» العراقيين، والمقاومة، ووحدات سورية. ولن تقتصر المعركة على خان طومان وحدها، بل تشمل جزءا من الريف الحلبي الشمالي.

ولا يزال الجيش السوري يملك زمام المبادرة في المنطقة. وتقتصر سيطرة «جيش الفتح» على البلدة نفسها، من دون المواقع الإستراتيجية المحيطة بها. إذ يمسك الجيش السوري وحلفاؤه بالتلال الشرقية والجنوبية الشرقية والجنوبية، كما يمسك بمعراتا، ومستودعات الأسلحة، وكتيبة الدبابات، وهي كلها مواقع تسمح بشن هجوم ناجح.

وبحسب مصادر عربية مطلعة، استعاد سليماني مع المسؤولين الروس تفاهمات على استئناف العمليات شمالاً، بعد استعادة تدمر في قلب المنطقة الوسطى. وكان الروس والجيش السوري قد استفادوا من هدنة شباط، لنقل وحدات سورية شكلت رأس حربة الهجوم في عمليات ريف اللاذقية، لاقتحام المدينة التاريخية. واتضح في ما بعد أن العملية التي عول عليها الروس كثيراً لم تضف إلى رصيدهم المعنوي، ما كان منتظراً ديبلوماسياً وإعلامياً. وحسم اللقاء بالتفاهم أن قتال «داعش» ليس مهمة الروس والإيرانيين والجيش السوري وحده، كما حسم الموقف الروسي من اعتبار بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه مسألة غير قابلة لأي مساومة.

وكان الإيرانيون قد استبقوا اللقاء مع الروس بإرسال تعزيزات وصلت طلائعها في السابع من نيسان الماضي، تنتمي إلى «اللواء 65» من القوات البرية الإيرانية، وهي المرة الأولى، منذ بداية الحرب، التي ترسل فيها طهران قوات برية نظامية إلى سوريا. وكان الإيرانيون و «لواء القدس» والجيش السوري قد اختبروا في اليوم نفسه للقاء سليماني ببوتين، عملية الالتفاف على حلب الشرقية، بالتقدم نحو مزارع الملاح، لإغلاق معبر الكاستيلو الأخير نحو شرق المدينة. لكن القاذفات الروسية لم تتحرك لدعم العملية، كما لم تدعم التحرك الذي كان قد بدأه الأكراد من الشيخ مقصود نحو الهدف ذاته، فانتهت إلى الفشل وانسحاب المهاجمين.

وأسهم الدعم الجوي الروسي في تعويض نقص العديد لدى الجيش السوري بعد خمسة أعوام من القتال والاستنزاف، وهو نقص ضاعفه خيار روسي بفتح جميع الجبهات في وقت واحد، من الريف الشمالي للاذقية إلى شمال حمص، فريف حماه الشمالي الغربي، فالغوطة الدمشقية، وأرياف حلب في جميع الاتجاهات، وأجزاء من الجبهة الجنوبية. وكان التقدم في اللاذقية الأسرع بسبب الحاجات الروسية إلى حماية وتأمين قاعدة حميميم، فيما تباطأت العملية عند تلال كبانة، بعد أن وصلت إلى مرحلتها الادلبية، وإشرافها على جسر الشغور، التي كانت تعني دخولها في مرحلة مواجهة اقسى مع الأتراك.

ويبدو أن التأخير في التقدم نحو التفاهم الجديد الإيراني – الروسي، يعكس براغماتية روسية عالية، ورؤية موسكو أن ما تم تحصيله في الميدان يكفي لتجميد العملية والتوجه نحو اختبار الحل السياسي مع الأميركيين. كما يعكس أيضاً رغبة الروس في عدم الذهاب بعيداً في الحرب مع القوى الإقليمية والدولية مجتمعة، من السعودية وتركيا وقطر والقوى الغربية والولايات المتحدة، خوفاً من الاستنزاف أو رهاناً على حل سياسي غير ممكن، انفردت به موسكو، كما بين الفشل الأخير في «جنيف 3» وإعادة تسليح المجموعات السلفية الجهادية.

ذلك أن معركة حلب هي معركة سوريا بأسرها، وأن مجرد حصارها أو استئناف الانتشار الممكن في شمالها، آنذاك، كان سيحول المسلحين الذين يقاتلون بالوكالة عن القوى الإقليمية، إلى مجموعات متفرقة في جيوب متباعدة، ويمنح سوريا فرصة حل سياسي، بفضل ميزان قوى يرجح لصالح الجيش السوري.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى