مقالات مختارة

التصعيد الإرهابي في مصر حميدي العبدالله

 

تعرّضت مصر في الآونة الأخيرة لموجة جديدة من العمليات الإرهابية، ويمكن القول عن بعض الهجمات إنه غير مسبوق، مثل الهجوم الذي استهدف الشرطة في حلوان، وتحدّثت تقارير عن وجود خرق داخل وزارة الداخلية ساهم في نجاح الهجوم.

مصر اليوم باتت تعاني من إرهاب يضعها في المرتبة الخامسة بعد سورية والعراق واليمن وليبيا، وتقدّمت على تونس والجزائر، ولم تشفع لها علاقاتها الجيدة مع المملكة العربية السعودية والتنازلات التي قدّمتها لإرضائها، أو سياستها التي لا تزال تضعها في معسكر الدول التي تدور في فلك السياسة الغربية، فلماذا لا تزال مصر مستهدفة من قبل الإرهاب، ولماذا الإرهاب قادر على تحقيق كلّ هذه النجاحات؟

لا شك أنّ الانقسام الشعبي الحاصل في مصر يلعب دوراً كبيراً في خلق بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية التي تشنّ الهجمات على مواقع الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى، على نحو بات يضاهي الهجمات التي تشنّ في سيناء. لا تزال قوى شعبية واسعة في مصر إما أنها تقف على الحياد بين النظام ومعارضيه، حتى وإنْ لم تكن مؤيدة للجماعات الإرهابية، وفي هذا الإطار تأتي الأحزاب الليبرالية والأحزاب القومية، وتحديداً بعض القوى الناصرية الفاعلة مثل حزب الكرامة الذي يتزعّمه المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، أو جماعة «الإخوان المسلمين» والأحزاب الدينية الأخرى التي تعارض النظام، ويمكن الاستنتاج بأنّ ما يفوق ثلث الشعب المصري بقليل يعارض بقوة النظام القائم، ويتعاطف بقوة مع الهجمات التي تتعرّض لها القوى الأمنية حتى وإنْ كانت الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم «داعش»، هي التي تشنّ هذه الهجمات.

كما أنّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية، وتحديداً بريطانيا، لا تزال تتحفّظ على أداء نظام الرئيس السيسي لأسباب كثيرة، بعضها يعود إلى عدم رضى هذه الدول عن مستوى العلاقة القائمة الآن بين مصر والدول الغربية، وسعي نظام الرئيس السيسي لإقامة علاقات وطيدة مع روسيا، وبعضها يعود إلى رغبة الولايات المتحدة وبريطانيا بإشراك «الإخوان المسلمين» في الحكم، ورفع الحظر عن مشاركتهم في الحياة السياسية، وهو ما تعتبره الدولة المصرية خطاً أحمر لا يمكن التسامح معه في ضوء نتائج تجربة التعايش مع «الإخوان المسلمين».

هذه المعطيات التي تشكل سمات الوضع السياسي القائم في مصر، تشكل بيئة مناسبة لاحتضان الأعمال الإرهابية، وتوفير مناخ ملائم لرفد الجماعات الإرهابية بالمزيد من المقاتلين، وغضّ النظر عن نشاطاتهم، بل تقديم التسهيلات لهم، يساعد على ذلك قدرة الجماعات الإرهابية، في ظلّ هذه المعطيات، على خرق مؤسسات الدولة وتجنيد متعاونين معها، مما يسهّل عليهم تنفيذ هجمات تشبه الهجوم الذي وقع في حلوان.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى