مقالات مختارة

الحريري يخشى دفع «فاتورة» بيروت في الرياض: ابراهيم ناصرالدين

دون اموال سعودية، ودون التحريض على حزب الله، لن يكون رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قادرا على «البقاء» على قيد «الحياة» سياسيا، انها خلاصة كان يعرفها اكثرية الناس ويشكك بها البعض، لكنها باتت «يقينا» او من المسلمات ، بعد الاداء السياسي الهزيل لرئيس «التيار الازرق» الذي اخفق في استعادة «ثقة» القيادة السياسية في الرياض وليس فقط ثقة «البيارتة»، ولو كان يملك شيئا من «الحياء» لكان واجبا عليه «شكر»حزب الله لانه لم يساهم باسقاطه «بالضربة القاضية» من «تحت الطاولة»، لكن للحزب حسابات أخرى، وللحريري ايضا «حساب» آخر يخشى ان يدفعه، وهو ما يفسر غضبه من القوى المسيحية التي تعمدت «خيانته»….

هذه الخلاصة لاوساط قيادية في 8آذار، تشير الى ان الحريري لم يكن يخوض المرحلة الاولى من الانتخابات، وخصوصا في بيروت، انطلاقا من حسابات محلية بحتة، كان مطمئنا الى النتيجة، ولم يكن يشك في اي مرحلة من مراحل تشكيل اللائحة ان «البيارتة» في خطر، لكنه كان «متوترا» خلال مرحلة التشكيل، والتصويت، واعلان النتائج، والسبب ان «عيون» السفارة السعودية في بيروت مفتوحة على هذا الاختبار الشخصي لرئيس «التيار الازرق» الذي كان يطمح لاستعادة ثقة القيادة السعودية الشابة من خلال اظهار قدرته على الامساك «بالشارع السني»، يدرك اليوم انه اخفق، لن يستطيع اجهاض الاستراتيجية السعودية التي تريد تعويم القيادات السنية الى جانبه، وسلبه «الحصرية» التي منحت له لسنوات، ولم يستطع استثمارها كما يجب، اراد ان يوجه «رسالة» من بيروت لانه يعرف انه لا يستطيع التعويض من مكان آخر، كل المعارك المقبلة يحتاج فيها الى شركاء، ولن تحسب لصالحه، يدرك ان النائب نجيب ميقاتي اقوى منه في طرابلس، انشقاق اللواء اشرف ريفي «الشح « المالي، وسياسة «المستقبل» الانتهازية في المدينة اضعفت موقفه كثيرا، اي انتصار سيتحقق في صيدا سيحسب للرئيس فؤاد السنيورة، المنافس الدائم والازلي، لم تعد هناك معارك جدية ليخوضها، لا تفيده تصريحات النائب سرج طورسركيسيان الذي توجه بعد الانتخابات «زعيما» على بيروت، ولم يشرح لاحد كيف استنتج ذلك، هذه التصريحات واخرى مماثلة لنواب «البوسطة» لا تستطيع تغيير حرف واحد من التقرير الذي سيرفعه السفير علي عواض العسيري الى قيادته السياسية…

أما من يلوم حزب الله على عدم خوض معركة بيروت البلدية، لا يزال قاصراعن ادراك كيف تفكر قيادة الحزب في تعاملها مع ملف شديد الحساسية اسمه «تيار المستقبل»، بحسب الاوساط، الاكيد ان حزب الله متمسك بوجود هذا الشريك على الضفة الاخرى لانه لا يوجد بديل جاهز يمكن ان يحفظ التوازنات القائمة في البلاد، ويحفظ الاستقرار القائم، كذلك هو ليس معنيا بالحاق هزيمة سياسية بالرئيس الحريري من «بوابة» بيروت، سيقال عنها انها «غزوة» سياسية شيعية للسنة، ويعاد بعدها فتح الملفات القديمة المليئة بالتضليل حول السابع من ايار، وغيرها من محطات التحريض المذهبي البغيضة… طبعا ليس حزب الله حزبا «ملائكيا» في السياسية، ضعف خصومه مكسب له، وضعف الحريري خبر جيد، ولكن اذا كانت النتيجة ستكون محسومة في هذا الاتجاه، فلماذا «التدخل» لافساد «الطبخة»؟

وتشرح تلك الاوساط هذه المعادلة بالقول، ان حزب الله بعزوفه عن معركة بيروت افقد الحريري «سلاحه» المحبب في التحريض المذهبي لانزال السنة الى صناديق الاقتراع، مشكلة الحريري مع جمهوره لم تكن تحتاج الى انتخابات بلدية كي يتم التأكد من وجودها، منذ عودته الى بيروت يراكم الاخفاق تلو الاخر، حالة الاحباط من سلوكه وتحالفته، وشح الاموال، الخلافات «داخل البيت» ومع الحلفاء، عدم قدرته على شرح اسباب تقلّباته الرئاسية من تبني رئيس القوات سمير جعجع الى تبني «صديق» الرئيس السوري بشار الاسد، معالجته السيئة لاحداث طرابلس، وبروز التيارات المتطرفة الجاذبة لعقول الشبان «الزرق»، كلها عوامل افقدت الحريري «هيبته» في شارعه ولدى الحلفاء، وتبين انه دون العودة الى التصويب على حزب الله، لن يستطيع الحريري شد العصب السني حوله… فهل من عاقل يمنحه هذا «السلاح الفعال» في لحظة ضعفه السياسي والمالي؟

والدليل على صحة هذه الاستراتيجية، ان الحريري عندما لم يجد هدفا للتصويب عليه وشعر بخواء شعاراته، حاول صبيحة اليوم الانتخابي اللعب على «مشاعر» جمهوره بتذكيرهم ان لائحة «البيارتة» بغياب حزب الله افضل، محاولا ادعاء «البطولة» في ابعادهم عنها، مع العلم ان جميع من كانوا خلال عملية التفاوض على اللائحة يدركون ان الحزب لم يدخل في اي مساومة على ذلك..ولم يبد ان رغبة في مواجهة لائحة «البيارتة»… «والانكى» تقول الاوساط، ان «زعيم المستقبل» عندما شعر بالخطر على لائحته قبل ساعات معدودات من اقفال صناديق الاقتراع، توسط مع حركة امل، وكذلك بعض القيادات السنية المقربة من الحزب، لعدم حصول رد فعل عكسي يؤدي الى نزول الاصوات الشيعية قبل اقفال الصناديق، مهددا بازمة ميثاقية ووطنية كبرى..فجاءت الاجوبة مطمئنة «نحن غير معنيين بهذه المعركة»…

بالنسبة للحزب فان كل الدلائل كانت تشير الى «ضعف» الحريري، فلائحة «البيارتة» «ملزقة تلزيق»خصوصا على الجانب المسيحي الذي توافق مع «المستقبل» على مضض، التيار الوطني الحر انقسم على نفسه وظل حتى اللحظات الاخيرة «رجل» في اللائحة والاخرى في خارجها، وجمهوره تمرد على القيادة قبل بدء التصويت، ولولا تدخل رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وتهديده بعدم المشاركة بدون حليفه المستجد، لكانت الامور «فرطت»… في المقابل جمهور «القوات» حانق جدا من «التيار الازرق» ولائحة «بيروت مدينتي» تشبهه اكثر، وجاء قرار الحريري بدعم لائحة مريام سكاف في زحلة ليزيد «الطين بلة»، فيما تذكير الحريري الدائم بانه ووالده لهما الفضل على المسيحيين في تمثيلهم مناصفة في المجلس البلدي، اثار سخط هذه القاعدة التي ملت معاملتها على اساس ان المسيحيين مواطنين من الدرجة الثانية، فانتقلت «النرجسية» الى القواعد الكتائبية..مع العلم ان قيادة الاحزاب المسيحية لم تكن تبذل اي جهد لحث انصارها على دعم «البيارتة»…

اما لائحة «بيروت مدينتي» فلم تستفد كما يجب من الصوت الشيعي «المتحلل» من القرار الحزبي في بيروت، فقرار قيادة حزب الله «النأي» بالنفس عن هذا الاستحقاق، ترك هامشا معقولا للشيعة للتعبير عن انفسهم، لكن لائحة «المجتمع المدني» تعاملت مع ناخبي الحزب ببرودة شديدة، ولم تقدم لهم ما يغريهم للتصويت، فالمرشحون غالوا في «مدنيتهم» الى حد بات الاقتراب من المكون الشيعي او مد جسور معه من «الاوراق»غير المربحة بالنسبة لهم… رافعوا راية المجتمع المدني يرون انفسهم من «طينة» واحدة مع اعضاء لائحة «البيارتة»، الكثيرون منهم خاضوا المعركة على اساس ان التنافس بين «محبي الحياة» فلا داع للتواصل مع طلاب «الشهادة»، ولكنهم ادركوا متاخرين ان البيئة التي كانوا يخاطبونها مجموعة «تنابل» يعيشون ويصوتون في عالم افتراضي وليس في صناديق الاقتراع…ومن اهملوا اصواتهم كانوا بمقدورهم «قلب النتائج»…

في الخلاصة لم يقدم حزب الله «طوق نجاة» للحريري،لا يحتاج الى من يدفعه الى الماء، هو هناك «يغرق» فلا داع لبذل اي جهد لانقاذه، في المقابل كان الحريري اقل «فطنة» في حساباته البقاعية تدخل في انتخابات بعلبك من «تحت الطاولة»، التواصل فتح على «مصراعيه» مع المكون السني المؤثر في المدينة لالحاق هزيمة مدوية بالحزب، استفز بذلك الطرف الاخر فتجاوزت نسبة الاقتراع الـ60 بالمئة، لم تطابق حسابات «الحقل» «حساب البيدر».. لو تدخل الحزب في بيروت لحصل الامر عينه… لكن الحزب ترك الحريري ليواجه مصيره بانتظار جردة الحسابات السعودية بعد الانتخابات البلدية؟؟؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى