مقالات مختارة

«الغزل» الجنبلاطي بحزب الله «واقعية» ام مقدمة «لاستدارة» جديدة؟ ابراهيم ناصرالدين

 

لماذا هذا «الغزل» «الجنبلاطي» بحزب الله؟ سؤال طرح بقوة خلال الساعات القليلة الماضية، بعد سلسلة المواقف العلنية لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في معرض تقديمه «جردة الحساب» الشاملة على ادائه السياسي في المرحلة الاخيرة والتي تميزت بفتح السجال على مصراعيه مع تيار المستقبل. فهل ثمة «انقلاب» جديد «واستدارة» يعمل زعيم المختارة على تهيئة الاجواء المناسبة لتسويقها؟ ام ان ما نطق به «واقعية» سياسية تفترض الاقرار، بأن ثمة شيئاً تغير ويحتاج الى قراءة موضوعية، دون الحاجة الى «الانقلاب» السياسي المعتاد والذي اصبح «ماركة» مسجلة باسم «البيك»…

اوساط في 8 آذار تميل الى الرأي الثاني، وترى ان ما قاله جنبلاط في العلن يعكس اداء حركته السياسية خلال الاشهر القليلة الماضية، هو نعى «حياته السياسية» ولم يعد في صدد تكرار تجارب الماضي المؤلمة، لن يقبل استخدامه في «لعبة امم» جديدة تضع مصير الدروز على المحك في منطقة «تغلي» وتذهب نحو المزيد من التشرذم والاستقرار، ليس في صدد ان يكون «منصة» سعودية او اميركية للهجوم على حزب الله، يدرك جيدا ان الاحتكاك مع «الجيران» الشيعة عبثي ومكلف وليس في «قاموسه» اليوم تقديم خدمات مجانية او مدفوعة الثمن لاحد، حماية «الاقلية» الدرزية في لبنان اولوية بالنسبة اليه بعد ان افقدته مواقفه السورية القدرة على التأثير في دروز سوريا، هذه المهمة تتطلب التعامل بواقعية مع التطورات، هو يعرف جيدا ان النظام في سوريا لن يسقط قريبا، يدرك ان روسيا ماضية حتى النهاية في حربها السورية، وضمن اولوياتها حماية الرئيس بشار الاسد، ويدرك جيدا ان «المظلة» الوحيدة القادرة على حمايته، والحفاظ على ما تبقى من «شعرة معاوية» مع النظام السوري هي حزب الله، والسيد نصرالله شخصيا، هو الضمانة الوحيدة في ظل هذه «العواصف المجنونة» في المنطقة، هو يعرف مكانته، باعتباره المسؤول اللبناني الوحيد الذي يملك سلطة مقررة لدى القوى الاقليمية المؤثرة بالساحة اللبنانية….

هذه المعطيات باختصار تلخص «الحالة» الجنبلاطية اليوم، وهو انطلاقا من مشاوراته المستمرة مع «بيت الوسط» توصل الى قناعات حاسمة في الملف الرئاسي، تفيد بأن العقدة هناك وليست في «حارة حريك»، وتشرح تلك الاوساط المعادلة بالقول، «مهما حكي عن «تضخم» حجم الازمة بين الجنرال ميشال عون ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فان الخلاف حول الترشح الى الرئاسة يغدو تفصيلا صغيرا امام التسويات الكبرى متى آن اوانها، صحيح ان الود بين الرجلين تراجع، والخصومة باتت اكبر، ولكن اذا حضرت التسوية وكانت مرتبطة بالمصلحة الاستراتيجية لحزب الله ومحور المقاومة في المنطقة، فان هذه القضايا التفصيلية تزول، خصوصا لدى النائب فرنجية، الذي» وبصدق تام» ليس طامحا للرئاسة بأي ثمن، وهو ليس من الباحثين عن «مجد» قد يكون تتويجا منطقيا لمسيرته السياسية النقية والبعيدة عن اي تلوث اصاب الكثيرين من السياسيين، ولكنه لن يقبل ابدا ان يكون رئيسا على حساب مبادئه وقناعاته، وهو ليس مرشح تحد لحزب الله وما يمثله الحزب من «خط» هو جزء اساسي فيه، لكن حقيقة الامر ان انسحابه الان يبقى دون اي جدوى، بل ومضراً للمحور الذي يمثله، وهذا ما قد يفسر عدم قيام حزب الله بالمبادرة الى البحث معه في هذا الامر…

ولشرح هذه المعادلة، تشير تلك الاوساط الى ان الظروف غير ناضجة اليوم لانتخاب عون رئيسا للجمهورية، «الفيتو» السعودي على حاله، والرئيس الحريري «مكبل» وغير قادر على التقدم خطوة في هذا الاتجاه، وهو يتمسك «بورقة» فرنجية لانه لا يملك غيرها بين يديه، ولا يملك ترف التراجع عن قرار اتخذ «بالتشاور» مع القيادة السعودية نتيجة حسابات خاطئة تقوم على استراتيجية احراج حزب الله مع حلفائه. واليوم من غير المنطقي ان يتم منح رئيس «المستقبل» الذريعة للعودة الى «المربع الاول»، فانسحاب فرنجية من السباق الرئاسي يحصر ترشيحات فريق 8 آذار» برئيس تكتل التغيير والاصلاح، دون ان تكون ظروف انتخابه ناضجة، وهذا يعني خسارة هذا الفريق لمرشح محتمل دون اي «ثمن»، وعلى العكس من ذلك فان هذه الخطوة ستبرر للحريري اعادة ترشيح احد رموز 14آذار، او عودة الحديث الى خيار الرئيس «الوسطي»، ولذلك فان الحكمة تقتضي بأن يبقى فرجية وعون في السباق، وحصر المنافسة بين الرجلين، لان في نجاح احدهما مكسبا محققا لحزب الله وفريقه السياسي، واي خطوة من قبل الحزب باتجاه فرنجية لاقناعه بالانسحاب، وليس الضغط عليه، ستكون مرتبطة بنضوج «طبخة» التسوية الرئاسية، وعندما تتهيأ المناخات لوصول عون الى قصر بعبدا، لن يكون «زعيم» زغرتا العقبة امام وصوله، وهو اليوم يقوم بدوره الطبيعي كجزء من فريق سياسي نجح في فرض خياراته على الفريق الاخر الذي اضطر في نهاية الامر الى الاقرار بأن اي رئيس مقبل لن يكون الا من 8 آذار، ودوره اليوم هو حماية هذا الانجاز.

وفي هذا السياق، فان كلام جنبلاط عن ان «تسوية «رئاسية لن تحصل الا اذا تنازل احد المرشحين للاخر، او بالاتفاق على مرشح تسوية، صحيح في الشكل بالنسبة الى الطرح الاول، وغير واقعي بالنسبة الى الطرح الثاني، فالمرشح «الوسطي» فكرة تم تجاوزها، ولم تعد تتناسب مع موازين القوى المحلية والاقليمية، هو يدرك ان دعوته عون وفرنجية الى التفاهم على الملف الرئاسي، خطوة تحتاج اولا الى اقناع الحريري بالنزول الى مجلس النواب لانتخاب «الجنرال»، لان قوى 8 آذار لن تقوم «بقفزة» في «المجهول، حاول «البيك» في لقائه الاخير «جس نبض» رئيس «المستقبل» وبحث معه الاحتمالات، لكن الاجوبة كانت حاسمة لجهة الاستمرار في خيار فرنجية، لان الرياض ليست في صدد منح حزب الله «انتصارا» على الساحة اللبنانية فيما تخوض معه مواجهة مفتوحة في الداخل والخارج، وما لم يحصل اي تعديل في المقاربة السعودية، وما لم يحصل تقارب مع طهران، فان التراجع غير وارد في المدى المنظور. يعرف جنبلاط جيدا ان المحاولات الاميركية والسعودية «لعزل» حزب الله ستزيده تصلبا في مواقفه، من خلال المزيد من التشدد وعدم منح حلفاء الرياض في بيروت «جوائز ترضية» في الانتخابات الرئاسية وغيرها من الملفات… فيما لا يملك الحريري ترف التحرك خطوة الى الامام.

وانطلاقا من هذه المعطيات يمكن فهم تردد جنبلاط في لقاء الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ووفقا للمعلومات، فان «ابواب» حارة حريك لم تكن موصدة في وجه «البيك» ليعاد فتحها من جديد، بعد هذه الاشارات الايجابية التي بعث بها جنبلاط، لكن «واقعيته» وعدم قدرته على القيام بدور «الوسيط» لحل الازمات المستعصية، كانت السبب الرئيسي في عدم طلبه اللقاء، السعودية تغيرت كثيرا، وليس هو من تغير، لم تعد «مكانته» هناك في ظل القيادة الجديدة هي نفسها في «زمن» الملك عبدالله، هو غير قادر على التأثير في القرار السعودي وهم توقفوا عن استشارته بشيء، اهتمامهم منصب على تماسك «الساحة» السنية لا اكثر ولا اقل، حربهم «المفتوحة» مع حزب الله لا تجعلهم في حالة اتزان، حليفهم «الرئيسي» سعد الحريري لم يعد يملك «الحظوة» التي تخوله المناقشة والتاثير، هو «محاصر» ماليا، «ومكبل» سياسيا، فلا غرابة في ان تكون مكانة «البيك» قد تراجعت، طبعا هو لا يريد «كسر الجرة» مع السعوديين ولا مع تيار المستقبل، يختار «النأي بالنفس»، يريد ان يكون على مسافة واحدة مع حزب الله، هذا ما فرض عليه طرح سؤال جدي حول ما الذي سيحمله اي لقاء مع السيد نصرالله اذا لم تكن بين يديه مبادرة تحمي «ظهره»؟

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى