مقالات مختارة

مخاض النخبة الأميركية حميدي العبدالله

 

الانتخابات الأميركية التي جاءت بالرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، شكلت في عام 2008 مفاجأة، ونظر إليها بوصفها تحوّلاً نوعياً في المناخ السائد في النخبة الديمقراطية والشعب الأميركي كردّ فعل على ما اقترفته الإدارة الجمهورية في عهد بوش الابن من أخطاء كبّدت الولايات المتحدة خسائر مالية كبيرة وخسائر بشرية عبر تورّطها في حروب لا مبرّر لها، ولا سيما حرب العراق التي يطلق عليها مصطلح «حرب الاختيار» أيّ أنها لم تكن حرب الضرورة كما كانت عليه حال الحرب الأفغانية التي جاءت رداً على هجمات 11 أيلول 2001.

وكثيرون استبعدوا أن يفوز باراك أوباما بولاية ثانية في ضوء أدائه في ولايته الأولى، لكنه حقق فوزاً مريحاً على منافسه الجمهوري، وشكل ذلك مفاجأة لكثيرين من الذين توقع بعضهم ألا يكمل أوباما ولايته وقد يتمّ اغتياله أو تدبّر له فضائح ترغمه على الاستقالة، لكنه أكمل ولايته الأولى وجدّد له الناخبون لولاية ثانية أكملها أيضاً.

عبّر ذلك عن حقيقة توجهات النخبة الديمقراطية وغالبية الناخبين الأميركيين.

لكن كثيرين توقعوا في ضوء سياسات الرئيس أوباما التي وجهت لها انتقادات حادّة، ولا سيما من الجمهوريين والمحافظين الجدد وأنصار استخدام القوة واللجوء إلى الحروب، أن تتجه غالبية النخبة وغالبية الرأي العام باتجاه اليمين، وتحديداً انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة يشكل انقلاباً على مسار إدارة أوباما ويعيد مسارات إدارة بوش الابن، وراهن الكثيرون على أنّ هذا بات أمراً حتمياً، وسيكون رئيس الولايات المتحدة المقبل رئيساً جمهورياً من المتطرفين وأنصار الحرب لاستعادة هيبة الولايات المتحدة، والعودة إلى محاصرة خصوم الولايات المتحدة ولا سيما روسيا وإيران، ولكن جاءت المفاجأة من النخبة الجمهورية التي أدارت الظهر لكلّ المرشحين الذين عقد الرهان عليهم لأداء هذا الدور، وصوّتت غالبية النخبة الجمهورية لصالح مرشح يخشاه الجمهوريون التقليديون أكثر مما يخشاه أيّ طرف آخر، لدرجة أنّ قادة الحزب الجمهوري هدّدوا بمنعه من الترشح باسم الحزب حتى وإنْ فاز في الانتخابات التمهيدية، وهدّد ترامب بأنه سيخوض الانتخابات كمرشح مستقلّ إذا أصرّ قادة الحزب الجمهوري على تجاهل إرادة غالبية أعضائه، وبكلّ تأكيد إذا ما حدث ذلك، فإنّ النتيجة المترتبة عليه إما فوز ترامب كمرشح مستقلّ، وسيكون ذلك السابقة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وإما أن يستفيد المرشح الديمقراطي من انقسام الجمهوريين ويفوز بمنصب الرئاسة، وفي مطلق الأحوال فإن النتيجة مختلفة تماماً عما كان يراهن عليه الكثيرون، كما أنها تشكل مفاجأة في سياق الأحداث التقليدية للانتخابات الأميركية.

وجود ترامب وشعبيته الكاسحة في صفوف الجمهوريين ووجود ساندرز كظاهرة في صفوف الديمقراطيين، حتى وإنْ لم يحقق النجاحات التي حققها ترامب، يشير إلى أنّ النخبة الأميركية تعيش في مخاض، قد ينظر إليه الآن كأزمة داخل هذه النخبة، ولكنه أيضاً مؤشر على رغبة في تجاوز التقليد الذي حكم الولايات المتحدة منذ نشأتها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى