مقالات مختارة

خروج مصر: كارولين غليك

 

مع أن الحرب في سوريا تواصل تصدرها العناوين الرئيسة في الصحف، إلا انه في الحدود الجنوبية تجري حرب تتصاعد كل يوم وبدأت مؤخرا تهدد إسرائيل بشكل مباشر ايضا. ففي الاسبوع الاخير رفع تنظيم داعش في سيناء إلى الشبكة شريطا أعلن فيه بانه سيهاجم ايلات قريبا، وذلك بالتوازي مع تصعيد التهديدات ضد القوة متعددة الجنسيات في شبه الجزيرة.

وكانت القيادة الأمريكية في هذه القوة أعلنت عن نيتها اخلاء القاعدة في العريش ونقل مركز الثقل إلى قاعدة قرب قناة السويس. وعلم هذا الاسبوع بأن القوة الكندية ايضا هي الاخرى تفكر باخلاء قواتها من سيناء تماما أو نقلها إلى السويس.

يمكن لنا أن نفهمهم. فالقوات متعددة الجنسيات في هضبة الجولان انسحبت قبل سنة ونصف السنة بعد أن اختطفت جبهة النصرة، وهي منظمة متفرعة عن القاعدة، جنود من الفلبين وفيجي واحتجزتهم كرهائن. فلماذا لا يخشى الأمريكيون والكنديون من سيناريو مشابه. فضلا عن انهم ليسوا هناك كي يقاتلوا داعش.

لقد ارسلت القوة إلى سيناء للحفاظ على السلام بين الجيش المصري والجيش الإسرائيلي. والان، بدعم من إسرائيل يخوض الجيش المصري حربا في سيناء ضد عدو مشترك: داعش. في هذا الوضع ليس فقط لا يمكن للقوة متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية أن تساعد بل انها تعرقل العمل. فعلى المصريين ان يحرصوا على مصلحة هذه القوات وبالتالي تشتيت المقدرات التي من الافضل ان يركزوها على هجمات مبادرة ضد التنظيم.

ومع أن الأمريكيين يعترفون بان داعش يخوض حرب ابادة ضد مصر في سيناء، ومع ان الأمريكيين يفهمون بان التنظيم هو عدوهم ايضا، ومع أن في حرب الرئيس عبدالفتاح السيسي ضد داعش وحماس، يبدو ان اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر يؤدي لاول مرة إلى علاقات جيرة حقيقية ـ ومع ذلك فإن الولايات المتحدة لا تقف إلى يمين السيسي. فإدارة أوباما ليس فقط لا تمنحه المساعدة اللازمة كي يقضي على تواجد داعش في سيناء، بل وتلمح بان الرئيس يوشك على هجران مصر.

قبل نحو اسبوعين نشرت «نيويورك تايمز»، صحيفة الادارة، مقالا افتتاحيا دعت فيه أوباما إلى هجران مصر كحليف. وعلى حد قولهم فان نظام السيسي يخرق حقوق الانسان لاعضاء الاخوان المسلمين ونشطاء حقوق الانسان، وعليه يتعين على أوباما «ان يعيد النظر في التحالف الذي كان يعتبر لزمن طويل حجرا أساس في سياسة الامن الأمريكية».

وأقامت الصحيفة المقال على أساس رسالة علنية للرئيس بعث بها أعضاء «مجموعة العمل في الموضوع المصري»، حثوه فيها على اشتراط استمرار المساعدة العسكرية والاقتصادية لمصر بتحسين وضع حقوق الانسان في الدولة. ويدور الحديث عن عصبة «خبراء» من الحزبين بقيادة روبرت كاغن، محافظ جديد كبير يعمل كباحث كبير في معهد بروكينجز، وميشيل دان، دبلوماسية كبيرة سابقة تعمل كباحثة كبيرة في معهد كرينجي للسلام العالمي.

في كانون الثاني 2011 بعث أعضاء المجموعة برسالة مشابهة إلى أوباما دعوه فيها إلى اجبار الرئيس المصري في حينه حسني مبارك على الاستقالة. وفي ذلك قدمت المجموعة لأوباما غطاءا جمهوريا لتنفيذ الخطوة الراديكالية المتمثلة بركل الحليف المتين والاكثر مصداقية للولايات المتحدة في العالم الإسلامي. في حينه مثلما هو اليوم، ادعى اعضاء المجموعة بان الولايات المتحدة لا يمكنها أن تقف إلى جانب مبارك في ضوء ارتكابه انتهاكات لحقوق الانسان. ومع نشر الرسالة وقف الإسرائيليون من كل الطيف السياسي إلى يمين مبارك وناشدوا الأمريكيين إلا يهجروه. إذا ذهب الرئيس، حذروا، فان الاخوان المسلمين سيسيطرون على مصر ويجعلونها دولة جهاد. ولكن الاجماع الإسرائيلي النادر لم يؤثر على واشنطن. وحيال توافق الاراء وقف اجماع أمريكي أصر على أن نظاما ليبراليا ـ ديمقراطيا سينشأ من خرائب نظام مبارك.

أوعظ الأمريكيون للإسرائيليين بان الاخوان المسلمين هم تنظيم معتدل، وان كان من داخله نشأ الجهاد الإسلامي المصري (الذي قتل اعضاؤه أنور السادات)، حماس، القاعدة وكل تنظيم جهادي سني آخر في العالم تقريبا.

هاجم الأمريكيون الإسرائيليين على التحذيرات التي قالت ان ثورة الفيس بوك في ميدان التحرير ليست إلا غطاء رقيقا اختبأ خلفه إسلاميون ليس بينهم وبين القيم الليبرالية والديمقراطية شيء.

في اثناء السنوات الخمسة التي انقضت منذئذ، فان كل التحذيرات التي اطلقتها إسرائيل تحققت. ففور سقوط مبارك، القى الاخوان المسلمون ورفاقهم برجال الفيس بوك عن كل الدرج. 2 مليون مصري اجتمعوا في ميدان التحرير بعد اسبوعين من اعتزال مبارك، وهتفوا للشيخ يوسف القرضاوي حين دعا إلى احتلال القدس بالجهاد، لم تكن تهمهم الديمقراطية. مثلما فهمت بسرعة ايضا نساء مصر والمسيحيون الاقباط، فان اسقاط مبارك، الذي شق الطريق لانتصار الاخوان المسلمين في انتخابات 2012، لم يوسع حقوق المواطن لديهم. فقد هدد مجرد وجودهم.

وبالنسبة للأمريكيين، ففور أداء محمد مرسي اليمين القانونية، بدأ النظام الجديد يطالب بالافراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن، الزعيم الديني الذي قاد تفجير البرجين التوأمين في 1993. كما وقف مرسي جانبا عندما خاض رجاله اضطرابات خارج السفارة الأمريكية في القاهرة في 11 ايلول 2012.

بفضل حقيقة أن مرسي انتخب في انتخابات ديمقراطية، واصل الأمريكيون تأييده. ووافقوا على أن يرسلوا له طائرات اف 16 حديثة رغم أنه استضاف الرئيس الإيراني في القاهرة، سمح لسفن حربية إيرانية بالعبور في قناة السويس ونسج حلفا استراتيجيا مع حماس. واصل الأمريكيون تأييده حتى عندما سمح بالسلاح المتطور بالدخول من ليبيا إلى مصر وسوريا، وحتى بعد أن اتخذ لنفسه صلاحيات دكتاتورية ما كان لمبارك ان يحلم بها.

وبالتوازي مع رفض حقوق المواطن، دمر مرسي اقتصاد الدولة. وعندما اسقطه السيسي والجيش في صيف 2013، كان تبقى في الصندوق القومي المصري 5 مليار دولار فقط، وكان ربع سكان الدولة يتضورون جوعا. ولو كان الاخوان المسلمون بقوا في الحكم، لكانت مصر قد سحقت ليس فقط الديمقراطية بل كانت ستتحول إلى دولة جهاد خطيرة مثل إيران، مع توقع اقتصادي مثل ذاك في كوريا الشمالية.

بكلمات اخرى، مثلما ادعت كل المحافل الإسرائيلية، لم يكن احتمال لان تصبح مصر بعد مبارك دولة ديمقراطية. كانت هناك امكانيتان فقط: طغيان مؤيد للغرب يحافظ على السلام مع إسرائيل، أو دولة جهاد منسقة مع إيران، تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، على الاردن وعلى الاقتصاد العالمي.

هذه هي الخيارات الوحيدة اليوم ايضا، باستثناء أن المخاطر الان اكبر. فكنتيجة للسنة التي قضاها الاخوان المسلمون في الحكم نجحت محافل الجهاد في سيناء في التكتل في قوة شديدة البأس تحت علم داعش، والحرب التي يخوضونها ضد النظام المصري هي حرب شاملة.

في صالح السيسي يقال انه يفهم جوهر التهديد ويتخذ خطوات غير مسبوقة لابادة داعش. يفهم بانه من أجل الحاق الهزيمة بالتنظيم مطلوب اصلاح للدين الإسلامي وعليه، فبالتوازي مع المعركة العسكرية، يجند زعماء الدين من جامعة الازهر لاقامة عقيدة دينية إسلامية جديدة ترفض الجهاد. يراهن السيسي على كل شيء، لانه يفهم بانه إذا انتصر داعش، انتهت مصر.

كي ينتصر في الحرب فانه يتعامل مع إسرائيل كحليف ويؤيدنا علنا ضد حماس التي وصفها كتنظيم إرهابي. خلافا لمبارك، لا يتردد السيسي في العمل ضد حماس، رغم أن معظم ضحاياها يهود. ولكن هذا لا يهم الأمريكيين. فبدلا من تأييده وتأييد كفاحه ضد الجهاد، تشق الادارة الطريق لهجرانه. من الصعب هضم العناد الأمريكي للتمسك بسياسة عديمة المنطق، ولكن لا مفر. هذا هو الوضع وفي داخله على إسرائيل ان تفعل كل شيء كي تدعم السيسي.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى